التأكيد على أهمية مواصلة تحسيس وتوعية المواطنات والمواطنين بالدور الذي يجب أن يلعبوه في تتبع ومراقبة تدبير شؤون مدينتهم، وبالدورالهام الذي يلعبه المجتمع المدني والإعلام النزيه في هذا الشأن. وأن أي تقويم أو إصلاح للجماعات المحلية لن يتأتى إلا من خلال المشاركة المكثفة للمواطنات والمواطنين بالتسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة الفعلية في الاختيار الحر والنزيه والديمقراطي لمن يمثلهم في تدبير شؤونهم والتصدي لكل رموز الفساد الذين يستغلون مكاسب الديمقراطية للاغتناء اللامشروع على حساب المصالح والحاجيات الحيوية للمواطنات والمواطنين... تلك هي أهم الخلاصات التي خرجت بها الندوة السياسية والعلمية التي نظمتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر الإقليمي السادس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمراكش يوم 7 مارس 2015، وتمحورت حول موضوع: "الجماعات المحلية في مراكش: الحصيلة والآفاق" . وقد شكلت هذه التظاهرة فرصة سانحة لتقييم تجربة التدبير الجماعي لشؤون المدينة في إطار تفعيل مقتضيات القانون 111-114، للوقوف عند ما تحقق من مكاسب وما تخلل هذا القانون من ثغرات ونواقص وما رافق التجربة على المستوى العملي من اختلالات. كما شكل هذا اللقاء الهام مناسبة لتسليط الضوء على جملة من التجاوزات في تدبير شؤون المدينة لعل تورط رؤساء هذه الجماعات وعدد من مساعديهم في فضائح سوء التدبير ونهب المال العام والتي ترتب عنها إصدار أحكام قضائية في حقهم بالسجن النافذ وبتأدية غرامات مالية، تعتبر أكبر مؤشر على الفساد الذي استشرى في دواليب المؤسسات المنتخبة في هذه المدينة العريقة والمناضلة والتي من شأنها تدمير مكاسب الديمقراطية في تسيير الشأن المحلي التي حققها الشعب المغربي بفضل تضحيات ونضالات قواه الديمقراطية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومكونات المجتمع المدني والإعلام النزيه. ومثل هذا اللقاء أيضا مناسبة لعرض التجربة الإيجابية للمستشارين الاتحاديين في مختلف الجماعات المحلية بالمدينة. ترأس أشغال الندوة منسق اللجنة التحضيرية للمؤتمر الإقليمي عبد الحق عندليب، حيث استعرض في مستهلها خصوصيات السياق السياسي والتنظيمي الذي تنعقد فيه، ليؤكد على أن الندوة تسعى إلى تتويج ما قامت به اللجنة التحضيرية من أعمال للإعداد الأدبي والمادي للمؤتمر الإقليمي السادس للحزب بمراكش والذي سينعقد في نهاية الشهر الجاري. الأستاذ مصطفى الرافعي، عضو الكتابة الإقليمية، قدم أرضية الندوة، مؤكدا على الغايات منها ومن خلالها مساهمة الاتحاد الاشتراكي في صياغة أسئلة عميقة حول تسيير الشأن العام المحلي . الدكتور محمد الغالي أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض، أكد بدوره على ضرورة مساءلة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات في ضوء مقتضيات الدستور المغربي ، حيث أن الوثيقة الدستورية المصوت عليها في سنة 2011، جاءت في سياق سياسي مركب تداخلت فيه العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية. وتساءل محمد الغالي إلى أي حد يعكس مشروع القانون التنظيمي 1411 المتعلق بتنظيم الجهات، دستور 2011؟ مقدما في هذا الإطار مجموعة من الملاحظات التي تربط بين التطور الذي يحمله البراديغم القانوني والإمكانية الفعلية لتطوير الممارسة على أرض الواقع. وفي مقدمة هذه الملاحظات التي أبداها المتحدث ، كون هذا المشروع يمكن اعتباره عنصرا في مسلسل طويل ، يترابط فيه الماضي بالمستقبل بوساطة الحاضر ، بفعل حيوية الآلة التشريعية التي سبق أن قدمت عددا من النصوص التنظيمية ، مؤكدا أن المشروع يفتقد للبوصلة بسبب غياب تدقيق في المفاهيم الاساسية الموجهة. ويظهر ذلك في عدة مفاهيم كالتدبير الحر، و مبدأ التفريع ، و مبدأ التضامن ، و مبدأ الشراكة . و هو ما سيؤثر على الممارسة الفعلية . وتوقف الغالي عند مسألة الاختصاصات، موضحا أن توسيع اختصاصات الجماعات الترابية في ظل ضعف الاعتمادات المالية، سيؤدي إلى نتيجة عكسية، و من ثم من الضروري العمل على خلق توازن بين الاختصاصات و الوسائل المالية الموضوعة رهن إشارة الجماعات حتى تتمكن من التصرف بنجاعة و فعالية في هذه الاختصاصات الموكولة لها . وألح الأستاذ الغالي في تدخله ، على أن السؤال لا يتوقف عند حدود ما يعد به النص القانوني، و إنما يتجاوزه إلى شروط التطبيق، لأن هذه الشروط هي التي تحدد طبيعة النتائج المحققة فعليا على مستوى الممارسة . و في هذا السياق تناول المتدخل، مسألة تحقيق المناصفة في المجالس المنتخبة، حيث أوضح أن الاقتراح المتعلق باعتماد لوائح تتضمن ترتيبا بالتناوب بين النساء و الرجال، لن يضمن بالضرورة المناصفة، و ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار حيثيات أخرى تتعلق بطبيعة تقسيم الدوائر و نمط الاقتراع و العتبة و قرينة التقسيم . وبخصوص المراقبة، أكد الأستاذ الغالي في عرضه أن القضاء أصبح له دور في إقالة الأعضاء و الرؤساء، بمعنى أن الجهاز التنفيذي لم تعد له سلطة مباشرة على المُنتخب . إذ لم نعد أمام وصاية و إنما مراقبة . لأن الوصاية نظام إداري يفترض أن العلاقة فيه تسلسلية تقوم على سلطة رئاسية . و شدد الأستاذ الغالي ، على ضرورة التعامل مع الإصلاح كحزمة متكاملة ، و ليس كعناصر منفصلة . لأن فعالية ما ورد أعلاه يفترض إصلاحات أخرى في منظومة العدالة و منظومات أخرى . كما وقف على أهمية دور الأحزاب السياسية في اختيار النخب المرشحة للقيام بهذه المسؤولية في تدبير شأن الجماعات و الجهات و إمدادها بالتكوين اللازم و المصاحبة و المرافقة الضرورية بقصد حماية المُنتخب من أي انزلاق . متسائلا « إذا كان القانون التنظيمي يتضمن العناصر الضامنة للحد الأدنى للفعل و العمل ، فهل سيفرز المسلسل الانتخابي نخبا قادرة على التنزيل الحقيقي لمقتضياته ؟» ليخلص إلى أن الحكم على نجاعة هذا المشروع ، بالاقتصار على البراديغم القانوني، لن يكون مجديا . لأنه ، إذا كان النص القانوني يتضمن تطورا ، فإن السؤال المطروح في هذا الباب هو : هل سيفضى ذلك إلى تطور في الممارسة ؟ ومن اللحظات القوية ، والتي نالت تصفيقا مسترسلا هي اللحظة التي اعلن فيها عبد الحق عندليب الوقوف إجلالا للمرأة مؤكدا موقعها الريادي داخل حزب القوات الشعبية، الحزب الحداثي الذي يؤمن بأن دور المرأة مساو تماما لدور الرجل وقد تم تسليم وردة لكل النساء الحاضرات تكريما لهن خصوصا ان يوم انعقاد هذه الندوة يصادف اليوم العالمي للمرأة. مليكة زنبوع تحدثت في شهادة عن تجربتها كمستشارة جماعية ما بين 2003 و 2009 ، وأكدت ان المستشارين الاتحاديين لعبوا دورا كبيرا انذاك في تبليغ وفضح الاختلالات التي يعرفها تسيير المجلس الجماعي بمراكش، بل كان المستشارون الاتحاديون يجتمعون في مكتب جريدة الاتحاد الاشتراكي مع الطاقم الصحافي لإعداد تقارير كنا فيها السباقين حيث كشفنا عن الكثير من الاختلالات وأمطنا اللثام عن ملفات الفساد والتي تبدو واضحة من خلال التناقضات والهفوات التي تبرزها وثائق الحساب الاداري. وقالت زنبوع إن الانطباع الذي خرجت به من هذه التجربة هو تلاوين المستشارين، المستشار الجماعي الراضخ لدرجة الانبطاح، المستشار الجماعي الرافض كلية لخوض العملية، معبرا عن موقف ليس من الاخلاق في شيء، الا وهو الامتناع عن الحضور طيلة المرحلة او معظمها، المستشار الجماعي المتعدد الأوجه والباحث عن تلبية حاجته الشخصية او ما يحافظ على جماعته الناخبة او الظهور بالوجه اللائق أمامها، المستشار الجماعي الباحث عن المال الضائع من خلال الحملات الانتخابية ولما لا الاغتناء، المستشار الجماعي الملتزم بالحضور وبالدفاع عن الناخبين من خلال الدورات واجتماع اللجان. ومن الاشياء الغريبة والمضحكة التي حكت عنها المناضلة الاتحادية مليكة زنبوع، انها اقترحت بناء سور لثانوية ابي العباس السبتي يعطي رونقا لواجهة هذه الثانوية التي لعبت دورا مشرفا في المجال التربوي بمراكش ، فرفض المجلس تلبية الاقتراح قبل ان يقبله بشرط ألا يشار إلى ان الاتحاد الاشتراكي هو من اقترح هذا المشروع، فما كان من الاخت زنبوع الا ان تقول لهم: "الاساسي هو تحقيق المشروع وانسبوه لأنفسكم فنحن لسنا في حاجة للدعاية، فالاهم هو خدمة الصالح العام.. " لم يفت مليكة ان تشير الى تجربتها واستغرابها في نفس الوقت الى مفارقة عجيبة، وهي ان اول رئيس للمجلس الجماعي كان فريقه السياسي هو الأضعف، اي خمسة أعضاء فقط. وبالنسبة للمستشارين الاتحاديين فقد كان عملهم انذاك عملا جماعيا ومسؤولا، وهو ما اتاح لها تقول زنبوع، ان تتمرس وتندمج في النقاش سواء في الدورات او في اللجان التي كان نصيب الاتحاد الاشتراكي فيها لجنتين، الاولى وهي لجنة الممتلكات والشؤون القانونية، والتي ترأسها المرحوم عبد الله صبري، صاحب الحجة الدامغة والمبادئ الثابتة وصاحب القول السديد و والموقف الرائد والكلمة المسموعة من الجميع وكان نعم الاتحادي، واللجنة الثانية هي لجنة التربية والتكوين والتخييم والتي كان للمتدخلة مليكة زنبوع شرف ترؤسها.. بعد ذلك تحدثت عن الكثير من الانجازات التي حققتها هذه اللجنة. مصطفى الرافعي قال في شهادته إن مليكة زنبوع تواضعا منها لم تشر الى الكثير من التفاصيل والمجهودات التي قامت بها ومعها المستشارون الاتحاديون قبل ان ينتقل الى الحديث عن الممارسات الصبيانية لرئيس المجلس الجماعي السابق الذي كان يعطي أوامره لعدم تسجيل مقترحات الاتحاديين او الاعمال الايجابية التي يقومون بها داخل المجلس او اللجن او خلال مجالس المقاطعات.. الاستاذ النقيب إدريس أبو الفضل، الرئيس السابق لهيئة المحامين وعضو المكتب السياسي للحزب سابقا وعضو اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، تناول في مداخلته ، العديد من المعطيات والملاحظات الهامة في ما يتعلق بعدد من ملفات الفساد التي يتابع في شأنها عدد من رؤساء ومستشاري الجماعات المحلية بمراكش، لينتقل بعدها الى الحديث عن تجربته في العمل الجماعي والتي قال بأنه يصعب اختزالها في دقائق خصوصا انها انطلقت منذ سنة 1983 واستمرت لمدة 26 سنة ، وبالتالي عرف العمل الجماعي من خلال العديد من المراحل ومع مجموعة من المسيرين ومجموعة من المناضلين الاتحاديين وكيف بدأ الحضور الاتحادي في المجلس البلدي سنة 1976 . بعدها انتقل الاستاذ ابو الفضل الى الحديث بتحليل سياسي عميق ورصين، حيث أكد انه في السبعينات لم تتبلور لدينا كحزب الثقافة الديمقراطية، وبعدها الجانب الانتخابي، لذلك كنا نناقش هل نشارك في العملية او لا نشارك، رغم انه في سنة 1983 حسمنا هذا الموضوع واعتبرنا ان مشاركتنا ضرورية لذلك، فهذا الموضوع يتطلب منا ان نعمق فيه النقاش خصوصا ان ما يقوم به المخزن في تدجين العمل الانتخابي هو ما يجعلنا نعيد سؤال المشاركة من عدمه آنذاك.. وتساءل ابو الفضل عن العوامل التي ادت الى عدم تواجدنا في المجلس الجماعي بعد سنة 2009،و هي متعددة؟ وبالطبع فيها جانب ذاتي. لكن ابو الفضل اكد ان الاتحاد الاشتراكي، ومناضليه، كان سباقا من موقع الوعي للابتكار والابداع في خلق صيغ ديمقراطية لكنها تفقد من محتواها بواسطة نظام مخزني عمل على مسخ العمليات الديمقراطية التي يستغلها لخلق اعيان يخدمون اجندة ضد مصالح السكان، معطيا مثالا من خلال التصويت باللائحة، والتي نجحت ايجابا في سنة 2002 لكن في سنة 2007 تم تعيين اباطرة الفساد لمسخ الترشيح باللائحة . وخلص الاستاذ الى ان النتيجة التي نحن فيها اليوم هي نتيجة افلاس العمل الجماعي عنوانه هو حكم محكمة الجنايات على تسعة ممن حوكموا بعقوبة سالبة للحرية بين خمس وثلاث سنوات بسبب الفساد في الاداء الجماعي، اذن التحربة ما بين 1976 و 2015 أفرزت مجموعة صدرت في حقها احكام. ومجموعة أخرى ملفاتها معروضة على قاضي التحقيق الآن، دون الاشارة الى ما هو موضوع عند المجلس الاعلى للحسابات ومن ضمنهم مسيرون حاليون، والغريب ان عمدة مراكش الان تقوم بزيارة لمنازل المحكوم عليهم لمواساتهم، بل انها ترفض ان تُنصّب مطالبا باسم المدينة كمطالب بالحق المدني من اجل التعويضات المستحقة للمدينة من هؤلاء المجرمين، ونحن نسمي الظنين حين يبقى الامر عند الضابطة القضائية وكذا النيابة العامة، وحين يتابع يصبح متهما وحين يصدر الحكم بالادانة يصبح مجرما. وتساءل ابو الفضل ما العمل حين تتعاطف عمدة المدينة مع مُدانين؟!! وحين يأتي مسؤول حزبي ليواسي مجرمين؟!! بعدها تحدث ابو الفضل عن ملف كازينو السعدي كنموذج من نماذج الفساد في التسيير الجماعي.. الندوة التي حضرها الكثير من المناضلين من مختلف الفروع والقطاعات الحزبية بمدينة مراكش وكذا عدد من المواطنين والذين غص بهم مقر الحزب بالرميلة /مراكش، أغنت نقاشها بتدخلات وجيهة وعميقة وفي نفس الآن اكدت على ان الديمقراطية المحلية تواجه الكثير من المشاكل وفيها صراع عميق بين شرفاء ممثلين في مناضلي القوى الديمقراطية ولوبيات الفساد المدعمة من طرف المخزن الذي لا يريد ديمقراطية محلية حقيقية.. وساهمت إلى حد كبير في تقديم المزيد من المعطيات حول ما تعيشه المؤسسات المنتخبة من اختلالات، وأكدت على ان تأخذ العدالة مجراها الطبيعي في متابعة كل المتورطين في ملفات الفساد التي أزكمت الانفاس ولطخت وجه المدينة الحمراء .. كما تم التأكيد على أهمية توثيق فعاليات الندوة وإدماج ما جاء في مضامين المداخلات من أفكار وتحاليل ضمن مشاريع المقررات التي ستعرضها اللجنة التحضيرية أمام المؤتمر الإقليمي السادس.