ككل بنات زمانها عاشت هنية مراهقة جارفة، خصوصا أنها كانت ذات جمال أخاذ يثير الفتنة بين أبناء الحي في كثير من الأحيان. كانت في ربيعها العشرين حيث حباها الله بخصال حميدة، وروح مرحة، جعل منها فتاة مقبولة ومحبوبة عند جميع معارفها. ورغم أنها لم تكمل تعليمها إذ توقفت عند محطة التاسعة إعدادي، إلا أنها لم تكترث للأمر، فعوضت ذلك بالاهتمام بأشغال البيت، لاسيما وأن والديها كانا يوفران لها كل شيء، تحدت أسرتها فتحدتها الأقدار.. تعرف هنية على أحد الشبان، جعلها تتغير رأسا على عقب، فهو بالنسبة إليها، أول حب في حياتها، ما جعلها تدخل في صراع قوي مع أسرتها، خصوصا أحد إخوتها، كان يضيق عليها الخناق كلما حاولت اللقاء به، حتى أنه كان يمنعها من التحدث إليه.. كلها عوامل دفعت هذا الشاب إلى ركوب التحدي والتقدم لخطبتها، رغم أنه لم يكن له أي دخل قار، حيث كان يساعد فقط والده بدكان لبيع المواد الغذائية، ما دفع أسرة هنية إلى رفض هذا الطلب، وعدم القبول به زوجا لابنتها. لكن هنية كانت مصممة على الزواج منه، لأنه الحب الأول في حياتها.. فقاومت باستماتة حتى نالت رغبتها وتزوجت منه ضدا على قرار العائلة. وبالفعل، انتقلت إلى العيش معه رفقة أسرته، مما تسبب في العديد من المشاكل. فحاولت جاهدة امتصاصها، لكن المشاكل تفاقمت إلى درجة أصبحت معها غير قادرة على الاستمرار، مما زاد الطين بلة أنها أنجبت طفلا، فلم يكن أمامها إلا أن تصبر وتقاوم من أجل عيون طفلها. فلم تجد من زوجها أية مساندة تذكر، وخذلها أمام أسرتها، هي التي كانت تعتقد أنه يحبها ولا يمكن أن يتخلى عنها مهما كانت الظروف. ولما ضاقت بها السبل، طالبت زوجها بأن يطلق سراحها، ففهم الرسالة وطلقها على الفور دون أي اعتبار لحبهما، مضحيا بهنية ومولودها، فغادرت مباشرة إلى بيت خالتها التي استضافتها، إلى حين. من حظها أنها عثرت في أول يوم لخروجها على شغل في مقهى رغم أن الأجر زهيدا تنفق أغلبه على مولودها، وتعطي ما تبقى منه لخالتها مقابل أن ترضى بها وتبقيها ببيتها. وكان يكفيها أن خالتها تهتم بمولودها طيلة غيابها عن البيت وتعتني به. لكن الحظ السيئ سيرمي بمحمود في أحضان هنية، بعد أن تعرف عليها بالمقهى الذي تشتغل فيه. وتطورت العلاقة بينهما إلى أن تحولت إلى حب جارف، اعتقدت معه هنية أنها وجدت أخيرا فارس أحلامها، الذي سيقف إلى جانبها ويساندها في محنتها. فاتفقا في بداية الأمر على أن تنتقل لتعيش معه، ريثما يدبر أمره ويشهرا زواجهما. فقبلت بذلك وانتقلت للعيش معه دون حتى أن تفكر بأن علاقتهما غير شرعية بدون عقد نكاح يجمع بينهما. اعتقدت في أول الأمر أنها وجدت الرجل الذي سيسعدها ويوفر لها بعض الدفء الذي افتقدته منذ أن ثارت على أسرتها، وقبلت الزواج من زوجها الأول. وبالفعل وجدت في بداية الأمر بعض الحلاوة في العيش لاسيما أن خليلها كان يعاملها معاملة جيدة ومحترمة، وهيأ لها كل أسباب الراحة، فمنعها من الاشتغال في المقاهي، رغم قلة ما كان يجنيه من بيعه للفواكه كبائع متجول. وطلب منها المكوث بالبيت والاهتمام فقط بنفسها ومولودها، ما جعل هنية تعتقد أن الحظ ابتسم لها أخيرا، فمحمود وإن كان عيبه الوحيد أنه مدمن على شرب الخمر واستعمال المخدرات بشكل شبه يومي، فهو شخص صعب الطباع، لكنه كان يعمل ما في وسعه لإسعادها.. وكانت هنية تحاول من جهتها أن توفر له كل أسباب الراحة وتلبي كل طلباته. يقتل مولودة خليلته بعد أن قطع صراخها متعته.. في ليلة ذلك اليوم المشؤوم، كان الجو حارا، دفع بالعشيقين إلى قضاء ليلة مختلفة، عن سابقتها لكن الجو خنق الطفلة وسبب لها ارتفاعا في الحرارة، فظلت تبكي لوقت طويل رغم كل المحاولات التي قامت بها الأم، في محاولة لإسكاتها، ما عكر عليهما صفو جلستهما الحميمية، فحاول حميد أن يضبط أعصابه أمام هذا الوضع، لكنه فشل وقام حيث الطفلة الصغيرة، وحاول عبثا أن يسكت صراخها الذي تحول إلى بكاء مسترسل، فازدادت حدة صراخها فلم يشعر محمود إلا وهو يلوح بالطفلة الصغيرة بين يديه الضخمتين ويقذف بها في الهواء، ككرة صغيرة، لتصطدم بالحائط، قبل أن تسقط جثة هامدة بلا حراك. هرولت الأم مشدوهة حيث جثة ابنتها وقد أخرستها الصدمة، فحاولت إعادة الدفء إلى جسدها النحيف، لكنها لم تفلح في إعادة الحياة إلى قلبها. فقام حميد، مرتبكا، وطلب منها أن تضعها في إناء به ماء بارد، لكن محاولتها باءت بالفشل، حيث لم يصدر منها أي رد فعل، فالتجأت هنية إلى الصراخ والعويل.. طالبة النجدة من الجيران، رغم أن محمود حاول جاهدا منعها من ذلك، إلا أنها صرخت في وجهه متهمة إياه بقتل فلذة كبدها، فاجتمع الجيران، في دقائق بعد أن سمعوا صراخ وعويل هنية، فلم تتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى محمود فشل بعض الرجال حركته إلى حين قدوم رجال الأمن الذين حضروا إلى عين المكان، وعاينوا مسرح الجريمة، وقاموا باعتقاله. الإدانة.. وبعد الاستماع إليه في محضر قانوني، حيث أفاد أنه كان في حالة سكر ولم تكن له نية قتل الطفلة، بل تسليمها إلى والدتها.. إلا أنها سقطت أرضا، حيث وافتها المنية وهو ما أكدته والدتها خليلة المتهم. وبعد استكمال البحث، أحيل الملف على المدعي العام الذي أحاله بدوره على التحقيق، حيث استمع إلى المتهم الذي تشبث بتصريحاته وهو ما فندته الخليلة أم الضحية. وبعد استكمال التحقيق الابتدائي والتفصيلي، تمت متابعة المتهم محمود من أجل جناية الضرب والجرح المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه، فيما تمت متابعة هنية من أجل الفساد والعلاقة الجنسية غير الشرعية والإهمال. وتم تقديمهما أمام غرفة الجنايات الابتدائية التي بعد أن اعتبرت القضية جاهزة، وبعد أن تشبث كل واحد بما جاء في أقواله، حجزت الهيئة الملف للمداولة، حيث أدانت المتهم محمود من أجل المنسوب إليه وحكمت عليه بست سنوات سجنا نافذا، فيما أدينت هنية بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ.. وهو ذات الحكم الذي أيدته غرفة الجنايات الاستئنافية.