مع منتصف ثمانينات القرن الماضي ظهرت حركة إسلامية تابعة لتيار التبليغ والدعوة في الأقاليم الجنوبية، ولاعتبارات سوسيو ثقافية يتميز بها المجتمع الحساني فإنها لم تنجح في استقطاب أغلبية الصحراويين، الا فئات ضئيلة جدا من الشباب وأقلية من الوافدين على المنطقة أغلبهم كان من التجار والمستخدمين في قطاعات غير مهيكلة، وبرغم أن هذه الجماعة لم يكن أصحابها يستعملون العنف في نشر دعوتهم إلا أن أغلب روادها قد سببوا كوارث اجتماعية لزوجاتهم و أبنائهم حيث ظنوا أن الزهد في الدنيا هو التملص من المسؤولية الاسرية ،ناسين أنهم رعاة مسؤولين عن كل أفراد ببيوتهم وأن الدين لا يأمر بتفكك الأسرة بل كان خير وصي على قيم التمسك بها... مع منتصف ثمانينات القرن الماضي ظهرت حركة إسلامية تابعة لتيار التبليغ والدعوة في الأقاليم الجنوبية، ولاعتبارات سوسيو ثقافية يتميز بها المجتمع الحساني فإنها لم تنجح في استقطاب أغلبية الصحراويين، الا فئات ضئيلة جدا من الشباب وأقلية من الوافدين على المنطقة أغلبهم كان من التجار والمستخدمين في قطاعات غير مهيكلة، وبرغم أن هذه الجماعة لم يكن أصحابها يستعملون العنف في نشر دعوتهم إلا أن أغلب روادها قد سببوا كوارث اجتماعية لزوجاتهم و أبنائهم حيث ظنوا أن الزهد في الدنيا هو التملص من المسؤولية الاسرية ،ناسين أنهم رعاة مسؤولين عن كل أفراد ببيوتهم وأن الدين لا يأمر بتفكك الأسرة بل كان خير وصي على قيم التمسك بها ... الغريب في الامر أن أغلب هؤلاء المبلغين أو الدعاة كانوا إما يجهلون القراءة والكتابة أو يعانون ضعف المستوى الدراسي ومع ذالك فهم يسافرون جماعات نحو القرى البعيدة لأجل أداء مهمتهم التوعوية والتبليغية، رغم ضعف مستواهم التعليمي، ومنهم من يهاجر الى بلدان بعيدة شهورا وأحيانا سنوات متتالية بدعوة الهجرة في سبيل الله، تاركين زوجات لا مدخول لهن ماديا، وأبناء في سن الدراسة حاجاتهم لا تنتهي وهذا ما يتنافى مع جميع المعتقدات والديانات... سوف أسرد لكم حكايتين فقط من مجوع الحكايات التي عشتها عن قرب مع أسر هؤلاء المبلغين سامحهم الله على ما اقترفوه من ذنوب في حق أطفالهم وزوجاتهم، بعد أن كانت الاسرة تعيش برفاهية وسلام ليتحول بهم الامر الى التسول عند الاغراب قبل الاحباب بسبب مفهوم خاطئ لنشر الدين على حساب الأولويات وهي حماية نواة المجتمع لان المجتمع السليم في الاسرة السليمة... تاجر دمر مشاريعه وبيته الاسري من أجل الدعوة والتبليغ... كلما مررت من أحد شوارع حي المسيرة بالعيون الا وتألمت لذكرى بيت عمرناه كثيرا ونحن أطفال، حيث احتضن شغفنا الطفولي، فهو البيت الوحيد الذي كنا نلتقي فيه باختلاف جنسينا وباختلاف طبقاتنا الاجتماعية وحتى باختلاف انتماءاتنا العرقية فترة الدراسة... لقد جمعتنا فيه حفلات الميلاد وحفلات النجاح وحفلات كل الأعياد بأطيافها، صداقتنا بأبناء تلك الاسرة جعلنا نرتبط أيضا بباقي افرادها خاصة بأبويهم فهما كانا رمزا للحب والتفاهم ،حيث كانت الابتسامة لا تفارق بيتهم بل السعادة كانت تغمر كل أفراد الاسرة وبرغم أنهما على مستوى معتدل من التعليم، إلا أنهما كانا يمارسان شعائرهما الدينية بشكل منتظم كما يعيشان حياة اسرية ممتعة و هادئة، حيث كان رب الاسرة يملك محل لتجارة مواد البناء كما يملك عمارة وحمام تقليدي ويسهر بشكل دائم على تنمية موارده المالية والرفع من مستوى الرقي الاجتماعي للأسرته ثم اهتمامه بأبويه واخوته الذين كانوا يقطنون وجدة ،حيث كان دائم الاهتمام بهم رغم بعد المسافات بين الجنوب والمغرب الشرقي فكان دائم التواصل معهم ،فلابد أن تجمعه بهم الأعياد والعطل معا مهما كلفه من مصاريف ،فهو لا يعيرها اهتماما... المهم هو أن هذا الرجل كان يمارس حياته بشكل طبيعي بين عمله وواجباته الاسرية الى حين ظهور أحد اقربائه قادم رفقة مجموعة من رجال التبليغ وقد قصدوه ضيوفا، ورحب بهم وأكرمهم بجوده المعتاد مع الجميع... الغريب في الامر هو قدرتهم على التأثير في فكره لينضم إلى جماعتهم، بل سيتفرغ لهم بشكل نهائي، تاركا ممتلكاته للأغراب، حيث كلما احتاجت زوجته للمصاريف ولجأت إليهم يجيبونها بأن ما حصلوه من رزق ذالك اليوم سبقها مبعوث زوجها وأخذه، فتعود حزينة غير متوقعة لما أصبحت تعيش عليه من واقع تغير من فوق الى أسفل ... ظنت المسكينة بداية أن القضية فيها امرأة أخرى اقتحمت حياتهما فغيرت أنماطها، شكت في أن يكون زوجها تزوج للمرة الثانية دون علمها، فهو بعد كل غيبة أصبح لا يقضي في بيته سوى 3 أيام ليتصل بزوجته او من رد عليه في الهاتف الثابت من محله التجاري بجملة مختصرة »أستودعكم لله فأنا ذاهب رفقة الجماعة ..." أحيانا يترك لهم مال غير كاف وأحيانا أخرى يأمرها بأخذها من المحل لتجد نفسها تدور في نفس الدوامة في صراع مع مسيري ممتلكاته حول غياب السيولة لأنه في كل لحظة يبعث لهم زوجها "الحاج علي" مالك الشيء أحد رفاقه بالجماعة طالبا منهم المال في غيابه... استمر وضع عائلة الحاج علي لمدة سنوات وهو يغيب لمدة طويلة عن بيته وواجباته الاسرية، لقد تغيرت ملامح وجهه من شدة أتعاب السفر الغير مريح، ومن قلة الاكل الغير منظم بل غير نظامه الغذائي على أساس أن أسلوبهم السابق في التغذية صار حراما بل غير من ملبسه الجميل مع أنه كان في غاية الذوق والرقي، لقد غير من جمالية حياته التي منحه الله الى شكل أخر أسوء رغم امكانياته المالية ناسيا أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده... عانت زوجة الحاج "علي" بداية مع غياب الزوج في أمور كثيرة تتعلق أولا بالتدبير المال للبيت فهو الذي كان مسؤولا عن التسوق وما يحتجه الأولاد فعند غيابه لم تعرف كيف تسير مالية بيتها، بعدها سوف تعاني مع الأبناء فغياب والدهم الدائم أثر على نفسيتهم ظنوا أنه فتح بيتا أخر فهم أصبحوا يحسون بإهماله لهم، إضافة أنهم كانوا يعيشون في وضعية اجتماعية راقية لتتغير الى أخرى أضعف... فهذا الاضطراب الاجتماعي الغير متوازن الذي لحق بالأسرة أثر سلبا على جميع مستوياتهم بما فيها معدلاتهم الدراسية لتبدأ عملية الهدر في صفوف الأبناء حيث الواحد قرر الانقطاع تلو الاخر هم كانوا 3 ذكورا و2 من الاناث لم يتقبلوا واقعهم الذي يوما بعد يوم يزداد مأساة بغياب الاب خاصة حين تنقطع أخباره لمدة سنين متتالية ولا يظهر له أثر فيها ... سوف يقفل محله التجاري الذي كان يعرف روجا تجاريا بحضوره، الشيء الذي كلفهم بيع ما فيه فهم غير قادرين على تسديد مبالغ سومته الكرائية خاصة بعد أن قدم لهم التاجر المساعد لوالدهم مفاتيحه ، فبعد غياب طويل لوالدهم ظن الجميع أنه توفي في احدى الخلوات ،فقررت الاسرة العيش من موارد الحمام التقليدي الذي فشلت الزوجة في السهر على سيره لقد وجدت أن مداخله لا تكفي لشراء الماء والحطب وكل حاجياته ما جعلها تشتغل فيها ك"طيابة" بعد أن كانت تدخله مثل العروس كل الطيبات يحمون حولها لتنظيف لها المكان أما العمارة التي كان يملكها سيكتشف الأبناء أنه باعها قبل رحلته الأخيرة... أمام هذه التصرفات الطائشة للحاج "علي "ضاع مستقبل أطفال كان الجميع يتفأل لمستقبلهم الدراسي... ضاعت مشاريع حيوية كانت تدر أموالا عليه وعلى المستخدمين فيها حين كان يسهر عليها بشكل شخصي... ضاع شباب سيدة كانت في قمة الجمال والرقي لتصاب بسكري حاد، خاصة بعد أن تخلى عنها الجميع بما فيهم الأبناء اللذين قرروا ركوب الأمواج هروبا من واقع يتأزم يوما بعد يوم ... لقد انتهى الحال بهذه الاسرة الى شتات أسرى حقيقي، فلكل واحد هجرته التي اختارها بعد "الحريك" الافقي الذي أختاره والدهم الذي لم يفهم للأسف أن دمار الأبناء ودفعهم الى الانحراف يستحيل أن يدخله الجنة... تشرد وموت وتسول في أسرة غاب عنها الاب بحجة الدعوة الإسلامية هي حكاية مأساوية أخرى عاشتها أسرة كانت تعيش على استقرار مادي واجتماعي لا بأس به بضواحي مدينة كلميم حيث كان يشتغل رب الاسرة محمد صالح مدرس بالمدرسة الابتدائية وقد سبق أن درس ضمن بعثة لمدرسي اللغة العربية بهولندا وحين عودته الى المغرب مطلع الثمانينات القرن الماضي استقطبته احدى الجماعات المتطرفة ليجعل من بيته مقرا للقاءتهم السرية وسوف يضحي بمهنته في التدريس ليتفرغ للجماعة ... وبسبب غيابه المستمر عن البيت لجأت زوجته الى بيع حلييها من ذهب وفضة قصد سد جوع أطفالها الأربع وهم ثلاث اناث وولد ،وامام غيابه المستمر وغياب ما ستطعم به أبنائها خاصة بعد استمرار غيبته لمدة طويلة دون أن يظهر له أثر، سئم فيها جميع افراد العائلة من تضامنهم مع اسرته ماليا، سوف تضطر الزوجة للعمل بالبيوت لضمان لقمة عيش للابنائها خاصة و أنه لا أثر لزوجها الذي ذهب ولم يعد، نصحتها كل صديقاتها برفع دعوى الطلاق ضده وأن تترك الأبناء لعمهم الاكبر يتكفل بهم مادام أبويه متوفيان، لتتزوج من جديد بأخر خاصة وهي شابة في قمة الجمال وكانت محل اعجاب الجميع... رفضت كل المقترحات الداعية الى فصلها عن أبنائها فهو ترك الطفل أصغرهم وهو رضيعا والبنات الثلاث اكبرهن لم تتجاوز 6 سنوات كانوا يبدون مثل التوائم لقد تركهم دون أن يعي من أي مصدر سيعشون ... فبعد ان تحملت الزوجة لوحدها تبعية تهور زوجها، قضت أزيد من 15سنة في العمل بالبيوت وأمام قوة الازمات والمأسي المتتالية وغياب شريك الحياة صوتا وصورة الى أن اعتبروه من مجهولي المصير... لم تتحمل المسكينة كل تلك الازمات، فطعم الظلم شديد لقد وجدت صعوبة في التوفق بين رعاية الأطفال والعمل خارج البيت الى ان أصيبت بمرض الغدد واضطرت الى التسول عند المحسنين بحثا عما يخفف من ألامها المتنوع، خاصة في غياب تغطية صحية ولا مورد رسمي تنتظره كل شهر، وبعد فشل في العلاج كان مصيرها الموت نعم الموت لقد ماتت عائشة السيدة المكافحة التي صانت بيتها وحاولت حماية أبنائها بكل ما أتيت من قوة ماتت عائشة التي ظن الجميع أنها ستعيش في بيت زوجها مدللة، فهو تزوج امرأة استثنائية من حيث جمال الصورة والروح حتى صار يضرب بمصيرها المثل في غدر الرجال "لو كان الجمال يشد الرجال لما ذهب محمد صالح عن عائشة وتركها وحيدة تتخبط مع الزمن"... موت عائشة أحزن الجميع حتى من سمع بحكاياتها ولم يراها خاصة وأنها تركت أبناء في سن المراهقة يحتجون لرعاية وحماية عائلية، تكلف أعمامهم بمصاريف دراستهم لكن رفضوا أن يتنقلن من بيت كانت تغمره روح والدتهم لان والدهم لم يتذكروا أنه كان موجودا حاولت احدى البنات الانقطاع عن الدراسة والبحث عن عمل لأجل ان يستمر باقي الاخوة في دراستهم، وبالفعل تفوقت اختها الاثنتان في بكالوريا بينما أنحرف اخوهم الأصغر وهو يدرس في السلك الاعدادي أمام غياب الابوين وفي سن المراهقة لم يجد من يحتويه وحين ذهبت البنتان الى الجامعة قررن العمل لتمويل حياتهم الدراسية بينما الأخت الكبيرة تتكلف بأخيهم المراهق الذي كان يعنفها في حالة وجود المال لديها و أمام تفاقم الوضع أصيبت هي الأخرى بمرض الغدد لتلقى حتفها بعد وفاة الام بست سنوات تقريبا... ظهر صوت الاب بعد أن أصبح لا دورا لوجوده لاجئا بأروبا لم يتمكن من نشر الدعوة ولم يحافظ على استقراره الاسري بل تخلى عن دوره كزوج وأب للأربع أبناء تركهم للمجهول بل تركهم للبؤس وللمعاناة يتخبطون لوحدهم في عز الحاجة، فهم لم يعرفوا طعم العيد ولا طعم الافراح ما تذوقوا طعمه هو لوعة الفراق مرات ومرات إنها ثلاث مرات...