قال عمر بن الخطاب ( ض ): "من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به. " الشعوب تبني وتؤسس الدول والحكومات بالعدل والديموقراطية ...كما أن الحكومات يفترض فيها وضع سياسات لإدارة أمور الدولة بما يحقق للشعب طموحاته في التطور والتقدم والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، في احترام تام للحريات والحقوق المدنية . لكن ليس من المنطق أن يفرز استحقاق انتخابي ما، برلمانا وحكومة تدعي في تقاريرها وأدبياتها والمعلن في خطبها وتصريحاتها أنها جاءت من أجل خدمة الشعب ...لتنقلب مواقفها وإجراءاتها ضد المواطنين فتمتد الانعكاسات السلبية لسياساتها الى التشغيل والأسعار والى تبخيس العمل السياسي، وإفساد الخطاب والاخلاق السياسيين ..بل امتدت لتفسد المناخ والفكر السياسي مما قد يؤدي الى نتائج لن تكون إلا محبطة للدولة نفسها والشعب ... لهذا عندما تطالب أحزاب المعارضة والمجتمع المدني والقوى الحية، بالأمس كما اليوم، بإصلاح جذري للتعليم والحقل الثقافي ببث أنوار الحياة المتجددة في النفوس والسلوك الجمعي والفردي ، وبناء استقلال فعلي بمنظومة القضاء ككل ...وبحماية الحريات العامة والخصوصيات لأن المسالة ليست ترفا سياسيا بل جوهر قاعدة "..الناس سواسية أمام القانون والعدالة". وهذا لا يقتصر على الفهم والتفسير الميكانيكي الذي يختزل الامر في الوقوف أو اللجوء الى المحاكم للترافع ولمزاولة شكليات التقاضي، بل يهم كل القطاعات وكل مناحي الحياة... إن مطالب التغيير من أن أجل أن يحكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار ممثليه الذين يتنافسون في التعبير عن طموحاته، تنظيرا والتزاما وتنفيذا وانضباطا لإرادة الشعب ..هي أمور لا يجب أن يقفز عليها أي كان، ولا أن يستغلها لابتزاز الشعب والإساءة إليه بتضييع فرص الأمل وإقبار الأوراش الكبرى ونتائجها التي بناها رواد الاستقلال والتغيير بهذا البلد، وفي كل البلدان التي لا تقبل شعوبها بالمذلة والهوان والتي لن ترضى إلا بالكرامة الشاملة والسيادة الشعبية بالديموقراطية الحقة ... إن الاضطهاد والمساس بالحريات والحقوق وربط حلول الظلام الشامل في الغد بعدم وجود من هم موجودون اليوم ، ما هو إلا محاولة مبيتة لسحب وتبخيس السلطة الحقيقية الضامنة لاستمرارية مصداقية "المشهد" السياسي، والتي تعطي للصناديق قيمتها. إنها سلطة الشعب الذي هو القاعدة الفعلية لهرم الدولة، فالشعب من مدنيين وعسكريين وأمنيين هو عماد كل المؤسسات ..ثم به ومنه ومعه تكون الدولة المتماسكة، لهذا يمكن القطع شرعا وعقلا بفلسفة الديموقراطية والشورى إن الشعب هو فعليا من يحكم، وأن من يسير الحكومة يفترض أن يقوم بذلك بالنيابة فقط عن الشعب بمقتضى التصويت الذي منحه مؤقتا تكليفا محددا بالموضوع والاهداف والزمان ... إن من علامات التراجع أن يتسلط الإنسان على الإنسان عندما يمتلك أية سلطة، ولو كانت "رب بيت " فيجعلها مصدر قوته يفجر فيها أنانياته، وتحقيره وظلمه وقهره في مواجهة الآخر ...لهذا سن الاسلام آليات لمنع استغلال امتلاك الأموال لظلم الناس ،فاعتبر الاغنياء مستأمنين على ما يملكون عليهم واجبات وللفقراء في ما يملكون حقوقا متعددة ... قال تعالى "آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ" سورة الحديد ..بل نزع الحديث النبوي عن الذي يملك الطعام صفة الايمان إن لم يطعم منها جاره الجائع ...قال رسول الله ص "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله قال من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم به." بل حرم أن توظف سلطة المال لاستغلال الناس وابتزازهم واستعبادهم ...كما جعل الاسلام منظومة الشورى والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قاعدة للحد من ظلم وانحراف من يحكم . فهل كل الحكومات تعكس إرادة شعوبها ؟أم أنها توظف امتلاكها للسلطة ضد الذين يمنحونها الحكم ؟ وهل حقيقة الشعب هو من يحكم ؟ وهل أن حكم الشعب سيسيئ لنفسه وينتهك حقوقه ويتراجع عن مكتسباته ؟ إن طرح السؤال يقتضي تأصيلا دستوريا وشرعيا لاشك أنه سيجعلنا نقف أمام سؤال آخر عريض هو : في أي اتجاه تسير أمور السياسة بالبلد ؟؟؟ ونختم بما قاله الحسن البصري رحمه الله: (أفسد أمر هذه الأمة اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، والمغيرة بن شعبة حين أشار على معاوية بالبيعة ليزيد، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة). ونحن نقول والله ما أفسد السياسة ببلادنا إلا الفراغ الذي خلقته القوى الحية والديموقراطية ببلادنا برفعها للراية البيضاء في مواجهة خصوم التطور والتقدم ..ورفعها لراية العصبية والأنانيات في مواجهة بعضها بعضا.. ولولا ذلك لوصلنا الى ما يثلج صدر الشعب ... فهل حقيقة تتجسد إرادة الشعب في سياسات الحكومة ؟ الجميع يعلم الحقيقة ..لكن البعض يتجاهلها.