خلال الجلسة العامة التي عقدها مجلس المستشارين يوم الأربعاء 15 دجنبر 2010 ، تدخلت الدكتورة زبيدة بوعياد باسم الفريق الإشتراكي بمجلس المستشارين لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2011، حيث إبرزت أهم المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤطرة له. وفيما يلي نص المداخلة السيد الرئيس السيدات والسادة الوزراء السادة المستشارون لن يتسع المجال، كما هو في علمكم، لمناقشة كل محاور ومضامين مشروع القانون المالي المعروض أمامنا اليوم في هذا التدخل المحصور في حيز زمني ضيق. وبالتالي فإن تدخلي باسم الفريق الاشتراكي سيتجه إلى إبراز أهم المواقف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤطرة لهذا المشروع. كما أننا نعتبر أن دراستنا المعمقة داخل لجنة المالية لمشروع هذه الميزانية منذ أسابيع، ومساهمتنا في الحوار العميق حولها هو استمرار للمجهود الذي نبذله منذ سنوات في الفريق الاشتراكي لتحسين قدراتنا البرلمانية في تتبع مشاريع الميزانيات المتعاقبة رغم محدودية السقف الزمني ورغم ضغط الإمكانيات وظروف العمل. واليوم، ونحن نناقش الميزانية الرابعة للحكومة الحالية، فإننا نؤكد من جديد على الطموح الكبير الذي انطلقت به مع التصريح الحكومي وحاولت الميزانيات المتتالية تفعيله، لكن واجهته إكراهات الخصاص المتزايد، وحدت منه تحديات الظرفية العالمية الصعبة، وهي أمور نتفهمها، وإن كنا نأمل أن تكون وتيرة التقدم نحو الطموحات أفضل. وأسجل أننا في الفريق الإشتراكي واعون تمام الوعي بإكراهات الظرفية العالمية، وبالمتطلبات الكبيرة لاقتصادنا الوطني، وبحجم الخصاص الاجتماعي، وبضرورة الاستمرار في الإصلاحات الهيكلية الكبرى وما تتطلبه من تضحيات. ولا بد من التوضيح ، منذ البداية ، أننا رغم كل الملاحظات التي توصلنا إليها في فريقنا، وتلك التي نتقاسمها مع إخواننا في مجلس النواب، ندعم الخطوط الكبيرة لهذه الميزانية في إطار الأغلبية رغم نقدنا البناء لبعض المحاور أو انتقادنا لتأجيل بعض الإصلاحات. السيد الرئيس إننا نناقش مشروع ميزانية 2011 وبلادنا تجتاز مرحلة دقيقة في مواجهة مناورات خصوم وحدتنا الترابية الذين انتقلوا إلى استعمال أساليب جديدة أكثر دنائة وخسة في المس ببلادنا ووحدتها. فقد انكشف المخطط التناوري الذي أشرفت عليه الجزائر وسخرت له منفذين مدربين أبانت أحداث العيون عن همجيتهم المتوحشة في قتل وذبح شباب من خيرة أبناء قواتنا الوطنية الذين نترحم عليهم ونؤازر أسرهم ونطالب بتشديد العقوبات على قاتليهم والمتعاونين معهم. واتضح الآن أن حجم المؤامرة كان أكبر من المأساة التي عشناها، إذ كان في نية الجزائر والبوليساريو تنفيذ مخطط يجر بلادنا إلى حرب تنهي مع كل المكتسبات التي حققناها طوال نضالنا على مر 35 سنة من الكفاح الوطني. ونحن في هذا الصدد نشيد بمبادرة إخواننا بمجلس النواب إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من أجل الوقوف على مسببات تلك الأحداث وتداعياتها وخلفياتها. وهو ما نعتبره عملا وطنيا مؤسساتيا رصينا من شأنه أن يحد من كل الادعاءات والتدخلات الخارجية في شؤون بلادنا وسيادتها. إن للمغرب مؤسساته الوطنية القادرة على المراقبة والتحقيق والمساءلة، ولن نقبل من أية جهة خارجية أن تلقننا الدروس في الديموقراطية والحريات. فقد ناضلنا من أجل تحرير بلادنا من الاستعمار والاستغلال، ونحن مستمرون في النضال من أجل تعزيز الديموقراطية وتقوية المؤسسات والنهوض بحقوق الإنسان. وعلى أصدقاءنا البرلمانيين الأوروبيين وخاصة الإسبانيين منهم، أن يحققوا أولا في افتراءات وسائل إعلامهم التي تأكد العالم أنها انحرفت عن المهنية المطلوبة عبر تزويرها للحقائق وتلفيقها للأحداث. وعليهم أن يسائلوا إعلامهم عن مسهم بحقوق المواطنين المغاربة في الحياة عبر ادعائهم مقتلهم في أحداث العيون. وإن كانت منطقة تحتاج إلى تحقيق فهي بالتحديد مخيمات تندوف التي يعيش فيها آلاف المواطنين أنواع الذل والحرمان وانتهاك الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية، والمتاجرة بالمساعدات الإنسانية واستغلال الأطفال والنساء وانتشار الجريمة والتهريب والاتجار في المخدرات والإرهاب... ذلك ما يحتاج فعلا إلى تحقيق دولي وإلى مساءلة أممية للبوليساريو وللجزائر التي تحتضنه وتساعده على احتجاز المغاربة ومنعهم من الالتحاق بوطنهم واعتقال من يحاول تكسير ذلك الحصار. السيد الرئيس إذا كنا مقتنعين أن بلادنا تفادت الأسوأ في مواجهتها لخصوم وحدتنا الترابية وإحباط مناوراتهم ومخططاتهم الدنيئة، فإننا متأكدون أنه كان بإمكاننا تفادي مجموعة من المواقف الجاهزة والمتحيزة لخصومنا خاصة على مستوى أوروبا. وفي هذا الإطار نجدد التأكيد على أن اليقظة الديبلوماسية ينبغي أن تكون في مستويات أعلى من التعبئة والاستمرارية، وليس فقط في شكل حملات للرد على الخصوم وتحركاتهم. ونقصد هنا كل أشكال العمل الديبلوماسي الرسمي والبرلماني والحزبي وحتى المجتمعي. فعدالة قضيتنا ليست كافية لجعلها بديهية لدى غيرنا من الدول والشعوب. ومصداقية مبادراتنا واقتراحنا للحكم الذاتي الذي حظي باحترام دولي يحتاج إلى تعزيزه بالحوار والتعبئة المتواصلة والإجماع الوطني المتراص وراء قائد الأمة لإحباط كل الدسائس التي كلما ازددنا استماتة في إحباطها كلما ازداد الخصوم شراسة في اختلاقها. السيد الرئيس إننا نناقش مشروع هذه الميزانية أيضا ونحن نواجه سياقا اقتصاديا دوليا صعبا، حيث إن جل اقتصاديات الدول المحيطة بنا المتقدمة منها والنامية تعيش ترتيبات وأجواء وتداعيات الخروج من الأزمة العالمية وما خلفته من آثار على النمو الاقتصادي العالمي وعلى التوازنات المالية والأوضاع الاجتماعية. ولقد ثمنا في حينه مختلف الإجراءات التي قامت بها الحكومة من أجل مواجهة هذه الأزمة العالمية وما يحتمل أن يكون لها من آثار على اقتصادنا الوطني. وقد ساهمنا في التنبيه إلى ضرورة استباق هذه الآثار على قطاعات بعينها نظرا لهشاشتها أو لارتباطها العضوي باقتصاديات الدول المتأزمة. وهو ما نجحت لجنة اليقظة في تحقيقه بنسب متفاوتة. ومن هنا ننبه إلى أهمية الحوار مع البرلمان طيلة السنة حول مختلف التدابير والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية... وليس فقط في ظرفية دراسة مشروع الميزانية محددة الأجل دستوريا والمتسمة بضغط الوقت وإكراهات التصويت والحرص على احترام الشكليات. لقد نوهنا بعرض السيد الوزير للخطوط العريضة لمشروع القانون المالي أمام اللجنة بمجلسي البرلمان، وهو عُرف نشكره على الحفاظ عليه. لكننا نكرر أننا نحتاج إلى المزيد من تقوية الحضور البرلماني على مستوى إعداد الميزانية بل ومراقبة تنفيذها. وفي هذا الصدد نسجل تأخر إصلاح القانون التنظيمي للمالية الذي طالبنا به منذ سنوات، والذي وعدنا السيد الوزير الأول بعرضه علينا خلال تصريحه الحكومي بالبرلمان. لكننا نناقش اليوم مشروع الميزانية الرابعة في ظل القانون التنظيمي القديم الذي نرى أنه أضحى متجاوزا. إننا واثقون أن مجهودا تم القيام به من طرف الحكومة لتحديث منظومة تدبير المالية العمومية من خلال آليات جديدة وبشكل تدريجي، كما أننا على علم بأن مشروع القانون التنظيمي الجديد شبه جاهز لدى وزارة المالية، لكن هذا التأخر في إخراجه يؤخر تفعيل أدوارنا البرلمانية ويؤجل طموحنا نحو تكريس الشفافية والتقييم في تدبير المالية العمومية. السيد الرئيس لقد تفهمنا حذر الحكومة خلال السنة الماضية من مواصلة إصلاح الضريبة على الدخل، ومن مباشرة إصلاح الضريبة على القيمة المضافة نظرا للتخوفات من أية آثار للأزمة الاقتصادية العالمية. لكننا اليوم، ورغم أن هذه الإصلاحات بقيت مؤجلة فإننا نلح على ضرورتها لمواجهة الصعوبات الاجتماعية التي ميزت الموسمين الماضيين. فقد اكتوت فئات واسعة من عموم الشعب المغربي بما فيها بعض الشرائح المتوسطة من الارتفاع الكبير للأسعار. وهو ما أثر ليس فقط على القدرة الشرائية للمواطنين ، بل وأخل بالتوازنات الاقتصادية للأسر وبمستوى العيش. لقد قدرنا المجهود الذي قامت به الحكومة خلال السنوات الفارطة على عدة مستويات، لكننا اليوم أمام وضع ينذر بتراجع الأوضاع الاجتماعية لأوسع الفئات. وبالتالي فإن الأولوية خلال السنتين المقبلتين ينبغي أن تعود للاهتمام بالشأن الاجتماعي وتلبية المطالب الملحة التي سبق تحديدها عبر الحوار الاجتماعي المجمد. ومن هنا فإن نفسا آخر ينبغي أن نعطيه لإصلاح الضريبة على الدخل من أجل استكمال النتائج الإيجابية التي حققها الإصلاح المتدرج السابق. وعلينا أن نعي أنه إذا كان الإعفاء يهم 50% من الأجراء ، فذلك معناه أيضا أن تلك النسبة من المأجورين هم في الواقع فقراء ولا يواكبون وتيرة العيش الراهنة. وبالتالي فإن إصلاح نظام المقاصة الذي خصصت له الحكومة 17 مليار درهم، أصبح هو الآخر أولوية ملحة. فرغم إجراء «تيسير» الذي اتخذ من أجل دعم التمدرس، إلا أننا لا نفهم استمرار استفادة الجميع من المقاصة المخصصة لدعم فئات هشة. وعليه نكرر مطلبنا بإصلاح شامل لهذا الصندوق بما يكفل الدعم المباشر للفئات المستهدفة. أما بخصوص الضريبة على القيمة المضافة، فعلى الرغم من موضوعية دفع الحكومة بأن خفض نقطة واحدة من هذه الضريبة سيقلص من المداخيل الضريبية بثلاثة ملايير ونصف درهم، فإننا نسجل أن تأجيل هذا الإصلاح لا ينبغي أن يتجاوز السقف المعقول. إننا في الفريق الاشتراكي واعون أن بلادنا تعتمد أساسا على مداخيلها الضريبية، وأن أي مس بهذه المداخيل يؤثر على المسار التنموي. لكن مقاربتنا للإصلاح الجبائي تنبني على ضرورة التخلص من منطق الإعفاءات الضريبية وتحقيق عدالة جبائية ومحاربة التملص الضريبي عبر المراقبة والصرامة في استخلاص الضرائب خاصة في مواجهة المقاولات الكبرى. إننا ندعم الحكومة في توجهها إلى تشجيع القطاع غير المنظم من أجل الانخراط المواطن في المساهمة في الاقتصاد الوطني وتنميته بشكل مؤطر وشفاف. وهو التوجه الذي تمثل أساسا في إقرار تدابير تحفيزية وأخرى تنظيمية. ونحن متفقون أن تنظيم هذا القطاع الضخم وانخراطه في هيكل الاقتصاد الوطني الشفاف يتطلب جهودا متضافرة، لكننا واعون أنه يتطلب كذلك شجاعة سياسية وتدابير حكومية صارمة. السيد الرئيس من بين التدابير التي نثمنها ضمن مشروع هذه الميزانية قيام الحكومة بدعم إضافي لعدد من الصناديق في إطار الاهتمام بالفئات الفقيرة. وإخراج صندوق التكافل العائلي الذي نهنئ أنفسنا في المؤسسة التشريعية على تمكننا رغم التأخر من إقراره لما ستكون له من فائدة في إنقاذ أعداد لا يستهان بها من الأسر المغربية وفي إضفاء المزيد من المصداقية على روح مدونة الأسرة التي نفتخر بها. ونحيي كذلك المجهود التي تم القيام به من أجل الاهتمام أكثر بالوسط القروي عبر المزيد من فك العزلة عنه وتمكينه من بنيات تحتية وولوجه للخدمات الأساسية عبر تخصيص 20 مليار درهم لهذه الغاية. كما نشجع الاتجاه الذي اختارته الحكومة في دعم الادخار خاصة في مجالات تدعم القدرات الاجتماعية كالسكن والتعليم. ونسجل كذلك استمرار الحكومة في دعم ورش التعليم الصعب وما يتطلبه من تمويل وتأهيل وهو ما يتمثل في مواصلة تفعيل البرنامج الاستعجالي الذي يستهدف تصحيح مسار المنظومة التعليمية بكل ما يتطلبه من شجاعة وحرص. أضف إلى ذلك التزام الحكومة بتعميم نظام المساعدة الطبية الذي يعد شقا أساسيا في تفعيل مدونة التغطية الصحية الأساسية التي نفخر بكون المغرب اليوم يعمل على التطبيق الواسع والجاد لمقتضياتها رغم الإكراهات والصعوبات المالية والاجتماعية والقانونية والمؤسساتية... لكننا نلح على أن مليارين ونصف من الدراهم لن تكون كافية لإنجاح هذا التعميم على الرغم من أنها مجهود أساسي بالنظر للظرفية. السيد الرئيس إن كل هذه المجهودات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وغيرها من الجهود الاستراتيجية المتمثلة في الأوراش الكبرى المفتوحة في عدة قطاعات ومجالات حيوية مثل النقل والطاقة والفلاحة والتكنولوجيا والبيئية... تجعلنا اليوم أمام بناء وطني مستمر لاقتصادنا ولمجالنا ولإنساننا المغربي. إننا أمام بناء المغرب المستقبلي الذي ننشده جميعا. لكن السؤال المطروح هو، هل نتقدم في بناء بلادنا وفق التصور الاستراتيجي المتفق عليه والذي سبق أن لخصه صاحب الجلالة في مقولة المغرب الحداثي الديموقراطي؟ هل نستوعب أننا في لحظة دراسة الميزانية نكون أمام لبنة أخرى من لبنات بناء مستقبل وطننا؟ وهل نحن مدركون أننا في خضم مناقشة أرقام الميزانية وفرضياتها وإجراءاتها علينا أن نستحضر الإطار العام للسياسات العمومية ومدى الأثر الذي سيكون لها غدا في حياة بلادنا وشعبنا؟ من هذه الأسئلة المؤطرة لنقاشنا اليوم، نقول في الفريق الاشتراكي أنه مهما كانت جرأة الإصلاحات، ومهما بلغت قيمة الاستثمارات، ومهما كانت قوة الاختيارات، فإنه بدون تأطيرها برؤية وطنية استراتيجية وبتدابير تخليقية وبحكامة تدبيرية لن تكون منخرطة في مسار بناء المغرب الحداثي الديموقراطي المنشود. فإذا استمرت الرشوة في نخر إدارتنا وقضائنا ومجالات حساسة لدى المستثمرين والمنعشين والمدبرين، فإن كل الجهود التي نبذلها ستظل محصورة وقاصرة عن الوصول لأهدافها التنموية. وإذا استمر اقتصاد الريع والامتيازات الذي يستفيد منه المحضوضون في الوقت الذي تكتوي فيه الفئات المحرومة والكادحة من أبناء الشعب المغربي من صعوبة العيش، فإن كل خطابات الإصلاح والتبشير بتحسن الأوضاع لن تكون لها أية مصداقية. وإذا استمر الغش والفساد والزبونية في مختلف مناحي حياتنا ومجالات عيشنا، فإن كل ما نبنيه اليوم مهدد بالانهيار في أية لحظة. ولنأخذ المثال مما خلفته الأمطار الاستثنائية الأخيرة وما نتج عنها من فيضانات، وما خلفته من انهيارات في الطرق بما فيها الطريق السيار وانسداد خطوط السكك الحديدية وتهدم القناطر وانقطاع الكهرباء حتى عن العاصمة الاقتصادية ومنشآتها الصناعية وغرق المحلات التجارية في قلب العاصمة والدور السكنية والسيارات والممتلكات... إن مثل هذه الأحداث تطرح علينا مدى استعدادنا لحماية المنجزات الكبرى التي نستثمر فيها اليوم ونضحي بأولويات اجتماعية أساسية وملحة في سبيلها. مثل خطوط وقطارات الطرامواي في العاصمتين، ومثل القطار فائق السرعة، ومثل المنشآت المينائية الضخمة، والمنشآت السياحية الساحلية والمنشآت الطاقية وغيرها؟ إننا لا نطرح هذه التساؤلات والاحتمالات من باب التهويل أو التشكيك، بل من منطلق الحرص الوطني الصادق على ضرورة استحضار أن هذا المجهود الاستثماري الضخم الذي يقوم به المغرب اليوم بتضحيات كل المغاربة علينا أن نعززه بالضمانات التخليقية الضرورية التي تنهي مع الفساد والرشوة والامتيازات التي لاحظنا كم كانت تكلفتها باهضة خلال العقود الماضية. وبالتالي فإن من بين الوسائل والتدابير التخليقية الأساسية هي القطع مع سياسة اللاعقاب التي تشجع على التمادي في الانحراف والفساد وتؤدي إلى غياب المسؤولية والمصداقية وانعدام ثقة المواطنين في المؤسسات. السيد الرئيس لابد من التأكيد كذلك على أنه بالرغم من المجهودات الإصلاحية المتوالية منذ حكومة التناوب والتي مكنت من القيام بالاستثمار في المجالات الاجتماعية مع الحفاظ على التوازنات، فإننا لم نتجاوز بعد المنطقة الهشة التي نطمئن إلى أننا أصبحنا في منأى عن أي تراجع. وبالتالي فنحن نتابع مجموعة من التقارير لمؤسسات وهيآت ومنظمات دولية تقوم بترتيب بلادنا في مراتب متدنية في مجالات الشفافية والتنافسية وتوفير مناخ الأعمال وسلامة المساطر الإدارية واستقلالية القضاء وفي استشراء الرشوة... وغيرها من المجالات التي قد نختلف أو نتفق مع نزاهة ومقياس ومنهجية هذه المؤسسات في ترتيبنا، لكن الثابت أننا نلمس تكرار واستمرار تأكيد تراجعاتنا في بعض تلك المؤشرات حتى من بعض المؤسسات الأكثر مصداقية في العالم. وحتى على مستوى أهداف الألفية التي نقر بالمجهودات التي قام بها المغرب منذ عقد لبلوغها، ورغم تقدمنا في عدة مؤشرات، إلا أننا لمسنا مدى التأخر الحاصل لدينا على مستوى عدة مؤشرات وأهداف وخصوصا في مجال التعليم ومحاربة الأمية والصحة خاصة لدى الأطفال والأمهات. وبالإضافة إلى مجهودات الحكومة في تحقيق أهداف الألفية والعمل على الاستمرار في تنفيذها، فقد ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بقسط وافر في الحد من تدهور بعض المناطق والفئات نحو الفقر المذقع والأمية والجهل والجريمة والانحراف... لكن على الحكومة أن تربط بشكل متكامل بين نتائج هذه المبادرة الواعدة وبين برامجها القطاعية وسياساتها العامة حتى تتحقق النتائج والآثار الواقعية على المستوى الاجتماعي المباشر. وهو ما نرى أنه يتطلب تدخلا حكوميا لإقرار الحكامة التدبيرية اللازمة سواء في البرامج القطاعية أو في برامج وعمليات المبادرة الوطنية، أو في تسيير مختلف مؤسسات الدولة ومرافقها وتكاملها مع القطاع الخاص. فمن غير المعقول أن نتحدث اليوم عن استمرار ازدياد السكن العشوائي والصفيحي ب50 ألف على الرغم من المجهودات التي قامت بها الدولة على كافة المستويات من أجل الحد من هذه الظاهرة المخزية. وعلى الرغم من كل التحذيرات من مخاطرها وتهديدات للوبيات المسؤولة عنها. ومن غير المقبول أن تستمر الفوارق في بين المناطق والفئات، في الوقت الذي نتحدث فيه عن التوزيع الجهوي للميزانية، وعن فك العزلة عن المناطق النائية وعن جبر الضرر بالنسبة للمناطق التي أقصيت وهمشت... ومن غير المستساغ أن تبقى المضاربات تتحكم في عيش المواطنين الذين يئنون من جراء التهاب أسعار المواد الأساسية، وأن تستمر المضاربات في العقار بشكل يجعل من المستحيل تملك المواطن لسكناه، بل وأن تستشري المضاربة حتى في أراضي الدولة التي تتاجر فيها لوبيات خاصة. ومن غير المبرر أن تستمر الاختلالات التي تعرفها منظومة الأجور، رغم أن المطالبة بإصلاح هذه المنظومة وعقلنتها امتد على مدى سنوات. ولازلنا لم نلمس لحد الساعة أية مؤشرات جادة وعملية على مستوى إصلاح الأجور بما يحقق العدالة والاستحقاق. وفي هذا الإطار فإننا لم نستوعب عدم تجاوب الحكومة، وخاصة السيد وزير المالية، مع تعديلنا الذي يعترف بحق هيأة كتابة الضبط في نظامها الأساسي الذي أمر به الخطاب الملكي منذ 2003 وأكد عليه في خطاب 20 غشت 2009، رغم أن هذا الإجراء من شأنه أن يزيل الاحتقان الكبير في قطاع العدل وأن يحد من النزيف الاجتماعي الذي كلف ملايين الدراهم لخزينة الدولة حتى الآن. السيد الرئيس إننا واعون أن الإصلاح له تكلفة، وأنه من السهل إملاء الاقتراحات وإعطاء النصائح، لكن ما أسلفناه من رصد لبعض الاختلالات لا يدخل في باب رمي المسؤولية في خندق الحكومة وتصيد بعض النقائص والثغرات، بل هو تذكير بأمثلة صارخة من التناقضات التي نرى أن مغرب اليوم لم يعد يتحمل استمرارها، وذلك من باب الغيرة الوطنية الصادقة والمسؤولة. وفي هذا الإطار ننبه إلى أن الحكومة مطالبة ببذل جهد مضاعف للرقي بإعلامنا الوطني ووقف مسلسل التدهور الذي نرى أنه متجه إليه. فللإعلام اليوم دور كبير في تسويق الصورة التي نريد لبلادنا. وللإعلام دور في إبراز كل المجهودات والإنجازات التي ذكرناها آنفا وشجعنا الانخراط والاستمرار فيها. وللإعلام كذلك مهمة وطنية في الدفاع عن قضايانا الوطنية بشكل مهني ومقنع، ومواجهة خصومنا الذين لا يدخرون جهدا في معاكسة قضايانا ومصالحنا. السيد الرئيس إذا كان نجاح الإصلاحات والأوراش والمبادرات رهينا بتوفير الجو الصحي والتخليقي، كما أسلفنا، فإن المدخل الأول والأساسي لتوفير ذلك الجو والحفاظ عليه هو إقرار مناخ سياسي نظيف ومؤسسات ديموقراطية ذات مصداقية وتنافس سياسي شريف تقوده هيآت حزبية وطنية فاعلة وحراك اجتماعي سليم تؤطره نقابات حقيقية مؤثرة ومجتمع مدني فاعل تشكله هيآت مدنية حية. إنها التركيبة اللازمة للوصول إلى المغرب الحداثي الديموقراطي المنشود، وهي المعادلة التي نقر بصعوباتها وإكراهاتها بالنظر لمخلفات عقود من الفساد الانتخابي والحصار السياسي والتمييع النقابي والفبركة في أوساط الجمعيات المدنية. لقد آن الأوان، لإطلاق دينامية إصلاحية متكاملة في المجال السياسي والانتخابي والحزبي والنقابي. ولتكن الانطلاقة من إصلاح مدونة الانتخابات بما فيها نمط الاقتراع وآليات تحصين وتخليق العملية الانتخابية، خاصة ونحن على أبواب انتخابات تشريعية نطمح إلى أن تكون مقدمة لبناء ديموقراطي يقطع مع المنحدر المحبط الذي عشناه خلال تجربة 2007 التراجعية. إن هذه الإصلاحات الانتخابية والسياسية لم تعد تحتمل أي تأجيل، لأنها بكل بساطة المقدمة الفعلية لإنهاء مرحلة الانتقال الديموقراطي التي نرى أنها طالت والتهيئ لإصلاحات دستورية متوافق حولها بين المؤسسة الملكية والمكونات السياسية الوطنية الفاعلة لإقرار المغرب الديموقراطي الحداثي المنشود، خاصة ونحن نتطلع لنموذج متقدم للجهوية. وهي الإصلاحات التي من شأنها أن ترقى بتجربتنا في الديموقراطية المحلية بما يعزز الحكامة ويقوي الجماعات المحلية ويمكنها من الوسائل الكفيلة بتفعيل المخططات التنموية الاستراتيجية. وفقنا الله لما فيه الخير لبلادنا والسلام عليكم ورحمة الله