كانت ندوة 12 ماي الجاري التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الانسان ندوة مفصلية في موضوع " الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب " التيمن المفترض إنشاؤها قبل متم نونبر المقبل . مفصلية لانها أبرزت ليس فقط أهمية إحداث الآلية لتعزيز منظومة حقوق الإنسان بالمغرب وللقطع مع آفة أرقت المغاربة ووشمت آثارها على أجساد المئات منهم وعلى نفسيتهم بل وعلى جثت العشرات الذين قضوا تعذيبا في ضيافة السلطة . بل في توضيح مهام ومعايير وشروط ومتطلبات هذه الآلية ... إختار المجلس عنوانا لهذه الندوة يتمثل في التحديات والممارسات الفضلى للآليات المتواجدة اليوم في العالم وعددها 44 منها 34 في أوروبا . ودعا للتحدث فيها بالاضافة إلى المجتمع المدني الذي حضر بكثافة وساهم بجدية وعمق في المناقشات الحكومة والبر لمان وخبر اء دوليين من اللجنة الفرعية للأمم المتحدة لمنع التعذيب ، واللجنة الاوربية لمنع التعذيب والمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب (كرامة) وخبراء من مجلس أوروبا وكذا آليات وطنية بأوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بالإضافة إلى جمعية الوقاية من التعذيب ومقرها بجنيف وهي شريك للمجلس في تنظيم الندوة . رئيس المجلس إدريس اليزمي رسم في كلمته الافتتاحية صورة ثلاثية الابعاد تتعلق بحقوق الانسان بالمغرب . بعدها الأول ماأنتجته هذه المؤسسة الوطنية الدستورية منذ إحداثها في فاتح مارس سنة 2011 كامتداد للمجلس الاستشاري لحقوق الانسان خاصة فيما يتعلق بواقع الفضاءات التي تنتمي لمراكز الحرمان من الحرية وهي تقارير حول وضعية السجون والمستشفيات العقلية ومراكز حماية الطفولة والتي شخص المجلس أوضاعها ورسم واقعها ووقدم شهادات لنزلائها أفادت العديد منها بوجود حالات تعذيب ومعاملات مهينة وحاطة بالكرامة وإن لم تكن ممنهجة . البعد الثاني للصورة هو الآليات التي تنتظر الإحداث طبقا لإلتزامات المغرب الدولية بعد مصادقته على إتفاقيات تتعلق بحقوق الانسان . وهذه الآليات بالاضافة إلى آلية الوقاية من التعذيب هناك آلية التظلم وتقديم الشكايات بالنسبة للأطفال والآلية ضد التمييز والآليات المتعلقة بالأشخاص في وضعية إعاقة . البعد الثالث هو الترسانة القانونية التي يجب إخراجها إلى حيز الوجود في سياق تنزيل الدستور .هناك 5 نصوص تهم العدالة وهي المجلس الاعلى للسلطة القضائية والنظام الاساسي للقضاة والمسطرة الجنائية والقانون الجنائي والقانون المدني .وهناك 3 قواني ترتبط بالمناصفة والمساواة وهي هيئة المناصفة التي نصت عليها المادة 19 من الدستور وقانون محاربة العنف ضد النساء والعمال المنزليين . وهناك مدونة الصحافة بنصوصها الاربعة وقانون الحق في الحصول على المعلومة الذي نص عليه الفصل 27 من الدستور والقانونين التنظيمين المتعلقين بالمبادرة التشريعية وتقديم العرائض وقانون الإطار حول الإعاقة . ومن شأن إحداث هذه الآليات وسن هذه الترسانة بملاءمة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان من شأن ذلك أن يعزز منظومة حقوق الانسان بالمغرب . عبد الرزاق روان الكاتب العام للمندوبية الوزارية لحقوق الانسان اشار إلى أن المغرب هو الدولة ال 76التي صادقت على البروتوكول الإختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والدولة الرابعة في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا .وقد صادقت عليه كما هو معلوم الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 2002 ويضم 37 مادة و خصص جزءه الرابع للاليات الوقائية الوطنية . الدول التي أحدثت هذه الآلية لم تستقر على خيار وحيد يقول روان "منها من أوكلها للمؤسسات القائمة كمؤسسة حقوق الانسان ذات الولاية العامة وهو الاتجاه الغالب (24 دولة ). ودول أخرى إختارت إحداث مؤسسات جديدة ". وذكر الكاتب العام للمندوبية بالملاحظات والاستنتاجات التالية : أن المجلس الوطني لحقوق الانسان يمارس حاليا وظيفة الوقاية من التعذيب طبقا للظهير من المحدث له . نوهت به عدة هيآت دولية منها المقرر الأممي الخاص بموضوع التعذيب السيد خوان مانديز عقب زيارته للمغرب سنة 2012الذي صرح بأن المجلس تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في البروتوكول من استقلالية وخبرة . وهو ماجعله يعتمد في الدرجة (أ) من طرف لجنة التنسيق الدولية لمؤسسات حقوق الانسان . المجلس راكم خبرة وتجربة كبرى من حيث الحماية والرصد والتحري والتدخل ومن حيث النهوض بثقافة حقوق الانسان. التوجه الدولي يسير في اتجاه منح المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان احتضان آلية الوقاية من التعذيب. وفي حديثه عن متطلبات الآلية قال روان أنه ينبغي منحها صلاحيات واسعة فيما يخص مراقبة أماكن الحرمان من الحرية وتمكينها من الولوج الى هذه الأماكن بدون قيد أو شرط وفي كل الظروف وتيسير حصولها على المعطيات والمعلومات ذات الصلة باختصاصها.وان مرتكز التمثيلية الذي يتمسك به البعض يبقى نسبيا وغير ذي جدوى بالنسبة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المختصة ومنها الآلية. وأن مرتكز الإستقلالية الذي ينبغي أن تتمتع به هذه الأخيرة بناء على المعايير المتضمنة في البروتوكول تنص اساسا على استقلالية هذه الىلية على الحكومة ولايتعلق باستقلالها عن المؤسسة الوطنية ذات الولاية العامة . تناول الكلمة في نفس الجلسة المندوب الدائم للمغرب لدى الاممالمتحدة بجنيف محمد أوجار الذي أبرز الصورة التي أصبح يحظى بها المغرب في مجال حقوق الانسان وأنه بمناسبة الذكرى العاشرة لإنشاء مجلس حقوق الانسان هناك مبادرة للتفكير في الآفاق الجديدة التي يجب أن ينخرط فيه المجلس . وأشار إلى مبادرة ......التي تجمع إلى جانب المغرب كلا من المكسيك وتايلاند في رعاية واحتضان حلقة من حلقات النقاش للتفكير العميق والشامل لمساءلة الآليات والمعاهدات وعلاقة مجلس حقوق الانسان بمجلس الامن الدولي وبالاجيال الجديدة لحقوق الانسان. كما تطرق أوجار إلى المبادرة الدولية التي اتخذتها بلادنا بمعية الدنمارك والشيلي واندونيسيا وغانا وجمعية الوقاية من التعذيب بهدف مصادقة كل دول العالم على اتفاقية مناهضة التعذيب . وان الرباط وكوبنهاكن سيشرفان وفي ضيافة المجلس الوطني لحقوق الانسان على منتدى دولي في سياق هذه المبادرة. آخر المتدخلين في الجلسة كانت السيدة إيستر شوفلبريكر، مسؤولة برنامج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجمعية الوقاية من التعذيب . وللإشارة فإن هذه الجمعية كانت وراء إخراج البروتوكول إلى حيز الوجود ومن أجل إيجاد آلية للوقاية . قالتعذيب تقول ايستر" يهدم حياوات وعائلات ومجتمعات بأكملها ويخرب العلاقة بين المواطن والدولة ويحول دون تحقيق الامن والسلام". وأنه بعد عشر سنوات من إعمال البروتوكول برزت خلاصات رئيسية أبرزها أنه ليس بمقدور الآلية لوحدها الوقاية من التعذيب . إنها مسؤولية مشتركة مع المجتمع المدني والسلطات .وأبرزت بعض الصعوبات التي ستعترض أعضاء الآلية :" سيزورون دون سابق إعلام سجنا أو مخفر بوليس. قد يكون في منطقة قروية , في المساء أو في منتصف الليل أو في ساغات الذروة .سيتردد المسؤول الإداري أو الأمني في استقبالهم لكنه سيقبل على مضض في أن تتم الزيارة. سيستمع أعضاء الآلية للمحرومين من حريتهم . سيلاحظون وجود فراش متشخ أو مهترئ . ويطلبون فتح أبواب موصدة ويطلعون على السجلات ... سيعدون تقريرا وتوصيات إعمالها سيتطلب وقتا لكن يجب أن يتشبثوا بالأمل في أن الآلية ستعزز الوقاية من التعذيب وأن تكون فعالة وتستجيب لانتظارات المغاربة... الجلسة الموضوعاتية الاولى كان عنوانها "الآلية الوطنية وأهم مقتضيات البروتوكول " ترأسها النقيب عبد الرحيم الجامعي رئيس المرصد المغربي للسجون تحدث في بدايتها ماركوس جايكير رئيس قسم بمجلس أوروبا الذي تقاسم مع الحاضرين بعض القناعات المستمدة من تجارب لجان الوقاية من التعذيب ال 34المتواجدة بأوروبا . ولخصها في 6 عناصر : أولا أنه لتمنع معاملة سيئة يستلزمك بالضرورة معرفة دقيقة وفهما أكبر لقواعد و ممارسات وعلائق الناس فيما بينهم .ماهي أفعالهم وردود أفعالهم؟ إن ذلك سيساعد الآلية لأنها ستمارس سلطة تحقيق من خلال طرح الأسئلة ومعاينة الأشخاص والأماكن . إنها ستلج أماكن الحرمان من الحرية دون سابق إعلام وتلتقي بأشخاص متطلع على ملفات وفي أي لحظة. ثانيا ؛أن يتم التحضير الجيد لكل زيارة وأن تنقل المعلومات بين أعضاء الآلية والقيام بعملية تقاطع المعطيات المتوفرة قبل الذهاب إلى المكان.وهذا يتطلب فريقا متعدد التخصصات ...وأن لايتم الإخبار بموعد الزيارة وأن لايزور نفس الفريق نفس المكان وأن يأخذ وقته الكافي في المعاينة والإستماع ... ثالثا ؛أن يتوفر الفريق على مخيال فالزيارة هي ليست للتأكد من معطيات بل وللإجابة على احتمالات نتخيلها تهدف أساسا إلى تقليص والحد من الممارسات المهينة للكرامة. رابعا؛أن تكون للآلية مصداقية وأن ترسخ قناعة مفادها بأنها شريك عادل . ولكي تتسم بذلك عليها أن تشرح وتوضح طبيعة عملها ومهامها. خامسا ؛إن الوقاية لن تتم بأي حال من الأحوال فقط من خلال الآلية . إن اعتقدت أنها ستواجه لوحدها التعذيب وسوء المعاملة فإنها ستتجه إلى الفشل . إنها بحاجة إلى المسؤولين الذين يتواجد في ضيافتهم الأشخاص المحرومون من حريتهم . بحاجة إلى هؤلاء الأشخاص ولعائلاتهم. إنها بحاجة لكسب ثقة السلطات .... وأن تتقاسم نجاحاتها مع جميع هاته الأطراف. سادسا ؛إعتبار أن اكتشاف حالة جديدة من التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة هو فشل للوقاية . وهذا يتطلب معرفة أسباب كل حالة ودوافعها والبحث في كيفية حدوثها . استهلت أمينة بوعياش الكاتبة العامة للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان مداخلتها لتنوه بملاحظة خريطة الحضور التي تؤكد بالفعل التفاعل مع مضامين البروتوكول الاختياري من خلال إشراك المجتمع المدني في الإعداد لإنشاء الآلية .وتساءلت بشأن النموذج الأمثل والخيار الناجع للمغرب . أما باربارا بيرناث مسؤولة العمليات بجمعية مناهضة التعذيب فطرحت ثلاث تحديات من شأنها أن تواجه اي آلية مستقلة وفعالة . أول هذه التحديات جسامة المسؤولية فعندما نتحدث عن الزيارة فليس فقط للسجون ومخافر البوليس بل لمجمل مراكز الحرمان من الحرية بما فيها مستشفيات الامراض العقلية ومراكز حماية الطفولة والرعاية الاجتماعية . وأن هذه الزيارات بحاجة إلى برمجة طبقا لمعايير ولتوزيع جغرافي ودرجة خطورة كل موقع والفئات الهشة المتواجدة بها . ثاني التحديات إحتمال وقوع انتقامات قد يتعرض إليها الأشخاص الموقوفون الذين تعاملوا مع الآلية وبالتالي يجب حماية هؤلاء الأشخاص بل أن يتم الإستماع إليهم جماعات حتى لاتسنهدف مصادر معطيات الآلية . ثالثا . إشكالية إعمال التوصيات وهذا موضوع قد يؤثر على عمل الآلية ومصداقيتها . ولتيسير ظروف إعمال هذه التوصيات لابد من إعتماد مقاربة كسب الثقة ليس فقط عموديا في علاقة الآلية بالسلطات بل أفقيا كذلك مع الأشخاص الذين التقتهم ومع الموظفين المسؤولين على إنفاذ القانون .... عقب على العروض الثلاثة كل من السعدية وضاح عضو المجلس الوطني لحقوق الانسان التي أثارت الدور الحمائي والوقائي للآلية ولضرورة تعديل الترسانة القانونية ذات الصلة مثل المسطرة الجنائية . والضمانات التي يجب توفرها للآلية مثل الاستقلال الوظيفي والخبرة والمهنية والموارد المالية والإدارية. أما بوبكر لاركو رئيس المنظمة المغربية لحقوق الانسان فأبرز أن دور الآلية ليس هو تصيد التعذيب بل معرفة اسبابه والبحث عن كيفية القطع معه والوقاية منه . وأشار إلى أن هناك ضعف تعريفي للتعذيب وسبل مواجهته في مسودة القانون الجنائي ومشروع المسطرة الجنائية المعروضين اليوم على النقاش. الأستاذ الجامعي عبد العزيز النويضي أشار في تعقيبه إلى عدد من النقط تتعلق بأهمية السلطات القانونية والمادية التي يجب أن تتوفر للآلية خاصة تجاه الذين يتوفرون التعامل معها . والإعداد الدقيق للزيارات . ومؤهلات الفريق وتعدد تخصصاته والإيمان بفضيلة التعاون مع جميع الاطراف . وتحدي تنفيذ التوصيات وتوفير الضمانات لضباط الشرطة القضائية وحراس السجون ... رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف مصطفى المانوزي دعا إلى ضرورة فتح نقاش عمومي حول المنظومة الجنائية من أجل تعزيز حماية الحقوق والحريات و أكد على ضرورة إجماع الحقوقيين في إحداث الآلية لأنهم يكتوون بنار التعذيب . ودعا إلى اليقظة في تشكيلها وحمايتها من المقاومة . آخر المعقبين كان محمد النوحي رئيس الهيئة المغربية لحقوق الانسان والذي اثار وضعية القضاء والحق في الحصول على المعلومات وعدم ملاءمة مسودة مشروع القانون الجنائي مع المعايير الدولية لحقوق الانسان. في الجلسة الموضوعاتية الثانية التي ترأسها حسن السملالي رئيس مؤسسة ادريس بنزكري للديمقراطية وحقوق الانسان انصبت على التجارب والممارسات الفضلى عبر العالم وقدمت فيها كاديدا سانغازي ريسة اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بمالي تجربة بلادها بشأن الآلية .واستعرض هانز درامينسكي بترسون الخبير الطبي بالمعهد الدانماركي لمناهضة التعذيب دور الاطباء في الكشف عن التعذيب .وعقب على هذه العروض كل من جميلة السيوري باسم المجلس الوطني لحقوق الانسان وخديجة مروازي الكاتبة العامة لجمعية الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان وعمر بطاس باسم الجمعية الطبية لتأهيل ضحايا التعذيب . وفي الجلسة الثالثة وعرض أندري فيراني الامين العام للمراقب العام لأماكن الحرمان من الحرية بفرنسا تجربة بلاده بإيجابياتها وسلبياتها . وقدم محمد الصبار الامين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان مرافعة من أجل توطيبن الآلية بالمؤسسة الوطنية المجلس تتكون من 19 نقطة . وتوجت الندوة بجلسة تحدث فيها السادة ماركوس جاير رئيس قسم بمجلس أوروبا وميشال توبيانا رئيس الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان وايستر شوفلبيرك عن جمعية مناهضة التعذيب وادريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان.