(إلى ريم في عيد ميلادها) « أنا هنا، عبارة قلناها لبعضنا البعض طوال حياتنا» («يوميات الحداد» لرولان بارت) «أنا هنا» هي عبارة تردد دون انتباه، لكن لو أحصينا عددها سنكتشف كم كنا محظوظين لسماعها. أو كم كنا سخيين مع آخرين. لكن «الهُنَا» مع الوقت لن تعني المكان بعينه، تتحول إلى حضن يأوي، إلى ذراع تسند، إلى كف تمسح تعب كل يوم، إلى وضع رهن إشارة من نحبهم. كم مرة قلتُ لكِ هذه العبارة؟. «أنا هنا»، قلتها لك وأنت تدقين جدار الرحم محاولة استكشاف عالم غامض خارج بركة الماء. «أنا هنا»، قلتها وأنا أمد لكِ ثديا دافقا بالحليب لأروي عطشك الفطري للحياة. «أنا هنا»، قلتها وأنت تخربشين باب المكتبة لأفتحه لك و تمزقين كل كتاب يأخذني منكِ. «أنا هنا»، قلتها وأنا أسند أول خطوكِ. ثم أدعك تسقطين كي لا تفاجئك كبوات الحياة . وتتعلم الوقوف بعد كل سقطة. «أنا هنا»، رددتها في كبد الليل وأنا أضمد جبينك المحموم أو أهدئ حلمك الصاخب دائما بصراخ الملائكة والشياطين. «أنا هنا»، قلتها وأنت تنادين ماما أينك؟ و تبحثين بين الغرف كلما عدت للبيت بعد ساعات الدرس. قد أكون في المطبخ أو في السرير أو في المكتبة مريضة أو معافاة. فرحة أو حزينة. «أنا هنا»، قلتها وأنا أقدم لك صحن أكلة تحبينها ، أحرقت أصابعي كي أهيئها لك. «أنا هنا»، قلتها وأنت تحتجين على غباوة طفل ألقى تحية الصباح على زميلتك وأهملك. «أنا هنا»، قلتها وأنت تختبئين تحت الغطاء و تبكي أول عثرة حب. «أنا هنا»، قلتها وأنا أضمد أول جرح أصابك من سهم غادر. «أنا هنا»، مازلت أقولها لك رغم أنك لم تعود هنا وأصبحت لك أم أخرى اسمها الحياة.