ماذا لو كان الشاعر الفلسطيني الكبير، الراحل محمود درويش، على قيد الحياة وقرأ هذا النداء؟!.. أكيد ستبكي فيه القصيدة فرحا، لأن أبناء كنعان من دمه هناك في غزة المحاصرة من الكل (وليس فقط من إسرائيل)، ينتصرون مجددا للإنساني في الإنسان.. ذلك أن صرخة هؤلاء الشباب هي صرخة إنسان في الأول وفي الأخير.. بعضهم سيقول إنها صرخة يائس، وبعضهم - لهذا الحساب أو ذاك - سيقول إنهم خارج الجماعة، ولن نعدم من سوف يكفرهم ويهدر دمهم، لأنهم في نظره الحسير، يسيؤون لصورة القضية في أعين العالمين، متناسين أن الواجب في هذا المقام، هو جميل الإنصات للصوت الطالع من الألم، والتعلم منه، والتضامن معه من خلال أفعال تترجم ذلك على مستوى الممارسة اليومية.. هذا النداء الصارخ، القوي، الجارف، الأليم، الحي، النافذ، الصادق، هو ترجمان أن البلاد هناك لا تتعب من أن تهب للحياة أبناء لا يجاملون في القول وفي الفعل وفي المبادرة. وحين عممته العديد من وسائل الإعلام عبر العالم، بلغات الدنيا الحية (الإنجليزية، الإسبانية، اليابانية، الإيطالية والفرنسية)، فلأنها أدركت معنى الوتر الرهيف الذي تعزف عليه الكلمات.. وفي مكان ما، أستطيع تخيل الشاعر محمود درويش، يبتسم هنيا، في دواخله وهو ينصت لروح النداء. وسيقول الخاطر لبعضه، هذه الأرض ولادة، ومرة أخرى «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، ومرة أخرى أكثر وأعمق «كانت فلسطين، صارت تسمى فلسطين».. إن الروح التي كتب بها النداء، روح مقاومة.. مقاومة ضد الخطل والقبح من أي جهة ريح جاء.. واللغة هنا كالموسى، تقشر الوقت بما يليق لها من دواء، أن تقول خطاب الحقيقة للذات قبل العالمين.. هنا على الفلسطيني أن ينصت لصوته العميق، أن يكون ذات الجدار الذي يبني معاني الإختلاف والديمقراطية والسلوك الحر.. إن النداء هذا، رسالة تعب مزلزلة ضد سلوك الإقصاء من أي قلب جاء (ليس القوس من يطلق السهم بل قلب صاحبه.. كما يعلمنا شاعر مصر الكبير أمل دنقل)، وحين نقرأه هنا بما يليق له من انتباه، فالغاية أن نعمم رسالة كم يحتاجها الفلسطيني اليوم، أساسها، أن أفق يا فتى، المعركة ها هنا مفتوحة من أجل الحياة والكرامة والحرية، وليس من أجل الإصطفاف وراء رايات القبائل.. إن نداء مثل هذا النداء، امتحان لحماس ولفتح وللسلطة الفلسطينية ولنا كعرب، ولضمير العالم الحي.. ونحن ها هنا، إذ ننشر نصه كاملا، فلأجل شئ واحد: إعلاء صوت فلسطين، ذلك الذي يصنعه الأحرار فيها، الأقوياء (مثل الأنبياء) ببساطة الرسالة، أن تمة حقا وأن تمة حرية، وأن الطريق إليهما واحدة: أن نكون إنسانا.. «تباً لحركة حماس.. تباً لإسرائيل.. تباً لحركة فتح.. تباً للأمم المتحدة.. تباً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.. وتباً للولايات المتحدة الأمريكية!!.. نحن الشباب في غزة، قد ضقنا ذرعاً بإسرائيل وبحماس وبالإحتلال وبانتهاكات حقوق الانسان، بالإضافة إلى لامبالاة المجتمع الدولي. نريد الصراخ وكسر كل جدران الصمت و الظلم واللامبالاة، مثلما تحطم طائرات «الإف ستة عشر» حواجز الصوت.. نريد ان نصرخ بكل ما أوتيت أرواحنا من قوة، لإنهاء حالة الإحباط هذه التي استنزفتنا بسبب هذا الوضع السخيف الذي نحيا. فنحن نحيا بين المطرقة و السندان، نحيا كابوساً في داخل كابوس، بلا مكان للأمل ولا مساحة للحرية. لقد سئمنا من كوننا عالقين في هذا الصراع السياسي، من كوننا نشاهد هذا الظلام الحالك التي تتخلله طائرات حربية تحلق فوق بيوتنا.. من كون المزارعين الفلسطينيين يقتلون على الحدود بذنب وحيد وهو أنهم يهتمون بأراضيهم.. سئمنا من هؤلاء الملتحين الذين يتجولون ببنادقهم، يتفاخرون بقوتهم ويعتدون بالضرب ويزجون في السجون كل من حاول التظاهر في سبيل الدفاع عما يعتقد.. سئمنا من جدار العار الذي يفصلنا عن باقي البلاد ويبقينا سجناء في بقعة صغيرة من الأرض.. سئمنا من تصويرنا بالإرهابيين المتعصبين ذوي المتفجرات في حوزتهم، والشر في عيونهم.. سئمنا عدم الاكتراث الذي نراه من المجتمع الدولي الذي هو خبير في التعبير عن الهموم وصياغة القرارات، لكنه جبان في فرض كل ما يوافق عليه من قرارات.. سئمنا وتعبنا من حياة مملة نتعرض فيها للسجن من اسرائيل، أو للضرب من قبل حماس، أو يتجاهلنا باقي العالم كلياً. هذه ثورة تفجرت في داخلنا، هائلة بحجم الاستياء والاحباط الذي سيقضي علينا، ما لم نجد طريقة لاستخدام هذه الطاقات في شيء يغير الوضع الراهن ويعطينا بعضاً من الأمل.. الحدث الاخير الذي جعل قلوبنا ملأى بخيبة أمل، كان في الثلاثين من شهر نونبر الماضي، حينما حضرت شرطة حماس بأسلحتها إلى مقر «منتدى شارك الشبابي» (بالإضافة الى بعض الأكاذيب والعدائية)، وقامت برمي من كان هناك خارجاً واعتقال البعض ومنع المؤسسة من العمل. وبعد بضعة أيام، قامت الشرطة بالاعتداء بالضرب على بعض المتظاهرين واعتقال عدد منهم. لذلك، نحن حقاً نعيش كابوساً داخل كابوس، ومن الصعب أيضاً أن نجد الكلمات التي تصف الضغط الذي نعاني.. فبالكاد نجونا من عملية الرصاص المصبوب التي قامت فيها اسرائيل بتفجير ما استطاعت وتدمير الالاف من المنازل (الحرب على غزة).. ليس ذلك فحسب، بل تدمير حياة العديدين واحلامهم.. لكنهم لم يتخلصوا من حماس كما كانوا يهدفون، بل قاموا بإرهابنا للابد، وحيث إنه لم يكن لدينا مفر، فقد عانى الجميع متلازمة ما بعد الصدمة.. نحن شباب بقلوب مثقلة بهموم تحرمنا التمتع بغروب الشمس، فكيف لنا أن نتمتع به، في حين أن غيوماً سوداء تلون الأفق و ذكريات كئيبة تمر أمام عيوننا في كل مرة نسبل أجفاننا؟!.. فنحن نبتسم في سبيل إخفاء الأسى ونأمل لننسى الحرب وكي لا ننتحر هنا في التو واللحظة !!.. فخلال الحرب الأخيرة شعرنا بقوة أن اسرائيل كانت تريد محونا عن وجه الأرض.. وخلال السنوات الأخيرة أيضاً كانت حماس تبذل قصارى جهدها لتسيطر على أفكارنا وتصرفاتنا وتطلعاتنا . نحن جيل اعتدنا مواجهة الصواريخ، والمضي قدماً بمهمة تكاد تكون مستحيلة بأن نحيا حياة سليمة عادية بالكاد تحملناها بوجود منظمة ضخمة انتشرت فينا كانتشار الخلايا السرطانية، مسببة فوضى ودمارا للخلايا الحية والافكار والاحلام وشلل للافراد بحكمها القمعي.. كما يجب علينا ذكر السجن الذي نعيش فيه والذي تفرضه دولة تدعى ب «الديموقراطية» . حتى أن التاريخ يعيد نفسه بنفس القسوة والأرجح أن لا أحد يهتم.. نحن خائفون، هنا في غزة نخشى الاعتقال والاستجواب والضرب والتعذيب والتفجير والقتل.. نخشى الحياة، لأن كل خطوة نخطوها يجب أن تكون مدروسة.. هناك حدود في كل مكان، فنحن لا نستطيع الذهاب أينما نريد ولا قول ما نريد، ولا فعل ما نريد. حتى أننا أحيانا لا نستطيع التفكير بما نريد، ذلك لأن الاحتلال قد اتخذ من عقولنا وقلوبنا أعشاشا بحيث أننا أصبحنا نرغب في ذرف دموع لا منتهية من الاحباط والحنق !!.. نحن لا نريد أن نكره، لا نريد أن نشعر بهكذا شعور.. ولا نريد أن نكون ضحايا بعد الآن.. كفى!!.. كفى ألماً، كفى دموعاً، كفى معاناةً.. كفانا ذلاً وتضييقاً و تبريرات غير عادلة وإرهاباً و تعذيباً وأعذاراً وتفجيرات وليالٍ من الأرق ووفيات من المدنيين وذكريات كئيبة ومستقبل مظلم وقلب أوجعه حاضره وسياسات مشتتة وسياسيون أصوليون وتشدق بالدين، كفانا أسراً !! نحن نقول توقفوا ! ليس هذا بالمستقبل الذي نريد!!. نحن نبتغي ثلاثة أشياء: أن نكون أحراراً وقادرين على أن نحيا حياة عادية والعيش بسلام . هل هذا كثير لنطلبه؟! نحن مجموعة من شباب غزة الذين يسعون للعيش بسلام وناشطون لن يهنأ لهم عيش حتى تظهر حقيقة غزة ويعلم بها القاصي والداني، بحيث إنه لن يقبل صمت آخر ولا إهمال واضح. هذا هو المرسوم الرسمي لشباب غزة نحو التغيير!!. سوف نبدأ عن طريق تحطيم القيود التي حولنا.. فسننطلق أحرارً من هذا الاسر النفسي ونسترد كرامتنا واحترامنا.. سنرفع رؤوسنا عاليا بالرغم من أننا سنلقى مقاومة.. سنعمل ليلا ونهارا لتغيير هذه الاحوال المزرية التي نعيش في ظلها، وسنبني أحلامنا حيث نواجه الجدران.. نحن فقط نأمل أنك أنت _ أجل أنت ! من يقرأ هذا البيان الان _ تستطيع مساعدتنا، ولكي تعرف الوسيلة، رجاءً أكتب على جدار صفحتنا أو راسلنا مباشرة على العنوان التالي : [email protected] نريد أن نكون أحراراً، نريد أن نحيا، نريد العيش بسلام . شباب غزة الحر الخميس 23 دجنبر 2010»..