نوه به كثيرون بإعجاب فأحسوا أنهم مشددون إليه لكلمات شعره ومعانيه للذات الانسانية. محمد بن ابراهيم شاعر كعبه كبير في الشعر، فاقت شهرته الآفاق، ذو شاعرية سيالة، فهو شاعر مفلق ينطلق شعره على البداهة. شغل الأدباء وعموم الناس حيا كما شغلهم ميتا. يعرف عندهم (بشاعر الحمراء) نسبا لمسقط رأسه بمدينة مراكش سنة 1318 ه / 1900م . حفظ القرآن الكريم بروايتي ابن كثير وأبي عمر البصري وهو لا يزال يافعا مع مجموعة من المثون المركزة، ثم التحق بجامعة ابن يوسف ودرس على أعظم شيوخها خاصة منهم الشيخ أبي شعيب الدكالي. ثم رحل إلى فاس فأخذ عن شيوخ القرويين الذين أجازوه، وبعد ذلك ذهب لأداء فريضة الحج عام 1935 ه / 1935 م وألقى قصيدة عصماء أمام الملك عبد العزيز آل السعود في محفل كبير. وبعد أداء مناسك الحج، عرج على مصر بطلب من أمير الشعراء (محمد شوقي) وهناك التقى مع رجالات العلم والفن والأدب، وحضر لقاءات وندوات مثل حفل تكريم «ذكرى حافظ ابراهيم»، فأجازه أمير الشعراء (محمد شوقي). وعند رجوعه تم له تكريم سنة 1361 ه / 1942 م من طرف كلية ابن يوسف بمراكش والقرويين، ألقيت فيه كلمات وقصائد تنويه وإكبار للمحتفى به. كما نظمت جمعية قدماء طلبة ثانوية محمد الخامس بباب اغمات، ذكرى جمعت كل محبيه آنذاك. وفي يوم 27 محرم عام 1374 ه موافق 25 شتنبر 1954 والمعركة حامية الوطيس لنيل الاستقلال تلقى الأدباء بالعالم نبأ الفاجعة والمصاب الجلل بأن توفي فجأة شاعرنا بسكتة قلبية أصابته، وأقبر بروضة باب أغمات ورثاه بعض الشعراء آنذاك، ووقف على قبره الشاعر المرموق المدني الحمراوي الذي كان قاضيا ملحقا بمديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل ليرثيه بقصيدته «نكبة الشعر»، وقد جاء فيها: أيا من لها وصروف الردى/ تطوف به في الضحى والمساء إلى كم تطاوع روح الهوى/ وداعي المنون ويوالي الدعاء إلى أن قال: فما أفدح الخطب فيك وما/ يطاق عليك احتمال العزاء ومن يرأس الشعر في بلدة/ بفنك نالت جميل الثناء قبل أكثر من نصف قرن توقف قلب شاعر عظيم عن أن ينبض بعد أن ظل هذا قلب يصدح بالشعر كل حياته وينصت إلى الشعراء في أرجاء العالم العربي، فنوه به كثيرون بإعجاب فأحسوا أنهم مشددون إليه لكلمات شعره ومعانيه «للذات الانسانية». هناك من عنف عليه لكنه احتضنه بعدما أزال عنه مسحة سميكة، فوجد نفسية انسانية فدة، فبحثوا عن السر الحقيقي لمواقفه وآرائه إبان الاستعمار في بعض القضايا، وعن دفاعه عن الوطن كشاعر متميز. من البديهي أن شاعرنا قد أصيب بشظايا الاستعمار التي كانت تنهال على الوطنيين فاحتمى باحتراف الكلمة، فكان أكبر من أن يخضع لمعيار سلوكي يفرض عليه وكان يتناول الجميع في «السلطة» بنفس المستوى صغر شأنه أم كبر في مدحه وهجوه وفخره، كانت نفسه منشرحة متمردة أحيانا، أدرك هو نفسه تفرده بين الشعراء، فانطلق أحيانا عن مفهومهم، فقد أحس بوجود المغترب، حيث قال فى إحدى قصائده: «قضى الله أن أبقى بلا نعل ولا ولد». وعليه، فأي مأخذ عليه، إذا كان الناس في وقته لا يشاطرونه أفكاره آنذاك في زمن الاستعمار الذي ولى لم يستسيغوا تياراته النفسانية كرجل حر، شاعر طليق في شعره المفرط والطموح، وما كان قط ماديا إلا من إكرامات جولاته الأدبية وغدواته وروحاته، كان يعشق الليل ليتنفس الفجر ويجدد الشعر بنور براق باهر عبر الخلود، وينساب كالماء الزلال وهو جالس في قهوة «المصرف» أي «الجدول للماء» ليكرع من عين «العباسية المراكشية». أولئك الذين كتبوا عليه، لم يكتبوا سوى جانبه العلني، فهو ظل شاعرا بعيدا من الذين يبيعون كرامتهم وقيمهم طمعا في سلطة أو جاه، لم يطلب قط وظيفا، وكان يحمل نفسا قوية بالإيمان ترجو في أمل عريض الغفران كإنسان بشر. كانت آماله أكبر من طموحاته الطاقية ومؤهلاته الشعرية والأدبية، لم تجد في ذلك الوقت منابع متفجرة كي تنتشر وتجمع. النقاد اهتموا بالموجود ولم يسبروا غور العمق المعطاء للشاعر المرحوم محمد بن ابراهيم.