تهز جينيفير لوبيز أردافها، فيهز حدوده الوطن! لم ننتبه، ونحن نتابع كيف يحدث ذلك زلزالا، إلا أن شيئا ما يستقر في البلاد اسمه «جريمة شرف جماعية غير معلنة يرتكبها بعض المغاربة ضد بعض آخر وضد المغرب، و أن الشرف يستوجب الدم ويستوجب المنع... ويستوجب وقف الاستباحة. وحقيقة المشهد، أنه في مغرب الهنا والآن، ومن أجل مغرب الأبد، يتم بالتدريج ترسيم جريمة الشرف في المجتمع ومن خلال وضع المجتمع على صفيحها الساخن قبل أن يتم تمريرها عبر القانون. ولعل من الترادفات السياسية في الزمن أن تهويل الحديث عن منع فيلم مفترض فيه أنه فيلم لا أقل ولا أكثر، يتم بطريقة ملتبسة، في الحدود بين الشعور الفردي بالإهانة وبين القرار الجماعي بالتجريم، وعوض أن يتم هذا المنع بمقتضيات قانون قائم، يحيلنا على قانون أقرب إلى الأعراف المحينة باسم »المس بسمعة المغرب وشرف المغربيات»، وهو ما لا يوجد له تعريف قانوني قائم الآن. ولا يوجد له وجود مادي في القانون الجنائي.. لهذا يبدو المنع في الجانب العملي منه، سعي إلى خلق واقع للقانون القادم ...للمشروع الذي يتم الدفاع عنه والإعداد له بالنفير. هي مناسبة لتطويع واقع سينمائي، مهما كان الاختلاف معه، لحاجة ملحة إلى مناخ نفسي وعقلي لتقبل هذا المشروع في جوانبه المتعلقة بترسيم جريمة الشرف.. عندما تقدم رئيس الحكومة ووزيره في العدل بمشروع القانون الجنائي، وسلّحاه، ليس بالنقاش العقلاني وبالإطار القانوني، بل بمستلزمات الدفاع عن الشرف في حالة الخيانة الزوجية، كان الشعار المرفوع هو «هل ترضى أن تكون زوجتك خائنة»، وبعد المنع أصبح وجود عاهرات في الفيلم من باب الامتحان الذي يجب أن يتعرض له المغاربة، وأريد لهم ولهن أن يمتحنوا في درجة قبولهم وقبولهن بالسؤال الذي سبق أن طرحه مشروع القانون الجنائي قبل أن يطرحه النقاش حول الفيلم.. كما لو أن الفيلم الممنوع، ما هو إلا لقطة في فيلم بدأ منذ الإعداد للقانون، وبشكل أوضح، فإن جريمة الشرف التي يحيل عليها النقاش المفروض حول منع الفيلم موجودة في المشروع، وقد سمعنا كيف أن رئيس الحكومة اعتبر أن الحديث الهادىء، والقانوني والمحتمي بالقانون ومنه القانون الجنائي المغربي هو نقاش يكشف «ديوثية» وبرودة نفس غير مسبوقة..وبالتالي، فإن الدفاع عن مشروعه ومشروع الوزير، الذي يعطي الحق للرجل بقتل زوجته الخائنة، ويعطي الزوجة نفس الحق، في دولة تعتبر نفسها قريبة من قانون الكون وليس قانون الغاب، يقتضي (هذا الدفاع) امشاق سيوف الشرف والشعور بالسمعة، وما إلى ذلك من العواطف التي جاء القانون في تعريفه البسيط لكي يعوضها ويقيم لها «حدودا»! وليس اعتباطا أن مغاربة اعتبروا أنهم مسوا في شرفهم وتربصوا بالممثل يوسف في فيلم نبيل، و... في الموجة الساخطة على تبان جينيفر لوبيز، وعلى رقصاتها، هناك إحالة من الوزيرعلى «انتهاك »بيوت المغاربة والمس بأخلاقهم والإساءة إلى سمعتهم وذوقهم وملابسهم .. وما إلى ذلك مما يشكل مسودة الشرف في دفتر الحالة المدنية. وهو نفس القاموس، الذي يهييء نفس المناخ، الذي سيساعد على تطبيق نفس القانون.. و «المنطق »الذي يحكم كل هذه الترسانة هو منطق «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، في حالات الأخلاق الفردية والجماعية للناس. وهو منطق يريد أن يتحرك باسم القانون وتحت مسمياته، والفارق بينه وبين التعزير والحسبة و« من استطاع بيده» ، هو هذا الهامش من المكتوب. وتصبح المحصلة هي أن النتيجة واحدة بين الذي اشتغل في الإطار الموضوعي للدولة وقوانينها والتزاماتها، وبين الذي يحاكمها من الخارج ويريد أن يعاقبها على جاهليتها هو الوسيلة القانونية فقط. وبمعنى أن نقوم بالقانون ما يقوم به أخرون باسم التكفير والتعزير والترجمة الحرفية سواء بالقتل أو الجرح أو الهجوم المادي الذي يصيب المعنيين..