أصدرت القاصة والشاعرة ليلى بارع ديوانها الشعري الثاني «أرض الفراشات السوداء» الذي يأتي بعد ديوانها السابق «كل هذا الكلام»، وهو الديوان الذي قال عنه الشاعر جمال الموساوي، إنه محاولة للاشتباك مع العالم في حذر، ومناوشته باللجوء إلى عناصر الطبيعة، حيث تحضر »الريح« كعنصر محرك وفاعل في كل ما يحدث. في هذا الحوار تكشف الشاعرة عن مفهومها للشعر، والعلاقة بين القصة والقصيدة. كما أماطت اللثام عن خصوصيات ديوانها الجديد، والعلاقة التي أقامتها من خلاله مع الذات ومع الألوان. ولم تخف الشاعرة رغبتها في الذهاب لما وراء التجربة الذاتية نفسها، في محاولة لمنح بعد أعمق للنص يعكس رؤيتها للعالم.. في ما يلي نص الحوار: ليلى بارع صحافية وقاصة وشاعرة ديوانك أرض الفراشات السوداء، هو ديوانك الثاني هل تدعمين بذلك الشاعرة فيك موسعة لها أكبر المساحات؟ تختار الفكرة شكلها بشكل غير مفهوم، وحين تختارنا القصيدة، ينبغي أن نكون شاكرين لهبتها، بعد إصدار ديواني الأول «كل هذا الكلام» سنة2005 لم أستطع كتابة أي نص شعري جديد،في تلك الفترة أعدت طرح كل أسئلتي القديمة وخاصة سؤال جدوى الشعر في هذا العالم، لكن كما يقول روزنتال: «حين تخلو حياة ما من الشعر فإنها تصبح أقل جدارة بأن تعاش» و كان ينبغي أن أنتظر عشر سنوات تقريبا لأخوض التجربة من جديد، ولأسترجع الثقة في جدوى النص الشعري، لذلك لم أتردد في تعزيز مساحة الشعر في تجربتي حين حدث الأمر مرة ثانية، فحين تختبرهجر القصيدة، تصبح كلماتك ونصوصك حادة كشفرة حين تدعوك إلى فضائها من جديد. لكن الشعر رغم عمقه تبقى له خصوصياته واختزالاته وكثافته التي لا تسعفنا في سرد والتقاط وتأريخ التفاصيل الحياتية اليوميةوعنفها، لذلك اختار القصة القصيرة كشكل آخر يسعفني لأصرخ بطريقة أكثر وضوحا . القصة القصيرة تفتح لي نوافذ إضافية بدون حواجز، أحتاج للقصة القصيرة كي أقُولني بشكل مغايروأقول العالم من حولي بوضوح دون ترميز أو تشفير...في النهاية، لا يمكن لأي صوت أن يخرس الآخر، إن كل جنس من الاثنين يساعدني، على طريقته، في محاورة و إعادة تشكيل العالم من حولي. لا شيء سهل في الكتابة خاصة حين ما يتعلق الامر بتكريس الاسم في المجال الشعري ما الذي نحتاج وما الذي يمكن أن نتخلى عنه في تدعيم عشقنا الشعري؟ كنت لأرد « الفضول المستمر» كما قال الشاعر الأمريكي عزرا باوندفي رد له حول سؤال الصفة التي ينبغي أن يمتلكها الشاعر،خاصة وأنني اشتغل كصحافية، والفضول جزء من مهنتنا، لكنني أعتقد أننا نحتاج جميعا إلى كثير من الصدق والشجاعة لكي نتوغل في ذواتنا دون خوف من تعريتها من مخاوفها.من دون صدق لا يمكن أن يكون للصوت الشعري، وليس الإسم، وقع أو أثر أو صدى، القارئ شخص ذكي، على الأقل القارئ الذي يهمني، لا يمكن خداعه بسهولة. لتدعيم هذا العشق الشعري، كما أسميته، نحن بحاجة لإستدعاء كل الأشياء داخلنا ومن حولنا حتى تلك لأشياء التي فقدناها فعليا في العالم المادي، لا أحد يمكنه إيذاءك عندما تدخل إلى فضاء القصيدة... القصيدة هي الدهشة التي يحسها القارئ مهما كان قديما وطاعنا في القراءة والحياة. سأكون كاذبة إن قلت بأنني لا أسعى لتكريس إسمي وأنه أمر لا يهمني، لكنني أسعى لشيء أبعد، إنني أسعى لتكريس بصمتي وصوتي، وهذا هو الأصعب في بلد يقدم تجارب شعرية متميزة. اللون و تأثيره على صورك وتجربتك ... في ديواني القادم «نسيان على شرفة أيلول» أفردت جزءا خاصا بالألوان أسميته: «الشاعرة تلعب بالألوان» وهو مكون من نصوص عديدة، لم تكتب دفعة واحدة، لقد كتبت على مدار سنتين، من 2012 حتى 2014، وحين بدأت في إعداد النصوص للنشر فوجئت بحضور الألوان في نصوص مختلفة، فأدرجتها تحت عنوان كبير، بنفس الطريقة تحضر الألوان في عدة نصوص من ديواني «أرض الفراشات السواداء»، ما أريد قوله أننا نكتشف أنفسنا عبر الكتابة، نكتشف ميولنا ونكتشف أشياء نجهلها عن أنفسنا، الشعر أتاح لي هذه الامكانية، وجعلني أكتشف علاقتي السرية بالألوان، أحيانا أنطلق من لون يفرض رمزيته عليً لكي أكتب النص، وأحيانا أكمل النص وأكتشف أنه يحمل بين طياته لونه...يحدث الأمر بسرعة حتى إنني لا أفكر فيه لأكثر من برهة قصيرة...لا أستطيع فهم علاقتي بالألوان، لكنها موجودة وأنا سعيدة بهذا اللعب الذي يمارسه معي اللون دون أن أكون واعية به، الألوان تكبس الزر في أكثر من غرفة مغلقة بداخلي... أستعمل اللون فقط كمفتاح لفك شيفرة معينة لكنني لا أميل لتلوين النص بلون محدد، السواد الموجود في عنوان الديوان مثلا هو شيفرة ورمز، يتيح لي التقدم بيسر في العالم الموجود بداخلي والذي يفتح لي أبوابه لحظة الكتابة، لكن خارج القصيدة، في العالم الواقعي، لا يمكنني تعقب أثر هذا اللون، لأنه غير موجود. نشر عمل ما يؤرخ لتجربة كتابية ويقطع معها في نفس الآن، ويحفز المخيلة والذات على اجتراح نغم جديد نفس حياتي جديد هل ارض الفراشات السوداء يغطي هذه المساحة المفترضة ويعبر عنها.... أعي تماما تأثير اللحظة على نصوصي لكنني أحاول الدفع بها بعيدا في الزمن القادم، أحاول الذهاب لما وراء التجربة الذاتية نفسها، في محاولة لمنح بعد أعمق للنص يعكس رؤيتي للعالم. هل كان باشلار يطالب الكثير وهو يقول إن «الشِّعرهو ميتافيزياء لحظية.يجب أن يعطي، في قصيدة قصيرة، رؤيةً للعالم وسِرَّ نفسٍ وكائن وأشياء ? الكل دفعةً واحدة»؟» مهما قلتَ إنك فعلت أو لم تفعل فإن القارئ وحده من سيحدد ذلك من خلال نصوصك. من جهة أخرى هناك عملية النشر الورقي التي لا يمكنهامسايرةراهنية التجربة الشعرية، فغالبا ما ننشر الأعمال بعد سنة أو اثنتين من عملية الكتابة، وقد ننشر عملا أو تجربة جديدة وتترك الأقدم لوقت آخر، لأسباب مرتبطة بالنشر وإكراهاته. حتى إن عملية النشر تخضع لمعايير نفسية خاصة تفسد وحدة التجربة الذاتية، فحين تُعِدُنصوصك للنشر فإنك غالبا ما تقوم بحذف بعض النصوص وإضافة أخرى جديدة تماما وقد تضيف أخرى من خارج التجربة التي اشتغلت عليها، وقد تعاود حتى الاشتغال على نصوصك الجاهزة، في النهاية تصبح تجربتك «منقحة» تماما، ويصبح القارئ أمام قصيدة جديدة تماما. أعتقد أنه أمر طبيعي، لأن القصيدة مشروع مفتوح تماما بالنسبة للشاعر، يمكنه تعديلها مرارا وتكرارا ما دامت بين يديه. الأهم هو أن تحتفظ القصيدة بجوهرها الشعري الممتد في المستقبل...بهذا المعنى فديوان «أرض الفراشة السوداء» يغطي مرحلة من تجربتي دون أن يفعل ذلك بشكل مطلق... ما هي وجهتك المقبلة؟ بين الشعر والقصة أحاول إيجاد النص الذي أبحث عنه، حاليا أشتغل على ديوان جديد، هو جاهز تقريبا، وهو استكمال لتجربتي في ديوان «أرض الفراشات السوداء»، كما أنني انتظر صدور مجموعتي القصصية الأولى «اليد الخضراء» عن دار التوحيدي، وتبقى أجمل قصائدنا وكلماتنا «هي التي لم نكتبها ولم نقلها بعد «...