ليس عاديا حتى في الدول المتحررة والأكثر ديمقراطية، أن ينظر للمرأة التي تعرض جسمها للراغبين في اللذة على أرصفة الشوارع، بأنها سيدة عادية تمارس حياتها الخاصة، فبرغم دفاعهم عن حرية الجسد, إلا أنهم لا يقبلون رؤية قريباتهم في الرصيف... وأن تقف مثل هؤلاء النسوة في مجتمعات محافظة متحديات الأخلاق والأعراف والدين وكل شي لتمارس مهنتها بكل جرأة وثقة في النفس وقناعة بالاختيار, فهناك أسئلة يختزلها الواقع والمحيط الذي أخرج هؤلاء النساء الى الرصيف، لتواجه واقع أشد أسفا و أعمق عذابا.. على قرب من أغلب الشوارع الرئيسية بالعديد من المدن الكبرى, ترتكن شابات ونساء تتراوح أعمارهن بين 20 و50 سنة، لا يملكن مكانا للعرض غير أرصفة الشارع, حيث يلتزمن بموعد تواجدهن كل مساء وعلى الملأ وبشكل مباشر, يأتيهن الزبون الباحث عن اللذة الرخيصة ليتفاهما على المبلغ والمكان وربما بعدها يتحول إلى زبون دائم لمدة طويلة... عالم "دعارة الرصيف "يختلف عن الأنواع الأخرى من الدعارة, فهو يتميز بهشاشة الوضعية الاجتماعية لأصحاب العرض والطلب، كما تملأه مخاطر ومغامرات العارضة, فهي تجهل المصير الذي ينتظرها من الزبون المجهول الذي سوف يصحبها إلى مكان مجهول آخر، قد يتحول فيها من إنسان إلى وحش يقتض فريسته بلا وعي بممارساته، فهي دائما تعول على سوء المصير، ناهيك عن الاحتقار والشتم والسب الذي تستمع إليه من طرف المارة والعموم، فهي تبيع اللذة ممزوجة بالعذاب، الذي يسكن واقعها ومع ذلك تبقى صامدة في مهنة تأخذها منها الكثير مقابل دراهم لن تشتري لها الراحة فهي ستعود دوما الى الرصيف... متعة بطعم الألم... لمعرفة واقع نساء "دعارة الرصيف" يكفي فقط أن تجلس لإحداهن لتحكي لك عن ذلك الواقع المتشابك بسوء الأوضاع الاجتماعية التي قادتهن للرصيف، وبواقع أشد ألما يبدأ من وقفتهن على الرصيف الى عودتهن الى الرصيف نفسه، وبين الوقفة الأولى والثانية قصص احتقار وعنف واجرام مؤدي للموت أحيانا، ولقد سبق لشابة من مدينة طنجة تمتهن دعارة الرصيف أن لقيت حتفها بزنقة الحسن الشاذلي أمام مقهى التاج، بعد أن تعرضت لطعنة بسكين على مستوى القلب أودت بحياتها بمجرد وصولها إلى مستشفى محمد الخامس وهي ليست الوحيدة من تتعرض للعنف بالشارع أثناء وجودها بالرصيف... شارع محمد الخامس من بين شوارع الدارالبيضاء الذي أصبحت تحتله بعض النساء الراغبات في بيع المتعة, فهن فئات متعددة ومتنوعة من حيث الشكل والعمر وأسلوب البيع ، فئة تتجاوز أعمارهن الخمسين سنة يتواجدن طيلة النهار حيث يمتهن التسول في النهار وفي المساء يغيرن المهنة, ورغم كبر أعمارهن فهن ينتظرن زبائنهن المعتادين كل يوم, أما فئة الشابات فيبدأ تواجدهن بعد صلاة العصر مباشرة, إلا أننا لاحظنا ملاحظة غريبة وهي ظهور أغلب الشابات بلباس محتشم ,فهن يبلسن الجلابة المغربية بل منهم محجبات و أخريات يلبسن العباءة المستوردة من الخليج، لدرجة أن لبس الجلابة والعباءة في شارع محمد الخامس أصبح مشبوها، حيث ينظر الى من ترتديهما بنظرة دونية على أساس أنها بائعة الهوى ،فهو صار لباسهن الرسمي عكس شوارع أخرى مثلا في شارع الاطلس بحي اكدال الرباط بائعات الهوى يلبسن بذلة رياضية ملتصقة بأجسادهن، في حين بشارع النصر بالرباط أيضا، لاحظنا أن بائعة الهواء غالبا ما تلبس تنورة قصيرة أو أي لبسة غير محتشمة تعري بها جزء من جسدها تعبيرا عن عرضه... في شارع محمد الخامس بالدارالبيضاء، لا تفرق بين بعض بائعات المتعة والنساء العاديات الا باستعمالهن لمكياج فاقع ونظراتهن المتربصة بالرجال، إذ نلاحظ أن كلا منهن تلوح بنظراتها بحثا عن زبون وتوزع الابتسامة لتجد من يبادلها، حينها تذهب الى من بادلها تلك النظرات والابتسامة لتعرض عليه خدمتها بمقابل تحددها هي لنفسها وتختلف أثمان المتعة من واحدة الى أخرى, حيث تتراوح ما بين 20 و100 درهم حسب تصريح لإحداهن "في عز الشباب والجمال نطلب 100 درهم لنتدرج نحو أسفل الرقم مع مرور الأيام..." بقرب من محطة الترمواي حيث تتواجد كراسي للراحة، جلستُ قرب احداهن بعد أن مَلت الذهاب والإياب دون أن تجد زبونا، حاولت الاتصال ببعض الزبائن السابقين عبر الهاتف دون جدوى أغلبهم لا يرد بينما هناك من قطع الاتصال حين سمع صوتها، وحيث اتصفح بقربها مجلة، غير مبالية لتصرفاتها، التفتت الي قائلة "نقولك اختي راه كاينين شي بورطابلات منحوسين كاين لي يجيك منو الرزق ويتصلوا بك الرجال فيهم وكاين شي شقفة كلو خسارة وخا ظلي تتصلي منو والله الا جاوبك شي حد والحقيقة اليوم بان لي مق... من الصباح. كان سببا كافي لفتح الموضوع معها حول عالم المهنة وما يعنيه وهي تسرد حالتها التي لا تفرق كثيرا عن الحالات المشابهة »" أنا ابنة كريان "سنطرال" بالحي المحمدي خرجت من البيت وعمري 16 سنة في سن المراهقة, حين تعرضت للاغتصاب من طرف شاب كنت على علاقة معه، حيث تغيب المراقبة العائلية فوالدي دائما يأتي الى البيت في سكر طافح ، وكنت اعرف ان والدتي "تخطف السوايع" فهو لا يأتي بأي مصروف ،هي من تخرج وتأتي بالأكل بحجة انها تشتغل في البيوت ليتضح لي بعد ذلك أنها تبيع المتعة للرجال في بيوتهم ، الامر أثر على نفسيتي حين اكتشفت الموضوع ما جعلني أكره البيت، وابحث عن بديل لضياع الوقت مع بعض المراهقين حيث اصطحبني أحدهم لغرفة يكتريها مع أصحابه ليغتصبني وكانت هي المرة الأولى التي أجرب فيها "الجنس" وبشكل وحشي خرجت من عنده ابكي واتصلت بصديقتي التي نصحتني بالهروب في حالة عرفت والدتي بإمكانها الانتقام منه هي او ابي وبإمكانهم ان يتسببوا بذلك في جريمة قتل ، اقترحت علي أن ارافقها عند أختها التي تسكن في المحمدية حتى يبرد المشكل واتصلت بوالدتي واخبرتها بانني سأذهب مع صديقتي لحضور زفاف قريبتها ،بعد أن قضيت أسبوع رفقة اخت صديقتي التي كانت تكتري هي وصديقاتها بيتا للدعارة فعدت الى بيتنا بشخصية مغايرة ،أكثر عدوانية ، لم أعد لبقة في كلامي، أصبحت أكثر تمردا على الواقع البئيس الذي أعيشه ، لم استطيع الاستمرارية في بيت اهلي البئيس فقررت الرحيل... ذهبت الى المحمدية كنت أصغر الفتيات وأكثرهن حظا في اقبال الزبائن عشت ذلك العالم بعلاته، وفي أحد الحملات أخذونا للسجن حٌكمنا بثلاث اشهر سجنا لأتعلم بالسجن أمورا أخرى لم اكن أعرفها لولا الوقوف وراء القضبان, خرجت من السجن بشخصية ثالثة، حيث ودعت فيه الخوف والحشمة والوقار وتعلمت أنني اتواجد بين الوحوش في الغابة وعلي ان اتحدث بلغتهم واتسلح بأسلحتهم، بحثت عن مكان آخر بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء لأكتري فيه بيتا ألجأ اليه بعد الضياع، بعد أن مللت "الكنتوار وما عطنيش الحقيقة، جربت التروتوار.." أول مرة أقف على الرصيف لم يتقبلني المحترفات حاولن الاعتداء علي وكنت أعيش معهن مرارة الوقوف, خاصة حين اتواجد في ساحة تملأها المسنات, رغم أن لهن حظهن من الزبائن "جربت تروتورات كازا كلهم وتليت هنا." أي شارع محمد الخامس أولا لأنه قريب من مسكني لا يكلفني مصاريف المواصلات، ثانيا حتى الزبائن نسبيا أغلبهم غرباء عن البيضاء ولانجد معاهم مشاكل ... عالم مخيف وتضيف زينب التي تجاوزت 38 سنة وهي في هذه المهن أزيد من 19 سنة, أن عالم مهنتها مخيف بداية وأنه لا توجد بيننا واحدة لم تتعرض لقصة مفجعة, خاصة حين يتعلق الامر بحالة لبعض الرجال الشواذ . منهم من أخذها الزبون لتنام في فراشه مع حيوان مفترس مدرب على ممارسة الجنس، واخريات وقعن في أيادي سادين بمجرد ما تقتلع ملابسها الا ويجلدها بسياط متين، واخريات تفاوضن مع زبون لتجد عشرة ينتظرونها ليمارسوا عليها وحشيتهم مقابل ثمن زهيد وأحيانا تطرد من عندهم بأقبح الشتائم ، ناهيك عن بعض اللطفاء القلائل الذين تأتي من عندهم الفتاة برضاها... كما تشتكي زينب من منافسة المثليين الذين أصبحوا ينتشرون بقربهن في ارصفة الشوارع والذين يحققون ما لم تحققه النساء على الرصيف لكثرة الاقبال عليهم، بل ويأتيهم أحسن الزبائن واغناهم فهناك من يخترهم عن النساء... وعن الخوف من الامراض المعدية تقول زينب " شخصيا لا يمكن ان يقربني رجل دون أن يستعمل العازل الطبي وبشكل دوري أذهب الى "سبيطار الحومة " وأٌراجع التحاليل، فأنا أخشى الأمراض الخطيرة واخشى الرجال المرضى بالشذوذ أيضا وأفضل ان استقبل الزبون اول مرة بغرفتي حتى أتمكن من ثقته وليس لدي مشكل بعدها بأن يصحبني الى أي مكان آخر، المهم عندي هو أن يؤدي واجبه المالي رغم ضعفه وضعف بركته فنحن ندور في نفس الدوامة ... "دعارة الأرصفة" عالم ملئ بالمغامرة بالروح والجسد معا ويتطلب جنسا خاصا من النساء اللواتي تغيب معالم أنوثتهن في اللغة والتصرف ولا يملكن من الانوثة غير الجسد الذي هو مباح للجميع مقابل ثمن رخيص وأحيانا يتعرضن للإساءة والعنف بسبب الرغبة المتوحشة...