ووفقا لما توقعناه لم ينفذ كريستوفر روس زيارته الرسمية إلى المنطقة في المنتصف الأخير من الشهر الفائت، وقد أرجأت زيارته بسبب الحالة الصحية المتدهورة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في المقام الأول، ولربما للوضع الحكومي في المغرب بعد إعلان حزب الاستقلال انسحابه من حكومة بنكيران إلا أن هذا السبب ضعيف التأثير لوضعية ملف الصحراء في المغرب. وعليه، فإن تأجيل زيارة رسمية لكريستوفر روس كان بسبب الحالة الصحية لعبد العزيز بوتفليقة. وقد كانت زيارته مقررة رسميا بما ورد في المادة (36) من تقرير الأمين العام حول الحالة في الصحراء لأبريل 2013، والتي جاء فيها "خلال الأشهر المقبلة، سيقوم مبعوثي الشخصي بزيارة أخرى إلى المنطقة للشروع في مناقشاته الثنائية مع الطرفين". وهي الزيارة التي حدد روس أيضا تاريخها في إفادته أمام مجلس الأمن الدولي في 22 أبريل 2013 بنيويورك، ولاسيما في الفقرة التي عنونها ب"الخطوات المقبلة" حيث يقول: "إذا لم تقع تطورات غير متوقعة، فإني أنوي البدء في مشاوراتي الثنائية السرية والبحث مع الطرفين والدولتين المجاورتين في النصف الثاني من شهر ماي". وإذا ما اعتبرت الحالة الصحية المتدهورة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تطورا غير متوقع، فإن في ذلك الكثير من الدلائل الدامغة حول محورية الجزائر كطرف أساسي في النزاع المغربي الجزائري. والحق أن زيارة روس هذه تدخل في عملية الاستعجال التي أعلن عنها مجلس الأمن الدولي لإيجاد حل لنزاع الصحراء، إلا أن واقع الحال يكشف أن أفق حل نزاع الصحراء لا يزال بعيد التحقق، وهو مطلب تستطيبه البوليساريو مادامت تنتظر المزيد من الضغط الحقوقي على المغرب بعد القرار الأممي رقم 2099 الأخير حول الصحراء. إطالة أمد الصراع يبقى السيد الموقف مادامت الأممالمتحدة ترهن قضية الصحراء بالوضع السياسي في الجزائر، وهو ما يضع الأممالمتحدة في تناقض اعترافها الرسمي بأن الجزائر طرف أساسي في نزاع الصحراء، وهو ما يفرض الإعلان رسميا عن أطراف النزاع أولا قبل الشروع في مفاوضات حقيقية. وإذا كان كريستوفر روس يشرعن زيارته المؤجلة، والتي تهدف إلى إجراء مشاورات سرية بين طرفي النزاع في أفق إيجاد توافقات مبدئية يمكن الارتهان إليها للدخول في مفاوضات حاسمة، فإنه لا يتوقع لزيارته النجاح ما لم يحدد أطراف النزاع في ثلاثة أطراف (المغرب الجزائر ثم البوليساريو). وحيث إن القرار الأممي الأخير لم يكن ليخدم هذا المطمح في التسريع بإيجاد حل لنزاع الصحراء، فإن فرص إيجاد الحل تبقى في حاجة إلى المزيد من الوقت، بسبب الوضع السياسي الجزائري بعد مرض بوتفليقة، ولأن الجزائر والبوليساريو تراهن على عائد الضغوط الحقوقية في الصحراء على الموقف المغربي، فيما لا تمارس عليهما ضغوطات أممية بسبب رفضهما إحصاء سكان مخيمات تندوف واعتراضاهما على تفكيك المخيمات في إطار اتفاقية جنيف لسنة 1951، وكذا لعدم إفساحهما المجال لتسهيل برنامج الأممالمتحدة للزيارات العائلية والمساعدة في اتجاه تدبيرها عبر خيارات النقل البري وإنشاء مقاهي الإنترنت التي تسهل عملية التواصل فيما الصحراويين. إن روس الذي لم يستمع في مخيمات تندوف إلى رأي الغالبية الصامتة، والتي تخشى غضب الاقلية المحتكرة لقرار ساكنة المخيمات، فإنه يبقي جدول لقاءاته مع عبد العزيز المراكشي الذي يفرض نفسه إطارا سياسيا وحيدا للتفاوض باسم الصحراويين. وإن يتم توجيه الرأي العام الدولي عبر التحامل على الموقف التفاوضي المغربي، فإن ذلك لا يصل إلى مستوى التشكيك في معنى السيادة على الإقليم من ناحية مقتضى القانون الدولي، ولذلك فإنه حالما يستطيع المغرب فك هذه المعادلة، فإن موقف الجزائر والبوليساريو تسقط دفوعاتهما تباعا، سيما وأن البوليساريو تجاهر عنوة بعدم قبولها بمقررات أممية، ويمكن التدليل على ذلك بما أورده روس في إفادته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي: - البوليساريو ترفض حوارا شاملا بين سكان الصحراء لتحديد مستقبلهم. - البوليساريو تعلن تملصها من مسؤولية اتفاق وقف إطلاق النار حين تهدد بعدم قدرتها على منع شباب المخيمات من التسبب في إطلاق شرارة الحرب. - البوليساريو ترفض طلب روس بشأن التسجيل الفردي للاجئين رغم إلحاحه على ذلك. وعليه، فإن الرفض الذي تبديه البوليساريو في وجه المقرارت الأممية لا يعفيها من مسؤوليتها أمام الأممالمتحدة، إذا ما استطاعت الدبلوماسية المغربية الترويج لذلك في المنتديات الدولية وعبر المؤسسات التي ترتبط بها باتفاقات ثنائية كما هو الحال داخل البرلمان الأوربي أو الفرنسي وغيرها... فقد يمكنه ذلك من استعادة الثقة في موقفه التفاوضي خاصة بعد: - دعوة فرنسا إلى تمكين اللاجئين من حقوقهم الإنسانية. - تجديد الدعوة إلى احصاء سكان المخيمات. - الضغط في اتجاه توسيع قائمة المستفدين من برامج تدابير الثقة. - التأكيد على علاقة البوليساريو بالجماعات المتطرفة في مالي وفي فضاءات تحرك الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء. وفضلا على ذلك، فإن ثقة المنتظم الدولي تبقى ثابتة حول الدور المغربي في استتباب الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء وفي كامل إفريقيا لاعتبارات عديدة منها: - المغرب أقدر على فرض الأمن في المنطقة وإفريقيا لما له من نفوذ قوي. - الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في إفريقيا يتوقع لها أن تحدث تغيرات جذرية في المواقف الإقليمية. - المغرب يمتلك رؤية لتدبير علاقاته مع دول الجوار اسبانياوالجزائر وموريتانيا بعد أزمة صامتة. - فرانسوا هولاند يؤكد أن "فرنسا تثق في المغرب". - المغرب له مشروع تعاون جنوب - جنوب يتجسد في طموح الطريق البري يربط مدينة طنجة إلى أقصى مدينة في جنوب السنيغال. - المغرب عزز عناصر ثقة المنتظم الدولي بإصلاحاته السياسية، وتكيفه المتوازن نحو مزيد من الإستقرار السياسي والأمني بخلاف الأوضاع في الجزائر. - المغرب استطاع لفت الأنظار إلى استمرار الجزائر في إغلاق حدودها مع المغرب، مما يجعل المنتظم الدولي جد مقتنع بأن حل النزاع في الصحراء جزء محوري في معادلة الصراع الإقليمي بين الجزائر والمغرب. ٭ باحث متخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي