(العالم مثل الكتاب، و من لا يسافر يقرأ منه صفحة واحدة فقط ) القديس أوغسطين احتفاءً بالنصوص الرحلية المعاصرة ، واستمرارا لمنجزات سابقة في الموضوع، عقد مختبر السرديات بتنسيق مع ماستر السرد الأدبي الحديث والأشكال الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، يومه الاثنين 18 ماي 2015، في الساعة الثالثة بعد الزوال، مائدة مستديرة حول موضوع "سرديات السفر" قارب فيها المشاركون صورة الأنا والآخر في أربع مؤلفات توزعت بين اليوميات والمذكرات ومحكي السفر، للأدباء : عبد العزيز الراشدي محمد اشويكة أيمن عبد العزيز والعربي بنجلون، بحضور الكاتب عبد العزيز الراشدي وثلة من الأساتذة والباحثين. افتتحت الجلسة التي ترأسها عبد الرحمان غانمي، بورقة خديجة الزاوي الموسومة ب"صورة الأنا والآخر في كتاب "أن تسافر" للعربي بنجلون، الذي يحتضن بين دفتيه مجموعة من الأسفار قام بها نحو الدول العربية والغربية والآسيوية، مستأنسا بعمق التجربة، ومعتمدا على عنصر الذاكرة. وقد عكست هذه الرحلات مجموعة من القضايا الجوهرية التي شيدت فضاء السرد الرحلي عبر عدد من المواقف، إذ التقط لحظات أضحت أفقا للتفكير في ثقافة كل بلد، ملامسا بذلك سيميائيات الأمكنة والناس، والعادات ... ولعل من أهم القضايا المطروقة في الورقة ، جدلية الأنا والآخر التي تعد مسألة عريقة في تاريخ الفكر البشري، وأصبحت أكثر حضورا في النصوص الرحلية، فرحلة الأنا إلى الآخر هي محاولة لاكتشاف الذات واكتشاف الآخر بما يعكس هوية ثقافية، وإيديولوجيات مختلفة. وقدمت لمياء جوهري ورقتها حول"صورة الآخر في الرحلة السياحية من خلال كتاب المغرب في عيون مصرية لأيمن عبد العزيز "، الآخر الحاضر في ذواتنا بالقوة وبالفعل ، فلا هو يستطيع نفينا باعتبارنا ذواتا أخرى، ولا نحن بدورنا ننفي حضور الآخر فينا. وأيمن عبد العزيز خرج من وطنه بحثا عن آخره الذي جسده في الأنثى، النصف الآخر لأناه، ورحلته هاته كانت سفرا لمعرفة هذا الآخر المغربي المغاير عن الأنا المصرية بخصوصياتها الثقافية والفكرية والطقوسية. إن الكتاب صورة بانورامية عن المغرب، حاول من خلالها أيمن عبد العزيز كشف صورة الآخر من منظور الأنا ومن موقعه الذاتي، عبر استجلاء التجربة وتصويرها في واقعيتها عبر التواصل مع الآخر والاحتكاك به في موطنه. و تناولت فاطمة الزهراء عطيوي في ورقتها "أمكنة لا تنسى، من كتاب أنفاس جغرافيا رحلات لمحمد اشويكة "صورة الأنا والآخر بالتركيز على الآخر العربي الرؤية الانبهارية الطموح في التغيير وحفريات الذاكرة، كما حاولت الوقوف على عنصرين أساسيين تمثلا في الوصف والسرد، حيث جاء هذا المؤلف سردا عن تجربة مكانية داخل فضاء المغرب مشفوعا بأوصاف لمؤهلات أثرية وعمرانية وطبيعية، تنفح منها جماليات تزخر بها فضاءات وأمكنة وطئتها أقدام الكاتب ،فحفرت في نفسه مكانة خاصة استشعر معها وجد الحنين إلى الذكريات المبحرة في غياهب زمن مضى. أما ياسمين سيدري فقد قاربت "صورة الآخر في كتاب "يوميات سندباد الصحراء" لعبد العزيز الراشدي - والذي حضر هذا اللقاء - على نقل صورة عن الآخر الغرب كآخر مغاير وصورة معكوسة عن الأنا، بحيث كشف هذا الكتاب عن مكنونات الذات في علاقتها المزدوجة بين العربي والغربي من خلال مجموعة من القضايا؛ علاقة الدهشة بالكتابة كقضية أولى الآخر ودهشة الذات والآخر وصدمة الذات ثم علاقة الكتابة بالصورة. بعد هذه المداخلات تحدث شعيب حليفي في كلمته، عن المتخيل الرحلي واختلافه من نص لآخر في كل هذه النصوص، فبقدر ما تتشابه هذه النصوص وتتقاطع عند محكي السفر بقدر ما تختلف باختلاف رؤية الكاتب ووعيه وحرفته. كما تحدث عبد الرحمان غانمي في كلمته، عن السفر باعتباره قبل كل شيء اكتشاف للذات، فالرحلة هي اكتشاف ذات الكاتب بصيغ وأشكال متعددة، كما هي سفر ثقافي وجغرافي ونفسي بالأساس. فالرحلة ذات أبعاد أنطولوجية مرتبطة أساسا بذات الكاتب، وفي ضوء كل هذا، يمكن إثارة البعد الجمالي الذي يمكن أن تضيفه لجنس الرحلة. وركز الكاتب عبد العزيز الراشدي في كلمته، على أهمية اللغة أثناء عملية كتابة النص الرحلي، فالكاتب وهو يكتب الرحلة يراقب العالم والأحداث ويحلم بخلق عالم لغوي. لقد أثار موضوع "سرديات السفر" شهوة السؤال عند الحاضرين ولذة الحفر في هذه النصوص الرحلية، صورة الذات نحو آخرها القابع في مكان آخر، والمختلف من حيث الطقوس والعادات ، الأفكار والسلوكات .