قال ادريس لشكر عضو المكتب السياسي للحزب إن المسيرة الوطنية الأخيرة بالدار البيضاء شكلت و أعلنت عن تعاقد جديد بين الملك وجيل ما بعد المسيرة الخضراء.. كما التعاقد الذي حصل إبانها في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي بين محمد الخامس و الحركة الوطنية من أجل التحرير ، و التعاقد بين الحسن الثاني والأحزاب الوطنية لبناء الدولة الحديثة . وهي المسيرة التي رد فيها الشعب المغربي عن بكرة أبيه على المؤامرات التي تحاك ضد الوحدة الترابية للبلاد - يؤكد لشكر- الذي كان يتحدث أمام جمهرة من المواطنين بإقليم سيدي بنور بمناسبة ذكرى الشهيد عمر بنجلون التي أحيتها الكتابة الإقليمية بتنسيق مع الكتابة الجهوية للحزب بدكالة التاريخ. عضو المكتب السياسي في مقاربته لمتطلبات المرحلة وعلاقة ذلك بالقضية الوطنية، أكد على أن المسيرة الأخيرة كانت لها رسائل داخلية و خارجية.. «الميساجات» الخارجية إذا صح التعبير استهدفت من بين ما استهدفته، تأكيد المغاربة لجيرانهم الإسبان على تمسكهم بفضائل الحوار وحسن الجوار بين الشعبين الصديقين . وأن ما يقوم به المغرب من تقوية لمشروعه الديمقراطي والحداثي وفتح أوراش كبرى ذات بعد اقتصادي و سياسي في أقاليم الشمال ليس منافسة لإسبانيا، بل دعما للاستقرار والدفع في اتجاه ازدهار حوض المتوسط .. و أيضا من بين الرسائل القوية لهذه المسيرة تذكير ذوي العقلية الفاشية و الماضي الاستعماري بأن المغرب لا يمكن أن يتعامل معه بمنطق «المورو» و لا النظرة الاستعلائية والحضيضية التي تتبناها تلك الأوساط المتماهية مع الفرانكوية ، و رسالة أيضا للإعلام الإسباني الذي أثبت لا مهنيته و عدم حياديته بتصريف مواقف مضللة حاقدة منتجة لأوهام لا تدور سوى في عقول أعداء الوحدة الترابية من انفصاليين مرتزقة و جزائر مصرة على معاكسة التطور الذي يحصل في المغرب، وعوض توجيه فائض الميزانية الذي يحسب بملايير الدولارات لتوفير الرخاء و الازدهار للشعب الجزائري .. تتحرك البنية العسكراتية لدعم التسليح و خلق رأي عام مضاد لمصالح البلدين الجارين و ما يستتبع ذلك من تعطيل للمداخل الاستراتيجية لمغرب عربي قوي . أما الرسائل الداخلية التي أفاض ادريس لشكر القيادي الاتحادي و الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان في شرحها و توضيحها، فتمثلت في التشديد على دور القوى الحية ببلاد المغرب الأقصى في دعم المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يقوده الملك محمد السادس و الذي يؤسس لتعاقد جديد قوامه المصلحة الوطنية العليا والتوجه إلى المستقبل .. فلكل جيل رجاله ومنجزاته ، وجيل محمد السادس هو جيل البناء الديمقراطي والتفاعل مع التحولات الكبرى سواء في الداخل أو في الخارج . من بين تلك الرسائل أيضا قال ادريس أن الذين يروجون لتبخيس العمل السياسي وتحقير الحياة الحزبية وبت الطروحات التيئيسية و العدمية و التشكيك في وطنية كل المبادرات، تلك الأوساط باتت مثل طابور خامس يشتغل على إضعاف الحس الوطني و نشر مثل هاته الادعاءات .. جاءت المسيرة الأخيرة لنرد كاتحاد اشتراكي مع كل القوى الحية في البلاد ، على ان هناك تناغما كبيرا بين مختلف المؤسسات الدستورية الرسمية منها و الشعبية ، و أن قضيتنا الوطنية الأولى ووحدتنا الترابية أمر لا نقاش ولا مزايدة ولا جدال فيه . لكن إذا كانت للمسيرة والصحراء رسائلها .. فلخدمة القضية متطلبات .. و المتطلبات لها مداخل متعددة و أساسية.. المدخل السياسي جوهري ، إذ لا يمكن أن تقبلنا المؤسسات و لا الديمقراطيات العريقة - يتابع لشكر - و نحن ما زلنا «نرفل» في الفساد الانتخابي و آلياتنا التمثيلية يخترقها المال القذر والتلاعب بالتزكيات واستفحال سرطان الترحال وعدم احترام العمل الحزبي والدوس على نبل مقاصده، فاللوبيات تشتغل ضد أجندة المؤسسات السياسية الرسمية الرامية إلى التحديث والتخليق . هنا لابد من إنجاز إصلاحات عميقة على المنظومة الانتخابية وقانون الأحزاب تحديدا في تواز مع إطلاق الورش الدستوري الذي حدد فيه الاتحاد الاشتراكي نقاط التعديل والإصلاح في المذكرة التي رفعت إلى القصر الملكي . إضافة إلى المدخل السياسي، لابد من تطوير اللامركزية و اللاتمركز بالانكباب على ورش الحكامة الترابية لإخراج مشروع متقدم للجهوية وهو ما ينتظره الجميع من اللجنة الاستشارية التي مازالت تعكف على بلورة مضامين ذلك، مما سيشكل رسالة قوية للخصوم قبل الأصدقاء. المدخل الحقوقي نال حقه في المقاربة التي أتى بها القيادي الاتحادي في مدينة سيدي بنور، حيث أن مسلسل إطلاق الحريات العامة ودعم أجواء الانفتاح فيه تقوية للمسار الديمقراطي وتمنيع للجبهة الداخلية و ليس إضعافها كما يشهد ذلك «الطابور الخامس» الذي يحلل بطريقة محافظة و يجزم بأن الحرية ستكون وبالا على المصالح الاستراتيجية للبلاد، خصوصا في علاقة ذلك مع التطورات الأخيرة لملف الصحراء. اليوم اليسار الأوروبي و الديمقراطيون هناك يشجعون التجربة المغربية وهذا لم يكن ليحصل ما قبل العهد الجديد و ما قبل التناوب. فاليمين الأوروبي هو من يهاجم و يزايد و يحارب و يتواطأ على الدينامية التي يسير بها المغرب والتي تزعج هؤلاء. لشكر انتبه إلى البعد الاجتماعي و قال بضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي بالتزامات متبادلة و رصينة بين الفرقاء، و باستحضار مأسسة هذا الحوار من خلال المجلس الاجتماعي و الاقتصادي الذي يجب أن يكون الإطار الجامع لهذا النقاش والحوار . وفي خضم كل هذا لابد من استحضار مقاربة دبلوماسية جديدة تتماهى مع الدبلوماسية الرسمية وجهودها في ظرفية صعبة و بمتطلبات اشتغال تحتاج إلى دعم من دبلوماسية موازية برلمانية حزبية و شعبية ، يختم عضو المكتب السياسي. النقاش الذي فتح عقب هذا العرض السياسي صب في مجمله على تداعيات القضية الوطنية وعلاقة كل ذلك بالمشهد السياسي المغربي، حيث أثيرت مفاهيم الانتقال الديمقراطي والحزب الأغلبي الذي يراد له أن يقود الحقل الحزبي بالطرائق القديمة مع اختلاف في السياق والإخراج . الورش الدستوري و قرارات المؤتمر الأخير للحزب والملكية البرلمانية، كل هذا وضع على محك التحليل والنقاش وسط حضور نوعي للمناضلين والمواطنين و المنتمين للسؤال التقدمي في هذه البلاد.. في ذكرى عزيزة على القلب .. ذكرى عمر بنجلون الوطني والزعيم الذي خرج من غياهب المعتقلات في سبعينات القرن الفائت وهو لم يلملم جراحه بعد دفاعا عن الديمقراطية واختلافا مع العسف و القمع ، ليواصل معركة الدفاع عن الوحدة الترابية ، وهي المفارقة العميقة والجميلة التي تربط بين سؤال الوطن وسؤال الديمقراطية .. وهذا ما ميز ويميز الاتحاد الاشتراكي وقادته التاريخيين الذي يظل قوة اقتراحية وسياسية لا محيد عنها في دعم أوراش التحديث والدمقراطية في مغربنا .