اكتشفت الأمر بعد دخولي ثم بعد جلوسي لثوان. اكتشفت أنه لم تكن لدي أوراق كي أكتب. الحان من طراز الأمكنة الفنية المشَخصة أي التي تثيرك عبر جدرانها حيث علقت لوحات مائية لعرايا ونساء في أوضاع طيفية الرسم تلوح منها المنحنيات الأنثوية الخالصة. وكانت ريح منتصف نهار بارد قليلا تدلف من الباب المشرع على شارع مشمس وقبة سوق لي كابوسان من الجهة الأخرى، ومن حيث كانت تصلني روائح توابل وضوضاء الحياة. وأنا كنت عاريا بدون أوراقي. وسمحت لي ساقية الحان الشقراء باستعمال مناشف الورق الموضوعة بعناية على الكونطوار. اسمها ماري، وهي فتاة طيبة المعشر، مديدة القامة، نحيلة القوام بتحبب، كما تبدو معتدة بشخصها كامرأة متحررة من نساء هذا الزمن الحديث الحر. تلبس ماري شورتا قصيرا جدا، وما يشبه قميصا بدون ياقة، لكنه فقط مُحكم على صدرها برباط خيطي نازل. كل شيء بائن في جسد ماري الجميلة إلا مفاتنها الأصيلة، ولم أستطع أن لا أتفحصها بنظرة عابرة شاملة وأنا أدخل، ثم وأنا أطلب مشروبا. عادة متأصلة. لكن الحق أقول أن ماري لم تكن عارية. هي امرأة تشبه مئات الآلاف من نساء بوردو المتحررات الهانئات في أجسادهن التي تعاقر الريح. وبالرغم كل ذلك لم أشاهد شيئا في جسد ماري، ولم تبد لي عارية كما يفترض أن أراها كشخص قادم من كازابلانكا الملفوفة. لا، وحدي كنت عاريا. وكنت منزعجا في العمق من حيلتي، وإحساسي بلخبطة من استبدت بصوره القديمة حركة زلزلة، وشدت ذاكرته حيرة. بصري تمكن منه خجل الجاهل. ولم يكن لي ورق كي أخفي جهلي وعريي. ولأنني كاتب (رغم أنف من لا يحبني و لا يعترف بذلك) فقد دبجت ما تقرؤونه هنا الآن. كي أداري، وكي أنسى، وكي أتدثر قليلا. حين انتهيت من الكتابة، رفعت رأسي، فرأيت ماري وقد تركت جريدة لوباريزيان كانت تتصفح أوراقها، رأيتها تحدق في ما كنت أكتبه قبل دقائق، ثم في وجهي، باهتمام. احمرت وجناتها. ورسمت ابتسامة خجل هاربة على شفتيها. أحب الكاليغرافيا العربية، قالت فيما يشبه الاعتذار عما قد عنََ لها أنه فضول ليس في محله. تبسمت بمرح خفيف, وملأني زهو أخف. اكتشفتْ على ما بدا لي جليا أنها فوجئت بكتابتي بالعربية من اليسار إلى اليمين. لنغامر ولنَقل أنني أتيت أمرا عجبا، أو ما شابه، أو ما يحلو لي أن أقول أنه شُبه لي أنه كذلك، فنا أعني وليس اختراقا ما. على الأقل ذلك ما كنت أتمناه. مجرد تأويل فيه رغبة متعسفة قليلا، لكنه تخيلتها، ويجب أن تتحقق.. لي الحق في هذا.. ما كنت أكتبه كان كتابة معاكسة. كاليغرافياً. وقد سطع الاندهاش في عيني ماري حين فاجأتها تتلصص علي. وحينها زال عريي بتاتا. بوردو 22 غشت 2010