لم تستطع الدول الغربية، الدخول إلى الحداثة إلا بعد صراع طويل مع المؤسسة الدينية: الكنيسة. ولم تصل تلك الدول إلى ما وصلت إليه من تقدم وحضارة وديمقراطية الا بعد تصحيح العلاقة بين الدين والسياسة أو بعبارة أخرى إلا بعد تحييد الدين من الصراع السياسي. ولا ننسى أن الدول الغربية عانت كثيرا من الصراعات الدينية والمذهبية ، قبل أن تجد الية سياسية لتصريف خلافاتها . ونفس الأمر ينطبق علينا نحن في العالم العربي ؛ لن نخرج من الجهل والاستبداد والقمع إلا بتصحيح العلاقة بين الدين والسياسة: لانقول إقصاء الدين لكن نقول بتحييد الدين في الصراع السياسي . فالحاكم العربي منذ معاوية – الذي حول الخلافة إلى ملك عضوض- إلى يومنا هذا لايزال يوظف الدين لتبرير سلطته وكلنا نعرف مدى تأثير الذين في الوجدان العربي والإسلامي . ولاباس من ذكر بعض الأحاديث الضعيفة و الموضوعة خدمة للسلطان ، ومنافية لقيم الإسلام كالشورى والمساواة والعذل. قال الرسول صلى الله عليه وسلم:” فاسمع للأمير حتى لو ضرب ظهرك واخدمالك”حديث صحيح وعن عبد الله بن عمر قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :” اذاكان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر واذاكان الإمام جائرا فعليه الوزر وعليك الصبر فهذا امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر والاناة لا بالثورة والغيظ” هذا غيظ من فيظ ، فالأحاديث الموضوعة منذ زمن معاوية بن أبي سفيان ،لازالت تلعب نفس الدور الخطير في تبرير الاستبداد والقمع وهذا لايجعلنا ننسى الدور التنوري لبعض علماء الدين الذين قدموا الغالي والنفيس من اجل الإصلاح والتقدم والدفاع عن الأمة. أما آن الأوان لتفكيك العلاقة بين الدين والسياسة؟ أما آن الأوان لخلخلة العلاقة بين رجال الدين والحكام؟ الم يحن الوقت بعد للدخول غي عصر أنوار عربي إسلامي؟ لايزال الوقت إمامنا لكسب رهان الحداثة ، وتصحيح العلاقة بين الدين والسياسة للخروج من عنق الزجاجة إن ما ندعو له ليست علمانية شاملة بل علمانية جزئية( فصل الدين عن الدولة مع التزام الصمت بخصوص القضايا النهائية ) كما نظر لها الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابيه : العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. فهذا المقال يدعونا فقط الى مراجعة المفاهيم وتعميق النقاش , املين من المثقفين والكتاب الى تسليط الضوء على هذه العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة في مخيالنا العربي وتكسير الطابوهات واليقينيات المعشعشة في عقولنا التي تحتاج الى مزيد من الحفرو التنقيب المعرفي.