التقرير الذي أعدته الأمانة العامة للأمم المتحدة حول الصحراء، الذي من المنتظر أن تنشر كافة تفاصيله الاسبوع المقبل، بالنظر محتوياته ومضامينه ، هو تقرير يعيد الملف لحجمه الطبيعي، وللتوازن الذي لطالما ظل المغرب يطالب به سواء في علاقة كريستوفر روس مع طرفي النزاع، أو في الطريقة التي ظلت عدة قوى خاصة في السنوات الأربع الأخيرة تحاول فرضها، بشكل لم يكن يراعي الدفع في اتجاه إيجاد تسوية سياسية للملف تنهي معاناة اللاجئين بالمخيمات، بل كان بالأساس يهدف إلى تعامل يراعي مصالح الدول لا مصلحة في المنطقة في إيجاد حل سياسي، يقوض من التهديدات الإرهابية التي أصبحت تهدد المنطقة وكشف غير ما مرة عن تورط عناصر من البوليساريو فيها، وفي دعم هذه التنظيمات مستغلة الغطاء الإقليمي الذي يوفره الاتحاد الأفريقي كاطار إقليمي ميت، وكذا السلطات الجزائرية التي تعمل جاهدة على استمرار النزاع لأكثر مدة من أجل الاستمرار في الضغط على المغرب، و ثنيه عن مواصلة الطريق في تعزيز المؤسسات خاصة على صعيد الأقاليم الصحراوية. بالتالي فهذا التقرير بالنظر للمضامين التي نص عليها، يعتبر تعزيزا للمسار الدبلوماسي الذي اختاره المغرب من خلال سياسة الحسم و الوضوح في الموقف من مختلف تطورات الملف خلال سنة 2014 سواء إقليميا أو أمميا، تجلى ذلك من خلال الموقف الحازم الذي عبر عنه المغرب من انحياز كريستوفر روس مما أدى إلى وقف المفاوضات بسبب رغبة هذا الأخير التي كشفتها تحركاته والتوجه الذي كان يرسمه منذ تقرير أبريل 2014، وهو المسار الذي انعكس إيجابا على مضمون التقرير لسنة 2015 الذي سينشر الاسبوع المقبل، في ما يخص عدة نقط: -التقرير اعتمد كمرجع أثناء صياغته خطاب الملك ل 6 نوفمبر الأخير من حيث التأكيد على الطابع السيادي للمغرب على هذه الأقاليم، خاصة من خلال التأكيد على واقع خضوع هذه الأقاليم ترابيا وإداريا للمغرب، حيث اعتمد التقرير عبارات وردت في هذا الخطاب الذي اعتبر سابقة على مستوى القوة التي خاطب بها المنتظم الدولي، وكذا مكالمة الملك لبان كي مون في ما يخص المبعوث كريستوفر روس والتنبيه لضرورة التزامه بالتجرد، والحياد وكذا المصداقية، هذا الخروج عن المبادئ التي كان يجب أن يلتزم بها ضيعت هذه السنة نظرا لتوقف المفاوضات طيلة تسعة أشهر الأخيرة بسبب رفض المغرب التعامل معه، وهو الرفض الذي انطلق من التراكم الذي أراد روس فرضه بالقوة على المغرب وتجلى في تقرير أبريل 2014، وإصراره الدائم على ضرورة فرض توسيع مهام المينورسو لتشمل حقوق الإنسان. -التقرير أشار بوضوح الى التهديدات الإرهابية الخطيرة التي تشكلها وضعية المخيمات كبؤرة تهديد حقيقية على السلم بالمنطقة من خلال تأكيده على ما يلي : الحرمان المتزايد في صفوف الصحراويين وتمدد الشبكات الإجرامية والمتطرفة في منطقة الساحل-الصحراء يمثل مخاطر متزايدة على استقرار وأمن المنطقة"، مؤكدا على أن تسوية في الصحراء الغربية "ستؤدي إلى تقليص هذه المخاطر"، وهي التهديدات التي تجسدت في إعلان الولاء للعديد من التنظيمات المتطرفة لداعش، وكذا وضعية المخيمات التي تسمح البوليساريو عمدا بتحرك عناصر مقاتلة بمحاذاتها، بل في فترة سابقة تحولت قوات البوليساريو إلى القيام بأعمال المرتزقة وهذا ما كشفته الوقائع عن تورط عناصرها في ليبيا، ليخلص التقرير في النهاية إلى ضرورة إحصاء اللاجئين، وهو الإحصاء الذي ترفض الجزائر السماح به رغم صدور قرار أممي في الموضوع رقم 1920 بتاريخ 30 أبريل 2015، مما يجعل من السنة المقبلة سنة المعركة حول فرض هذا المطلب وتنفيذ القرار الأممي لمعرفة من هم الصحراويون الذين لهم علاقة بالأقاليم الصحراوية، وباقي الأجناس التي استقطبتها البوليساريو لتعمير المخيمات لتغيير المعطيات العددية المتعلقة بالترتيب البشري لها. - تقرير الأممالمتحدة يؤكد على صوابية قرار المغرب بعدم التعامل مع الاتحاد الأفريقي باعتباره إطارا غير محايد، غير مجد، والمغرب غير معني به ولا بقراراته لأنه ليس عضوا به، مما يجعل قراراته غير ذات قيمة داخل المنتظم الدولي، ويؤكد على العزلة الدولية لهذا الإطار الذي بدل أن يناقش قضايا التنمية والسلم بالمنطقة، تحول لأداة في يد اللوبي الذي تقوده الجزائر أفريقيا للتشويش على المغرب، ولمحاولة إيهام العالم وكأن هناك إطارا إقليميا فاعلا، وموجودا في المنطقة. ورغم المحاولات التي قامت بها الجزائر في الفترة الأخيرة لفرض هذا الإطار الميت على المنتظم الدولي، عن طريق استصدار قرارات والقيام بتحركات دبلوماسية قادها وزير الخارجية الجزائري بنفسه لدى العواصم الدولية الفاعلة في الأممالمتحدة، إلا أن كل ذلك اصطدم بيقظة المغرب، وبوضوح خطه الدبلوماسي. -التقرير كذلك، وهذا هو المهم تجاوز فكرة وطرح توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل حقوق الإنسان، مما جعل هذه البعثة تعود لحجمها ودورها الطبيعي المنتظر منها بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1991، وتم تعويضها بآلية كان المغرب قد انخرط فيها منذ مدة تلقائيا وهي آلية التعامل مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي سبق لها أن زارت المغرب بما فيها الأقاليم الجنوبية، ومن المنتظر أن تزور المغرب يومي 15و16 ابريل الجاري، والتي تعتمد في عملها على تعزيز الآليات والمؤسسات الوطنية لحماية حقوق الإنسان التي تؤطر عملها وفقا لمبادئ باريس التي يعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجنه الجهوية، آلية وطنية مناسبة للتعاطي مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان نظرا لاشتغاله وفقا للمرجعية المؤطرة لعمل المفوضية، بل يعتمد هذا المجلس مرجعا بالنسبة للمفوضية في المغرب، خاصة مع تعزيز دوره من خلال دسترته واستقلاليته. - المسألة الأخرى التي أكد عليها التقرير هي ضرورة عمل "الاطراف لمضاعفة الجهود من أجل التفاوض على حل سياسي يكون مقبولا من الطرفين ويؤدي الى تقرير مصير الشعب في الصحراء الغربية" . حسب نص التقرير فقد أسقط الإشارة إلى الاستفتاء كحل، بل تحدث عن الحل السياسي المتفاوض عليه، واذا ما رجعنا لقرارات سابقة لمجلس الامن من خلال التعاطي الايجابي مع الحل السياسي للنزاع الذي طرحه المغرب، فإنه سيكون هو الارضية المناسبة للتفاوض مستقبلا، وتنسجم مع توجه التقرير الاخير، مما يجعل من مشروع الحكم الذاتي كحل سياسي أرضية للتفاوض يحقق المغزى الحقيقي من فكرة تقرير المصير، متجاوزا التأويل الكلاسيكي لهذا الشعار الذي أثبت فشله في العديد من التجارب. يمكن القول في الختام إن التقرير سيشكل نكسة بالنسبة للسلطات الجزائرية التي حاول وزير خارجيتها في الأيام القليلة الماضية من، خلال زيارته المكوكية لبعض العواصم المؤثرة دوليا، التأثير عليها، وفي توجهها داخل الأممالمتحدة، ويؤكد على ان الدبلوماسية القوية، الواضحة المؤمنة بعدالة القضية، قادرة على هزم دبلوماسية الرشاوى والعطايا، وكذا على ضرورة وأهمية التسريع بتهيئة الأجواء مؤسساتيا، ديموقراطيا على صعيد الأقاليم الصحراوية للمرحلة المقبلة في أفق تنفيذ مشروع الحكم الذاتي.