مثلي مثل الجميع لم أشاهد شريط المخرج نبيل عيوش ولست بصدد الدفاع عن صاحبه. إنما وجدت نفسي أتساءل عن سبب هذه الحملة الشرسة وغير المسبوقة ضد الرجل. ضد شخصه وضد شريطه. وأحاول العثور على أسباب معقولة تسعف لفهم ما يجري. لم يصلني أن حملة وصلت هذا المدى من الشراسة من قبل. مات الأطفال من البرد. ماتت أمهات وهن يلدن على عتبات المستشفيات. ولم نر حملة تُقاد. حصدت الطرقات آلاف الضحايا. رأينا وزراء يمنحون العلاوات لبعضهم البعض. ورشاوي وفضائح في كل مؤسسة وطبقات سياسية تتآمر ولم ترتفع أصوات تندد بهذا الشكل. ملاعب مغشوشة وحجرات دروس تسبب السرطان وإهدار المال العام... الحملة التشهيرية تندد بما جاء في الشريط من حوارات ظهرت على اليوتوب. إذا كان هذا ما فهمته فسؤالي هو : هل هذه الحوارات وليدة خياله؟ هل هو كلام موجود في الواقع أم غير موجود؟ هل افترى المخرج علينا؟ الذين زاروا ويزورون بورديلاتنا يعرفون أنه موجود. وأيضا الذين لم يزوروها. فلم تعد تسمعه في البورديلات فحسب. لا تسمعه في الكاباريات والنوادي الليلية فحسب، تسمعه الآن في الزنقة. في المدارس وتسمع أكثر منه في الإعداديات. نعم، في الإعداديات، اسألوا أبناءكم أو أقاربكم. وفي مستوى أقل في البرلمان. مجتمعنا ككل المجتمعات الموجودة على وجه الأرض. إما تقليدية وما يقع في دهاليزها من فسق وفجور وكل أنواع المجون لا يستطيع اللسان ذكره، وإما مجتمع كمجتمعنا يحاول أن يتلاءم ويرمم أعطابه. والذي أستغرب له أكثر هو أن المنددين لم ينددوا بدور الرجل. كل مثلي يجد قبالته على الطوار المقابل عشر لوطيين. كل مومس يقابلها في البار عشر رجال مومسون، فاسقون ينهشون لحم المرأة، يمصون دمها ويرمونها للحقد الجماعي الأعمى. ثم إن جزءا مهما من الحمامات التركية الحالية هي بورديلات مفتوحة بالنهار والليل. ألا تعرفون هذا؟ لا يوجد مجتمع بلا أعطاب. ومن يخفيها إنما يحاول أن يطيل أعطابها. ونحن معنيون جميعا. ومسؤولون جميعا، بما فيهم المنددون. بالأضافة إلى الأفلام التي سبقت والتي لا تعدم واقعية لفظية ولم تطلها ما طال نبيل عيوش من قدح وتجريح. أما سمعتنا في الخارج فلا تحتاج إلى هذا الشريط. عشرات الفرق التلفزيونية سبقتنا وسجلت وصورت وحاورت وبثت على قنواتها عشرات الأفلام الوثائقية الساخنة دون أن تثير اهتمام أحد منا. لهذا أظل أتساءل عن سبب هذه الحملة. نحن في سهراتنا لا نحكي غير النكات البورنوغرافية. في سهراتنا وفي سهرات الأطباء والمحامين والعلماء والفقهاء والمومسات وربات العائلات، بين الفتيات والفتيان، عند الحلاق وفي العيادة... نحن من الشعوب العديدة التي تموت على النكات الساخنة. ولم لا؟ هل يرجع سبب التنديد إذن إلى أن هذا الكلام موجود في الواقع وغير مسموح به على الشاشة؟ ربما. إذا كنا لحد الساعة لا نحتمل رؤية صورتنا فهذا مشكل آخر. وهو طبيعي. لسنا الوحيدين من بين الشعوب التي تعاني هذا الانفصام. وإذا كان الأمر على هذا النحو فإن الحملة التشهيرية غير مبررة تماما. وغير مفهومة تماما. السؤال الوحيد المتبقي ليدي هو التالي : هل هي حملة مدبرة لتسويق المنع المسبق وغير القانوني للشريط مغتنمين جو الكآبة المخيم على البلاد منذ الشتاء العربي وظهور سياسة جديدة تدبر الأمور السياسية والاقتصادية عن طريق الأخلاقولوجيا؟ واقعنا الثقافي واقع مأساوي حقا. وأن المنددين حطب لإشعال حرائق بتجاوزاتهم؟