ما لا يعرفه العديد من ساكنة الدارالبيضاء، خاصة جيل ما بعد السبعينات، هو الدور الكبير والفعال الذي لعبته العديد من قاعات السينما بهذه المدينة. الأمثلة كثيرة ومتعددة، لكن نقتصر هنا على قاعة احتضنت لقاءات كثيرة موضوعها واحد، هو الحركة الوطنية.. إنها قاعة »"المسرح الملكي«" الموجودة في قلب منطقة درب السلطان، وبالتحديد شارع أيت يفلمان، والمعروفة عند ساكنة درب السلطان بالسينما الملكي. هذه القاعة احتضنت خشبتها أشهر النجوم العربية والمغربية قبل الاستقلال وبعده، أبرزهم المرحوم يوسف وهبي، فاطمة رشدي، مؤسسة المسرح العربي، فريد الأطرش..، وبعد الاستقلال، عرضت بخشبتها مسرحية "»ابن خرفة«" في عرضها الأول. ويبقى أبرز حدث هو إشراف الملك الراحل محمد الخامس شخصياً على تتبع بناء هذا الصرح الفني الثقافي، وارتأى رحمه الله أن تكون بمنطقة درب السلطان قاعة تضاهي أو تفوق تلك القاعة التي بنيت في عهد الحماية الفرنسية، وما لا يعلمه الجميع، أنه في الطابق العلوي للقاعة توجد مقصورة خاصة بجلالته،، مما يؤكد أنه كان يتردد على هذه المعلمة الفنية والثقافية، كلما حل بهذه المدينة، علماً بأن "المسرح الملكي" لا يبعد عن القصر الملكي إلا بعشرات الأمتار. ولسوء الظروف، وبعد ظهور وانتشار "أجهزة "الفيديو أولا ثم "الديفيدي" المعتمد على الأقراص، وقع عزوف شامل عن ولوج قاعات السينما، واضطر مالكو هذه القاعات إلى عرضها للبيع، فكانت بمثابة ضربة قاضية موجعة لكل مار بالقرب منها حين يعاين يافطة تحمل كلمة صادمة "للبيع"، خاصة كل من كان له بها ارتباط وطيد تاريخياً وثقافياً فنياً؟ خبر انتشر بين العديد من المهتمين بالشأن الثقافي والفني، ليرتفع صوت التنديد والاستنكار، خصوصاً وأنها تقع في أحد الأزقة التي تعتبر الممر الرئيسي إلى أشهر وأكبر القيساريات بالمغرب، "قيسارية الحفاري" وقيسارية الشاوية، وبالتالي، فإنها أسالت "لعاب" أصحاب الشكارة ومحترفي هذا المجال، حيث أنه وبقدرة قادر، وفي وقت قياسي، كادت هذه القاعة أن تتحول إلى متاجر لشتى أنواع التجارة؟ وبعد مرور أكثر من شهرين على إعلان بيع هذه القاعة، جاء الخبر المفرح، الذي يؤكد أن هناك جهات معينة تحركت لتتوقف عملية البيع وتزال تلك اليافطة، على اعتبار أن صاحب هذه المعلمة الفنية سيدعم مادياً ومعنوياً، ومن حسن الصدف، أنه بعد تغيير المسؤول الأول في السلطة المحلية، وبعد قرار تحرير الملك العمومي، برزت من جديد هذه القاعة، بعد أن تحرر محيطها واتسع مدخلها ، ليستعيد "التاريخ" بعض "لمعانه " ، وقد وأكدت مصادر للجريدة أن الاستعدادات على قدم وساق لإعادة فتح القاعة لمختلف العروض الفنية والثقافية، خاصة أن المنطقة تزخر بطاقات هائلة في التمثيل والتنشيط والغناء، كيف لا وهي امتداد لرواد معروفين منهم من قضى نحبه، ومنهم من أطال الله في عمره، الأمثلة كثيرة واللائحة طويلة لا يسع المجال لحصرها.