في أفغانستان هناك الفتيان و هناك الفتيات و هناك نوع ثالث أو جنس ثالث يُدعى «باشا بوش» و معناه باللغة الدارية المحلية «الفتيات المُرتديات لباس الفتيان». ففي هذا البلد الآسيوي المحافظ لا زال الناس هناك أو جزء منهم يعمدون في بعض الحالات إلى إلباس بناتهن ثياب الفتيان لأسباب متعددة، قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية. و لا تقتصر هذه الظاهرة على فئة من المجتمع دون غيرها، إذ نجدها لدى الطبقات الفقيرة كما لدى الفئات الميسورة أو الثرية. فهي تُعتبر عابرة للفئات الاجتماعية كما للإثنيات إذ نجدها شائعة لدى مختلف القبائل الأفغانية و في مختلف مناطق البلاد. و يعود تفضيل الأفغانيين للذكور على البنات إلى الجذور الفلاحية للمجتمع، حيث كانت العائلات تعتمد على القوة البدنية لأبنائها للقيام بالأعمال الشاقة التي يتطلبها العمل الزراعي المُضني، فعلى الذكور من أبناء العائلة تقع مسؤولية بناء البيوت و زرع الحقول و جمع الأحطاب. كما أن الذكور حين يتزوجون كانوا يستقدمون نساءهم إلى العائلة و يوسعون بذلك من عدد أفرادها و بالتالي من قوتها. و باختصار ففي مثل هذه المجتمعات يساهم الذكور في زيادة ثروة العائلة بينما تغادر الفتيات فور تزويجهن عائلاتهن و يصبح أبناؤهن أحفادا لأجدادهم من جهة الأب، مما يعني نقل الثروة - قوة العمل- إلى الغير. لهذا فإن الأسر الأفغانية و الباكستانية أيضا، التي لا وريث ذكر لها تعمد إلى أسلوب تحايل مقبول و مُتفش داخل المجتمع و هو تحويل إحدى بنات الأسرة إلى «باشا بوش»، حيث تقوم بقص شعر الطفلة قصا قصيرا و إلباسها لباس الأطفال الذكور و تغيير اسمها إلى اسم ذكر. و تلجأ بعض الأسر لهذه العادة فور ولادة البنت ،بينما تبدأ أسر أخرى هذا التحول قبيل سن التمدرس. و لا يتطلب هذا التغيير في الاسم أو في الشكل مراسيم أو احتفالات خاصة بل إنه يتم ببساطة كبيرة و بقرار من رب الأسرة. و يسمح هذا الوضع الجديد للفتاة بحرية أكبر تسمح لها بولوج المدرسة أو مرافقة أخواتها في الخارج (على غرار المحرم السعودي ) أو بركوب الدراجة كما يسمح لها باللعب مع الأطفال الذكور كما يُتيح لها ? بالنسبة للأسر الفقيرة- العمل خارج البيت للمساعدة في إعالة الأسرة . و هي في كل هذا تساعد أسرتها على تجاوز «عار» الأب لكونه لم يُنجب ذكرا. و عادة ما تعيش هاته الفتيات حياة الذكور في الخارج و حياة الإناث داخل البيت، حيث تنزع ثياب الذكور فور عودتها للبيت لكي تلبس ثياب الفتيات و تقوم بأعمال الكنس و التنظيف المنوطة بالإناث. أما الحالات الأكثر انتشارا فهي حالة الفتيات اللواتي يعشن حياة الذكور في الداخل و الخارج، و بذلك تتمتعن بوضعية امتياز داخل البيت تعفيها من الأعمال المنزلية، و تمنحها وضعا استثنائيا. و تعود هذه العادة التي لا زالت متفشية لحد الآن إلى عدة قرون سابقة، و يبدو أنها بدأت مع النساء اللواتي كُن يتنكرن في زي الرجال من أجل المشاركة في الحروب أو لكي تتمكن من السفر وحيدات دونما حاجة إلى رفيق. كما أن كثيرا من الأسر الأفغانية تعتقد أن تحويل فتاة إلى «باشا بوش» يزيد من حظوظ وضع الأم لولد ذكر في الحمل التالي. و لا يهدف تغيير الإسم أو الشكل إلى غش المجتمع أو النصب عليه، لأن أصدقاء العائلة و الجيران و الأقارب و الأساتذة يعرفون أن ال»باشا بوش» هي في الحقيقة أنثى و ليست ذكرا كما يوحي بذلك شكلها و اسمها. و تحتل «الباشا بوش» داخل أسرتها موقعا وسيطا بين موقع الذكر و موقع الأنثى، إذ أنها معفية من أعمال الطهي و التنظيف المنوطة بالإناث لكنها في المقابل تقوم - في مجتمع يشغل الأطفال- بالعمل خارج البيت. و عادة ما يتوقف وضع «الباشا بوش» بالنسبة للفتاة في سن المراهقة، حين يدنو موعد تزويجها. و نتيجة لذلك، تجد الفتيات اللواتي ترعرعن ك»باشا بوش» صعوبات في التأقلم من جديد مع القيود التقليدية المفروضة على النساء المتزوجات في هذه المجتمعات. و لا يقتصر اللجوء لهذه العادة على فئة دون الأخرى، فبالرغم من تفشيها بشكل أكبر لدى الأوساط الفقيرة إلا أن بعض أفراد الطبقات الثرية تعمد إليها أيضا ، و هي مقبولة اجتماعيا إلى حد كبير و لا تجد الأسر هناك غضاضة في اللجوء إليها، رغم آثارها السلبية على نفسية الخاضعات لهذه العادة، حيث تجد معظم اللواتي عشن لفترة طويلة ك»باشا بوش» صعوبة في التكيف من جديد مع وضعهن الجديد كإناث ، خاصة أن فترة الرجوع تكون عادة قبيل تزويجهن، و هو ما يعني تنازلهن عن الامتيازات التي كانت لهن ك»باشا بوش» و التحول إلى نساء في أسفل السلم الاجتماعي. و مقابل ظاهرة ال»باشا بوش» و هن الفتيات اللواتي يرتدين لباس الفتيان، للأسباب المذكورة فوق، هناك ظاهرة ال»باشا بازي» (غلام التسلية) و هم غلمان يُجبرون على ارتداء الأزياء النسوية و يتجملون مثل النساء و يتصرفون كالجواري، و هؤلاء غلمان من أسر فقيرة يقوم آباؤهم أو أولياء أمورهم بالتخلي عنهم لرجال أثرياء مقابل مبلغ مادي يتلقاه الولي مرة واحدة أو بالتقسيط و تكفل الرجل برعاية الطفل الذي يتحول إلى لعبة جنسية له و لأصدقائه، إحياء لظاهرة الغلمان العتيقة. و هاتان الظاهرتان معا لا زالتا متفشيتين في بلاد مثل أفغانستان و باكستان في القرن الحادي و العشرين، بالرغم من مواثيق و معاهدات حماية أطفال العالم و الدفاع عن حقوقهم.