تجري هذه الأيام منافسة ساخنة بين مرشحين لمنصب «أستاذ الشعر» في جامعة أوكسفورد. وهذا حدث يستحق الوقوف عنده لأسباب عدة، أولها وجود منصب أستاذ الشعر منذ أكثر من ثلاثمائة سنة في إحدى أعرق الجامعات، وثانيها أن من يتصدر قائمة المنافسة للمنصب من كبار الشعراء والنقاد والأدباء وأكثرهم شهرة: الشاعر والروائي النيجيري «وول سوينكا»، والشاعر والناقد الأدبي وأستاذ الكتابة الإبداعية «إيان غريغسون» من جامعة «بانغور» البريطانية. إن التفكير في الشعر هو اعتراف مزدوج؛ اعتراف بالدور الذي قام به الشعر منذ خمسمائة سنة، واعتراف بالأزمة الخانقة، أو السقوط الكارثي لقلعة الكلمة الأولى. وهذا يفرض على من يفوز بالمنصب أن يحمل مشروعا شعريا لإعلاء صوت «الكلام السامي» حسب تعبير منظر الشعرية جون كوهن. فالشاعر والناقد البريطاني «إيان غريغسون» يعترف بوجود أزمة كبرى وشاملة يتخبط فيها الشعر، ومعه الشعراء والنقاد والقراء، بل والأدب عموما. ويرى أن «صعود الثقافات الشعبية هو المسؤول عن تراجع الشعر وليس الرواية». وهذا التشخيص يجعلنا نقف بوضوح أمام حقيقة الأزمة. فالرواية أصبحت هي الأدب، بعدما كان الشعر، وطيلة قرون، هو الأدب. مما وجب التدخل للإعلاء من صوته وأدواره الكثيرة والمتنوعة سواء داخل الأدب أو خارجه. فسقوط الشعر، هو سقوط أشمل: سقوط للشعرية. وهذه كارثة ستمس عمق الآداب والفنون، وعمق الإنسان نفسه، وهذا كابوس لا يتمنى أحد رؤيته. لكن حسب تشخيص «غريغسون» الرواية ليست هي المسؤولة عن أزمة الشعر. فهي جنس أدبي أكول، يلتهم كل شيء أمامه: تاريخ، شعر، موسيقى، أدب رحلة، سيرة ذاتية، دين، فلسفة.. وأن كل من يريد كتابة تاريخ حقيق لجنس الرواية عليه الكتابة عن الأجناس التي اختفت بعد ازدهارها. لكن هذه الأجناس تختفي لأن هناك منافسة شعبية أكثر شراسة من الرواية تتجلى في: التلفزيون، الانترنت ومجمل وسائل الاتصال التي تضع الكلمة منزلة أدنى. لكن، رغم كل شيء، يمكن إنقاذ سمعة الشعر التاريخية بإيجاد حلول مثل هذا الذي اقترحته جامعة أكسفورد: منصب أستاذ الشعر، وهو بدون شك أسمى منصب يمكن تصوره في المناصب الأكاديمية، وإحداث محترفات للكتابة الأدبية يرتفع فيها صوت الشعر، ليستوعب كتاب النثر أن على الجملة النثرية (الروائية أو المسرحية)، أن تكون بنفس دقة وعمق الجملة الشعرية (فلوبير، شكسبير). ولكن يبقى التشجيع على كتابة الشعر وقراءته وتدريسه أكاديميا هو أكبر حل يمكن تقديمه لجنس أدبي قام بأدواره الكبرى منذ فجر الأزمنة.