يستهل توماس كريستين، وكيل مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، كتابه »التحدي الصيني.. خيارات قوة صاعدة«، بملاحظة دالة تقول إن الصين ما بعد 1978 أحرزت تقدماً اقتصادياً »غير مسبوق في تاريخ العالم«، كما سجلت تقدماً مماثلاً في علاقاتها الخارجية وكسرها لعزلتها التقليدية، بل يضيف أنها نجحت منذ تسعينيات القرن الماضي في مضاعفة موازنتها الدفاعية بما يتجاوز نمو اقتصادها، لذا كان من الطبيعي أن يثير هذا الصعود الصيني، من وجهة نظر غربية، زوبعة من التحليلات التي يرى المؤلف أنها نحت إلى المبالغة أحياناً، لاسيما في الولاياتالمتحدة التي يمثل الصعود الصيني تحدياً كبيراً بالنسبة لها، بحيث تتأرجح التمثلات الأميركية للصين بين ذلك العملاق المخيف الذي يقض مضاجع الغرب، وبين نمر من ورق لا يقوى على شيء. وهنا يتدخل الكاتب لينفي الأطروحتين بطرحه لتحليل رصين وموضوعي لأوجه التوازن الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي بين الولاياتالمتحدةوالصين ليكشف الحجم الحقيقي للتحدي الذي تطرحه الصين دون مبالغة. وحسب تقييم الكاتب، لا شك في وجود تهديد صيني، إذ رغم الهوة الكبيرة التي تفصل القدرات العسكرية للبلدين، تظل بكين قادرة على تهديد المصالح الأميركية، لاسيما في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، فالصين الواثقة من نفسها تتمتع حالياً »بتفوق عسكري على كل القوى الإقليمية الحليفة لأميركا«، وثلاث منها (اليابان والفليبين وتايوان) تنازع الصين حول جزر وأراض، لكن التحدي الأهم، كما يؤكد الكاتب، هو إقناع الصين بلعب دورها كعضو فاعل في المجتمع الدولي وتحمل مسؤولياتها العالمية، وبالأخص الدفاع عن المبادئ الليبرالية التي كانت وراء نهضوها الاقتصادي. وهنا تبرز بعض القضايا التي تنتظر تعاوناً صينياً فاعلاً مع الولاياتالمتحدة، مثل قضايا الانتشار النووي، وإدارة الاقتصاد العالمي، وحفظ السلام، والتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري. بيد أن هذه الصعوبات والتحديات التي تشوب العلاقة الأميركية الصينية لا تمنع الكاتب من التعبير عن تفاؤله بشأن مستقبل تلك العلاقات، نافياً فكرة الصدام الحتمي بين القوتين التي ذهب إليها البعض من أمثال أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، جون ميرشيمر، والذي يقول في أحد كتبه: »إذا استمرت الصين في الصعود اقتصادياً فإنها ستسعى لا محالة للهيمنة على آسيا بالطريقة نفسها التي هيمنت بها الولاياتالمتحدة على الجزء الغربي من الكرة الأرضية. والحال أن أميركا ستبذل قصارى ما تستطيع لمنع الصين من تحقيق الهيمنة الإقليمية«، ومن ثم حتمية الصراع.