الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    كيف يستغل المال الجزائري في صناعة الفشل؟    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط لأزيد من 3 مليار درهم    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبيعة اللغة الشعرية في التجربة الزجلية مراد القادري
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 05 - 2015

التحق الشاعر مراد القادري بركب الكتابة الزجلية بعد عقد من رسوخ أسماء جيل الرواد.أتحث هنا عن أحمد لمسيح وإدريس المسناوي ورضوان أفندي وعبد اللطيف بن يحي وآخرين.ولأن نهر الحياة متجدد فقد وفد لفيف من الأسماء الجديدة إلى حياض الزجل ومنهم مراد القادري الذي وان رأت باكورته الشعرية الأولى النور في أواسط التسعينات من القرن الماضي(حروف الكف 1995). فانه بدأ النشر في الجرائد منذ أواسط الثمانينات..لحظة كان اختيار الكتابة بالدارجة صعبا بالنظر للأجواء السياسية الساخنة آنذاك.وأستحضر السؤال اللغوي الشائك بمغرب الثمانينات(القضية الأمازيغية والفرنكوفونية وما شابه ذلك).وكان من الطبيعي أن يكون ديوانه الأول حاملا لصدى المرحلة التي أنتجته بخلاف مولوده الثاني(غزيل البنات2005)الذي كان ألصق بهموم الذات وذا نفحة ايروكتية مائزة..فقط تجدر الإشارة هنا الى أن الشاعر مراد القادري زواج بين الإبداع والبحث الأكاديمي(1) الأمر الذي انعكس على فصوصه الأخيرة.فضلا عن حضوره النوعي شعريا من خلال ترجمة ديوانيه الأخيرين إلى الاسبانية.وتمثيله للزجل المغربي رفقة آخرين في أنطلوجية الشعر المغربي(عبد اللطيف اللعبي2005).دون نسيان نشأته في مدينة سلا:مدينة الملحون وطرب الآلة وليالي الذكر والحكاية حيث وجدنا صدى هذه الروافد في إصداراته كما سيمر معنا في صلب المقاربة إن على مستوى اللغة أو المتخيل أو الإيقاع ...
1 -خصوصية اللغة الشعرية:
تقترح اللغة الشعرية نفسها كلغة مشحونة بمسافات التوتر ولذلك فهي مرتهنة لتعدد المعنى ..مفتوحة على القناع والرمز ومستدعية للأسطورة و مشتغلة على البعد الإيحائي للنعوت والصفات مع إسقاطها لأدوات الربط.وفضلا عن ذلك فهي لغة مهتمة بتفاصيل الحياة اليومية تولي الأهمية لقضايا الذات بدل الهموم القومية ..هي خلاصة مسار ونزعة شكية في المؤسسات عموما..شك جعل الأنا وطنا بديلا عن الوطن ولو إلى حين.
إن اللغة الشعرية الجديدة فضلا عن كونها خلصت الزجل المغربي من هتافيته وجماهيرية السبعينات والإنشائية التي أغرقت القصيدة في لغة أكبر من الموقف الشعري.لغة أشرت على تحول مفصلي في تاريخ الزجل المغربي الحديث.لغة يمكن اعتبارها مختبرا حقيقيا لاختبار شعرية الدارجة..لغة جديدة بقدر جدة الواقع المغربي.لغة بها تخطت القصيدة الزجلية الحداثية الشعار للشعر.فقط تجدر الإشارة هنا إلى أن الحديث عن اللغة الشعرية الجديدة لا نروم من خلفه الحديث عن لغة صافية بالمطلق ونقية تماما من النثرية وامتداداتها..وما توصيفنا لها باللغة الشعرية الجديدة إلا اعتمادا على النغمة المهيمنة للخطاب.وعموما فمفهوم الصفاء والنقاء المطلق سواء في اللغة أو النوع الأدبي مفهوم توارى مع أفول نجم الرؤية الكلاسيكية للأدب.
إن اللغة الشعرية باعتبارها جوهر الشعر لا يمكنها أن تكون حلية خارجية فهي رافعة تكوينية لرؤيا الشاعر تتخلق من قلب الموقف الشعري لا قبله.إنها ليست مجرد وسيلة للإبلاغ كما كانت في القصيدة التقليدية .ولا مجرد بعد جمالي محض كما في بعض التجارب الراهنة.هي أداة تبالغية تضع ضمن أولوياتها سؤال الكيف ثم ماذا يقال،على خلاف النثر العلمي الذي يمثل الدرجة الصفر في الشعرية.لهذا تركز اللغة الشعرية على الإيحاء والانزياح في بعديه السياقي واللفظي والاستدلالي والدلالي(2)
إن اللغة الشعرية بارتكازها على أدوات بلاغية مخصوصة بغاية ترك أثر جمالي تدخل في اهتمام علوم إنسانية متجاورة بدءا من اللسانيات ومرورا بالهيرمنوتكا وقوفا عند «الأسلوبية التي تعنى بدراسة الخصائص اللغوية التي تحول الخطاب من سياقه الإخباري إلى وظيفة التأثير الجمالي.»(3)
وإذا كان ثمة إجماع حول أدوات اللغة الشعرية المتوزعة بين مسافة التوتر والمجاز والرمز والقناع وما شابه ذلك.. فان مدارس بعينها تدخل اعتبارات إضافية حيث ركز الشكلانيون الروس مثلا على ذاتية الكاتب التي أصبحت تشكل مرجعا مهما في الخطاب الشعري. ذات أصبحت تتغلغل في تصوير ما تراه مقترحة واقعا خاصا وان كانت ذات الكاتب ليست هي نفسها التي تقدمه فإنها تقترح أقنعة جمالية لإيصال صوتها الذاتي.غير أن اللغة الشعرية في إطار تحديد هويتها تجد نفسها مضطرة لتعريف ذاتها بالنقيض.أقصد مقارنتها بالنثر العلمي المتماس مع الواقع أحادي المرجع والإحالة،وانعدام إمكانية تأويل خطابه بخلاف طبيعتها الإيحائية والأقل تمثلا للواقع والمتعددة المرجع والقابلة للتأويل.(4)
إن إحدى خاصيات اللغة الشعرية عند مراد القادري هي اقترابها الشديد من اللغة اليومية وهي إحدى تمظهرات تجدد الشعر التي كان شاعر التجديد العالمي توماس إليوت قد دعا إليها بكثير من الحماس.ملمح جمالي دافع عنه مبكرا في السياق العربي محمد النويهي في كتابه «قضية الشعر الجديد»(5)ولغة الشعر بهذه الخلفية تحاول نقل حرارة الواقع والتقاط نبض الحياة المغربية المتطورة مؤسسة حداثتها على رافعتين :أولا انتقاد البنيات المعرفية والمجتمعية والجمالية القائمة.. وثانيا كتابة قصيدة مضادة ومغامرة باستكشاف آفاق شعرية بكر.. ولذلك فهي تضع المعنى في مأزق.مآل يؤشر على أن القصيدة الزجلية المغربية الحديثة تطورت بفعل عامل داخلي تمثل في صراع توجهين متنائيين:القصيدة-الشعار والقصيدة -الشعر.وتطورت كذلك بفعل عامل خارجي هو انفتاح رموزها على خلاصات قصيدة النثر المعربة حيث أعادت القصيدة الزجلية المغربية إلى الواجهة مفهوم الشعر وطبيعة اللغة الشعرية والمتخيل الشعري...نقاش أفاد كثيرا تطور الزجل بالمغرب سواء على خلفية ندوات المهرجانات الزجلية أو على صفحات الجرائد والمجلات أو بالمواقع الرقمية...
2-تجليات اللغة الشعرية في تجربة مراد القادري:
2-1شعرية العناوين:
تطرح العناوين دائما إشكالات نظرية شائكة ومركبة من قبيل:هل العنوان أصل أم فرع؟وهل هو تتويج للنص أم استهلال له؟وبأي معنى عملية التأثير والتأثر بين العنوان والنص تسير دائما في صالح العمل؟ولماذا ثمة حصر لوظائف العنوان في أربعة ركائز فقط حسب جيرار جنيت؟»الإغراء والإيحاء والوصف والتعيين»(6)وهل حقا أن العنوان عاجز على أن يصبح بنية دلالية مستقلة لها اشتغالها الدلالي بأبعادها المختلفة؟بل أكثر من هذا ألا يمكن اعتبار العنوان سؤالا إشكاليا والنص إجابة عنه؟جملة من الأسئلة القلقة سنحاول الاهتداء بها ونحن نقارب عناوين الدواوين الثلاثة لمراد القادري.
2-1-أ-حروف الكف(7):
ورد عنوان الديوان الأول للشاعر مراد القادري جملة اسمية مركبة من «الحروف والكف»مفردتان ذات امتدادات دلالية لا حصر لها حتى وان عزلت عن قصائد الديوان.فالحروف حسب معجم الرموز تمتلك قوة خلاقة لأنها في الأصل هبة ربانية.حروف علمها الرب لآدم في لحظة صفاء.قيمتها الرمزية تتمثل في استهلال بعض الآيات القرآنية بها. فهي تجسيم مادي لقول الرب. كما أن الحروف عند المتصوفة وسيط لمعرفة حقائق الخلق.وعلى الرغم من محدوديتها ،فتوليفاتها الافتراضية لا متناهية تماما كما هي مخلوقات الرب.بها صار للإنسان ذاكرة وتاريخ..(8)
أما الكف باعتبارها وجه اليد فهو متعدد الإيحاءات حسب وضعيته.الكف الممدودة كناية على الرغبة في التعاون والتعارف.ورفع الأكف في اتجاه السماء مناجاة للرب.والكف عموما تمتلك وظيفة ذات غايات متناقضة..فهي تصفع وتربت على الكتفين،تقسو وتحنو..الكف كذلك تتحول لأداة رؤية بوضعها على القلب نرى بها إيقاع الخافق.وبالكف صنع الإنسان مجمل آثار الحضارة البشرية..غير أن السؤال الملحاح هنا هو: ما العلاقة الجامعة بين الحروف والكف و»حروف الكف» وقصائد الديوان؟
ثمة معنى بعيد ل»حروف الكف»وهو إشارتها لآثار الكتابة أي قصائد الديوان في حالتنا هذه.قصائد تحيل رأسا على ملامح الشاعر.وهناك معنى مجاور مجازي يفيد ملامح الكف والحروف هنا بمعنى الملامح.ثم هناك معنى ثالث لحروف الكف والقصد بها حركاته المتنوعة والدالة على احتياج أو رغبة أو طلب.يقول الشاعر في قصيدة الشوفة.ص32:
«رفع كفوفو للسما.
(...)
نضربو كف على كف
ونقولو:ربي يخلف.»
وظف الشاعر في هذا العنوان مفردتين متداولين(حروف/الكف).لكن بمجاورة واحدة للأخرى حرص على توزيع توافقي لحرف الفاء في نهاية كل كلمة..علما أن تكرار نفس الحرف له وظيفة إيقاعية و أسلوبية.كما أن التكرار يفيد التنبيه والتأكيد.والغاية من هذا الاشتغال على اللغة هو تهريبها من بعد تواصلي صرف الى حيز الشعر باعتباره الشكل الأسمى للنشاط اللغوي.
2-1-ب.غزيل لبنات:
استهل الشاعر عنوان ديوانه الثاني»غزيل لبنات(9)بمصدر»غزيل».والمصدر غير الفعل يشتمل على الحدث دون زمنه وكأني به-في هذا السياق- مصدر يترفع على الزمن ويتجاوز بعده المادي والمحسوس للفعل والمتمثل في تحويل مادة الصوف لخيوط، تحويل مادي محسوس يوازيه في العمق تحويل آخر لكينونة الأفراد الواقعة بين أيادي البنات.والبنات في هذا الديوان كائنات رحمية ستتخلق في حجرها مواقف عاطفية ووجودية متنوعة.وعموما المرأة دائما وأبدا كانت مصدر الهام للرجل وحافز للكتابة على امتداد التاريخ.سياق يحيلنا على قولة أثيرة للويس أرغون»المرأة هي مستقبل الرجل».بل وماضيه كذلك إذ أن العودة للطفولة لا تتم إلا بالمرأة.فالمرأة هي السعادة الأولى للرجل وما دون ذلك لواحق فقط.بها يتجاوز نفسه وضجر الواقع.
إن المصدر التالي(غزيل) بقدر ما يفيد التحول والانتقال من حضرة إلى أخرى بقدر ما يستدعي الذات المتحولة(الرجل)بصرف النظر عن المرأة التي تقف خلف (الغزيل).فالأم مثلا تقضي ربع قرن لتجعل من ابنها رجلا لتأتي امرأة أخرى فتجعل منه طفلا في لحظات.وهنا يحق لنا الوقوف عند توظيف الشاعر لمفردة بنات و ليس نساء.والسبب أن البنات كفئة عمرية تمثل كونا شبه مغلق عن العالم الذكوري .عالم يتمثله الرجل كحقل لتحقيق فحولته الوهمية ومنح المرأة فرصة تحقيق أنوثتها المأمولة..علما أن الاختلاف الجنسي يمثل جسرا حتميا لاكتشاف خصوصية الذات والآخر في ذات الآن.
إن مفردات عناوين الشاعر مراد القادري تبدو في الظاهر اعتيادية وقريبة المعنى لكنها بسبب سياقها وتركيبها هي غير ذلك على الإطلاق..
2-1-ت. طير الله(10)
مرة ثالثة ينتقي مراد القادري عنوانا في صيغة جملة اسمية مكونة من:»طير و الله»وإذا كانت الطيور في الثقافة الإسلامية ترمز للملائكة والمعرفة الروحية(11) فإنها تحيل في بعدها الكوني على الخفة والحرية.ولذلك كانت دوما مصدرا للأحلام والاستهامات ..يكفي تأمل رسومات ما قبل التاريخ للإنسان ذو رأس الطير والبراق(الحصان المجنح).وهو تعبير عن بحث الإنسان عن كائن تجتمع لديه القوة والخفة.هذا فضلا عن كون الطيور تمثل كذلك في ثقافتنا الإسلامية أرواح الأموات أو لنقل الأرواح المحررة من ثقل الجثث.غير أن الطائر المقرون بالله»طير الله»يشكل عبارة غائمة وملتبسة.التباس لا يتبدد إلا بقرنه بقرائن شعرية من داخل الديوان.يقول الشاعر في قصيدة بنفس العنوان.ص62:
«لاماليف ظل الله
لاماليف طير الله
رفرف بجناحاتو
كان،رايح ،بحالاتو
دازعليا
خلا،شي حاجة،منو فيا
عنوان..؟
يمكن
رقم تلفون..؟
يمكن
ويمكن كلمة ف جواها
مايعلم بها
غير مولاها»
ثم يضيف في قصيدة الجرح ص22:
«والكلمة الأولى...كانت كون
كان الكاف..وكان النون
الكلمة الأولى هي العربون
وانت كلمتك..فاين هي؟»
قرينتان تدلان على أن «طير الله»هي كلمته المقدسة ..ومن ثم تحريض الشاعر للإنسان على ترك أثره الكتابي كفعل حضاري مؤسس لكينونة نوعية بالموازاة لكلمة الله.
2-1-ج.عنوان التعيين الأجناسي:
يروم تعين الجنس الأدبي عقد اتفاق أولي حول هوية النص المقروء وإعداد المتلقي لاستقبال جنس أدبي بعينه.فالتعيين الأجناسي يناشد ذاكرة القارئ وعدته القرائية وتاريخ تراكماته الجمالية.كما يترجم الوعي النظري للمبدع.فالشاعر مراد القادري مثلا لم يضع على صدر دواوينه»شعر عامي»أو»شعر باللغة المحكية»أو «شعر شعبي»لاشتمال هذه التوصيفات على أحكام قيمة أولا وإحالتها البعيدة على توصيف إيديولوجي ثانيا.هذا خلافا لمفردة زجل ذات المدلول الفني.يقول ابن منظور»والزجل رفع الصوت الطرب...وفي حديث الملائكة لهم زجل بالتسبيح أي صوت رفيع عال.وسحاب ذو زجل أي ذو رعد وغيث.»(12)وفي ذات الأفق يسير أبو بكر ابن حجة حيث قال:»وإنما نسمي هذا الفن زجلا لأنه لا يلتذ به وتفهم مقاطيع أوزانه حتى يغنى به وبصوته»(13)علما أن هذين التحديدين يرتكزان على البعد الإيقاعي حصرا وهو تحديد متأثر بالتعريف العربي الشهير للشعر باعتباره كلاما موزونا مقفى...والحال أن الشعر غير ذلك..
يبقى أن نشير هنا إلى سؤال ذي صلة وهو التالي..مكان وزمان تبلور الزجل (المغرب والأندلس/القرن 4ه)يطرح علينا سؤالا مركبا وعلى جانب كبير من الأهمية وهو»هل يمكن اعتبار الزجل قصيدة مضادة للقصيدة الفصيحة؟وأنه ثورة على القصيدة الشرقية كأنموذج معياري ما دامت الموسيقى الأندلسية الزريابية ثورة مضادة لموسيقى المشرق الموصلية التي وضع أسسها إبراهيم الموصلي؟»(14)سؤال يقتضي تخصيص محور خاص به.
3-مستويات اللغة الشعرية في تجربة مراد القادري:
3-1.النعت و انزياحاته السياقية:
على الرغم من كون النعت يرد في الغالب مفردة واحدة فانه يحقق شعرية خاصة للخطاب الشعري بسبب انزياحه والسياقات التي يوضع فيها.أتحدث هنا عن النعوت الوظيفية التي تؤدي دورا منتجا للمعنى لا النعوت الزائدة.والنعوت الوظيفية عادة ما تسعف على النفاد لعمق النص جراء اشتمالها على صفات وألوان وقيم مكروهة او محبوبة من لذن الذات المنتجة للخطاب.النعت لكل هذا منشط للمعنى ومخصب لعملية التأويل.انه بسبب ارتكازه على التعارض(حب/كره-حياة/موت-فرح/حزن مثلا) يدفع بالنص للتطور أولا..وثانيا يشد القارئ لمعرفة حقيقة تلك الثنائيات القيمية التي تصوغ وجدان الإنسان ...فصفة «الطول» و»الجوار» مثلا خدمت قصيدة»الكوميديا الإلهية»من ديوان «غزيل لبنات».بل وصعدت من الموقف الدارمي للشاعر الذي وجد نفسه يلتذ بانتظار الخليلة رغم تواجده بصف طويل رفقة الملائكة. بل ويسعد للتواجد بجوارها(نكون حداك).إن التركيز على هذه التوصيفات الخاصة (الملائكة في صف طويل).كانت الغاية منه إظهار عزيمة الشاعر الراسخة على حيازة موضوع الرغبة(الحبيبة)..مع التشديد على أنسنة الشاعر للمكان المقدس(الجنة).وجعله مسرحا لتعاطي الحب مرتقيا به لعلياء التقديس.فضلا عن تحويله لجسد المرأة من حيز الالتذاذ إلى مجال للتعبد.تحويل جعل من العشق صلاة خاصة.لنتأمل القرينة النصية التالية.ص8/9:
«ايلا نكون حداك نبرا
نقيل ف حروفك نقرا
ونبات
نصلي شي ركعات
ف شونك،
نسجد ل مومو..د عيونك
فرض..وسنة
نتشعبط في دروج الجنة
نلقى جبريل
الملائكة في صف طويل
سربيس
نكون أنا دانتي
وانت بياتريس
ثم..ف حضرة مولانا
نقلب على شي حسنا.»
إن صفتي «الطول»و»الجوار» صعدتا من درامية الموقف الشعري وأكسبتاه توترا نفسيا جراء إظهار المحب في حالة استعداد للتضحية بغاية ترضية الخليلة.وحالة التوتر التي وجدت عليها الذات المتكلمة في القصيدة تظهر أن الذات الراضية على نفسها لا يمكن أن تحب لأن الحب نبتة قلقة تنمو في تربة الأزمة والتوتر.
في قصيدة»الجرح»من ديوان»طير الله»حضرت وفرة من النعوت المنتجة لطباق متواتر خادمة درامية القصيدة.فنعت الجرح ب»الداخلي»و»الخارجي»تحيل على معان ضدية من قبيل الجرح العابر والدائم.الظاهر واللامرئي..نعوت تتخلى عن وظيفة التأشير للإيحاء بمعان خفية أولا.. وثانيا، التعديل من رؤية الجرح وتصويب إحساسنا بطعم الألم وحدة المرارة لأن الجرح الداخلي وان كان لا يرى فهو اقرب إلى الوجدان وأكثر مرافقة للجريح.الجرح الداخلي لكل هذه الاعتبارات له علاقة خاصة بالزمن والذات.»إن النعت الذي يأخذ صفة الديمومة نابع من تشكيله للغة،لأنه لا يستقر على زمن واحد،بل ينتقل من خلال الحدث الى مستويات شعورية متعددة،مرة هو في غيبوبة الحلم،و مزاوجا بين زمنين ماض وحاضر،ومرة يعود إلى اليقظة حالا في زمن حاضر،ليضرب في مجاهل الكابوس والهذيان عائدا مرة ثالثة إلى الصحوة والوعي»(15).
يقول الشاعر في قصيدة «الجرح»من ديوان»طير الله»ص7/12:
«جرحك
تشبت به
عانقو..واسمع ليه
ايلا شاور لك،تبعو
كن ظلو
وخاويه(...)
الجرح البراني
تحت الفاصما تخبيه
والجرح الدخلاني
والجرح الدخلاني
أش تدير ليه؟»
3-2- التكرار اللغوي:
يعد التكرار اللغوي أداة شعرية لتنسيق إيقاع الجمل والكلمات والحروف والصيغ الصرفية وفق تنظيمات متساوية بغاية خلق وقع صوت منغم ينعش الذاكرة السمعية .التكرار بهذا المعنى ليس حلية صوتية ولا تلاعبا مجانيا بالأصوات.هو ملمح يترجم الأشياء الضاغطة على وعي المبدع وعاكس لتلك الظلال الخفية الملونة لنفسية الكاتب.انه بؤرة دلالية للنص ورافعة جمالية للخطاب الشعري.الشعر بهذا المعنى صوت ولحن يغذي المشاعر والنفس وآلية إيقاعية مؤثرة في عاطفة المتلقي شرط ارتباطه بالمعنى.فالكلمات فضلا عن كونها حاملة لمعنى هي أنغام كذلك.. وهذا يعني أن الشعر فن سمعي في احد أوجهه مع التشديد على أن الشعر أصل والغناء فرع.بل هناك من ذهب لأبعد من هذا حيث اعتبر»أن التأثير الهام للأصوات اللغوية وعلاقتها بالإدراك والحس جعلت المحدثين يرون بها صورة العصر نفسه ،وحياة أهله فإذا مال الشعب للدعة والاستقرار مالت أصوات لغته من الشدة إلى الرخاوة،فإذا اعتز بقوته وجبروته مال إلى العكس.»(16)
وبالعودة إلى المنجز الزجلي لمراد القادري صادفنا عدة أوجه للتكرار حيث شمل الحرف والفعل والاسم كما في قصيدة الجرح من ديوان»طير الله»والتي تكررت فيها مفردة جرح 26 مرة.والشيء إذا تكرر تقرر كما يقال..
3-2-أ .تكرار الاسم:
«جرحك
تشبت به
عانقو..واسمع ليه
ايلا شاور ليك تبعو
كون ظلو
وخاويه
(...)
جرحك
خد منو الصمت ايلا دوا
خد منو الحرف..ايلا روا
ويلا هوا
كن ليه ساس
(...)
جرحك
هو الي خالقك..م العدم
م الجرح
كان الكون..كان آدم.»
3-2-ب. تكرار الفعل:
ورد في قصائد كثيرة منها قصيدة «بياض السكر»من ديوان»غزيل لبنات»(من ص13-21).يقول الشاعر:
«خدني خال كناوي
خدني سالف مساوي
(...)
خدني عكر
سنان ف بياض السكر
(...)
خدني بلا شرا
هرني
طيح فيها
طير بيا
لسما اخرى
امرى اخرى»
ويقول في قصيدة «دابا تجي»من ديوان «غزيل لبنات»حيث تكرر فعل كان في زمني الماضي والحاضر.علما أن نقصان فعل كان مرده لاشتماله على زمن الفعل دون حدث خلافا للأفعال ولذلك يعد فعلا مساعدا ليس إلا.لنعد إلى الصفحات(63-70)»
«يمكن..يكون
خمم ف قهوة
ف عصير ليمون
وطلب..أتاي
(...)
كان خيالو
مخطوف
مرة مرة ف الساعة يشوف
(...)
كان
حتى مشا وراها
بشلا كلمة رماها
(...)
فكر قال يمكن تبان
ستف هضرة..وجد كلام
وجد بوسة ع لحنك سلام
(...)
ويلا كان
م الأحسن..ايلا كان
نبدلو لمكان.»
3-2-ت .تكرار الحرف:
يبدو تكرار حرف الباب ملفتا للانتباه في التجربة الزجلية للشاعر مراد القادري.يكفي الوقوف عند القرائن النصية التالية.لنتأمل نتفة من قصيدة»راس العين» من ديوان»حروف الكف»ص20:
«عنتر
كان يحلف ب تلاثة
ب لخيل..ب ليل..وصدر عبلة مباتة
عاد اليوم شماتة»
وذات الحرف يتكرر في قصيدة»بدر مزاب» من نفس الديوان.يقول الشاعر ص70:
«يا وعدي عل سلوان
لا خير شاط...لا وقت زيان
وسلوان
كانت تحلم
ب الدواية..و ب قلم
ب هواها
ب ماها يفيض..يعم»
وفي ذات السياق وردت قصيدة»خريطة»من ديوان «طير الله»التي تكرر فيها حرف الباء عشر مرات.يقول الشاعر ص63:
«ديك اللي حلمت
ب الشتا يكون ليها لون
ب الضمة والفتحة والسكون
ب ظل نخلة
ب وجه القبلة
ب الريح
ب الدوم..ب الشيح
ب الجنة
ب وراق الحنة
والغاسول
ب تسبيح الرسول.»
التكرار إذن ،فضلا عن تأكيد معنى بعينه يمنح القصيدة جرسا موسيقيا خاصا ويتيح للمقاربة النفسية إمكانية الكشف عن الأفكار الضاغطة والمسلطة على الشاعر.وبالتالي يعد التكرار أداة للاطلاع على الحديقة السرية لفعل الكتابة.أما جماليا فيمكن اعتبار التكرار أداة إيقاعية تعويضية في القصيدة الزجلية الحداثية بعد أن تخلت عن الكتابة وفق البحور الشعرية التقليدية(مكسور لجناح،المبيت..)
3-3 اختفاء أدوات الربط:
يتميز الشعر عن السرد بكثافة لغته التي تسقط أدوات الربط والغاية ترك أثر جمالي مميز .أمر صادفناه كثيرا في هذه التجربة الزجلية.وإسقاط حروف الربط لدى مراد القادري كان إما بخلفية تسريع وتلاحق الأفكار وتكثيفها.. أو لعكس حالة الشاعر المندهشة من موقف أو حدث.. أو لترجمة عالم غير منطقي ..أو لتوصيف نفسية داخلية قلقة ومتوترة كما سيمر معنا في القرينتين التاليتين.يقول الشاعر في قصيدة»طوق الحمام»ص71.من ديوان «غزيل لبنات»
«خرجت تسيق
قالت تفيق
الغول الناعس فيا..وفيك
هزت لكمام..هزت جلايل
بان التفاح..تيتمايل
فتحت طوقها
قالت ،ما شي سوقها.»
ثم يقول في قصيدة «شهوة العاتق»من ديوان»غزيل لبنات»ص61:
«شهوتي
ياكل حلوتي
(...)
قالت العاتق
(...)
صيدني
بس بس
باش نحس
حروفي باينة
تيرا
تبدا الكيرا
رقصة الصامبا
على ضو..لامبا»
إن القلة المتواترة لحروف الربط في تجربة مراد القادري الزجلية تم تعوضها بنقط الحذف والبياضات التي جعلته وكأنه يكتب بممحاة كبرى محتفيا بالمحو ومراهنا على بلاغة النذرة..بانيا قصائده على خلفية تجويع اللفظ وإشباع المعنى...
نخلص من مقاربتنا للتجربة الزجلية لمراد القادري أنها في الديوانين الأخيرين أخلصت للذات متوسلة شعرية التفاصيل ورصد تناقضاتها بحس ساخر. مع توظيف أنماط قولية كالسلامات في ديوان»طير الله».والمرددات الشعبية القديمة حصرا في ديوان»حروف الكف(تيقول المعلم بوزكري/طيب لي خبزي بكري ص16-أسبولا عطشانة أسقيها يامولانا.ص57).فضلا عن توظيفه للفرنسية المدرجة(سربيس،فوريان، كليان، مينوط، ترسينت،ا لبار،ايصانص..)واستعمال الشاعر لهذه المفردات يعطي الانطباع أنه يلعب باللغة ومن خلالها لكنه لعب جاد.لعب مبدع متحرر من توجيهات القصيدة الزجلية التقليدية .لعب بالخيال والمعنى والإيقاع.لعب بجدية طفل وصرامة حارس الحدود.لعب به الكثير من الصنعة إذ يجب الكف عن اعتبار القصيدة إيهاما أو وحيا بقدر ما هي صناعة جمالية بهدف القطع مع تلك التصورات الميتافيزقية التي تسوق الشعر باعتباره وشوشات شياطين الشعر.ففعل الكتابة الزجلية فعل نحت لغوي وخيالي بامتياز.صحيح أن اللغة الدارجة بالوفرة المطلوبة لكن فعل الانتقاء بالنتيجة شاق ومضن...
يبقى أن نتساءل في ختام هذه المقاربة..هل كان اختيار مراد القادري للكتابة بلغة الشعب- وهو خريج قسم اللغة العربية -بحثا عن التحرر من كل البنيات الإعرابية وطموحا لحرية لا تتوفر إلا في الدارجة؟سؤال نتركه مفتوحا تماما كما هي جراح الدارجة المغربية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.