ظل الإعلام في المغرب آلية رسمية بامتياز.. تستعملها السلطة السياسية لشرعنة سياساتها، و لم يكن يشذ عن هذه القاعدة سوى الصحافة الحزبية المرتبطة بأحزاب المعارضة الوطنية منذ الستينيات إلى حدود التسعينيات . كان الصوت الذي لا يعلى عليه و الذي يُمَرّرُ عبره خطاب واحد أوحد هو صوت التلفزة والإذاعة و الجرائد الرسمية المحسوبة على اتجاهات السلطة . إقفال «الملعب الإعلامي» أمام باقي الفرقاء في السنوات المذكورة التي خيطت بالرصاص السياسي .. لم يكن يسمح إلا ببث ما يعجب أصحاب القرار .. ويتآلف مع استراتيجياتهم في السياسة كما الاقتصاد .. النتائج لم تكن رديئة فقط .. و تافهة .. بل خلقت هوة كبيرة بين المتلقي الذي هو الشعب حتى لا نقول الرأي العام ( لأن هذا المفهوم له معاييره المحددة ..) .. و المرسل الذي هو السلطة السياسية التي كانت تهتم فقط بالتأسيس لديمقراطية الواجهة التي وضعت عليها مساحيق توهم ذاك المتلقي بأن الأمور بخير و المغرب .. مغرب النماء و الرخاء و الرفاه و ما إلى ذلك من الكلام الذي لا يعني سوى الكذب الصراح .. !!! اليوم .. توسع هامش الحرية ليس فقط بفعل عوامل داخلية في البلاد، و تحديدا ما وقع إبان حكومة التناوب و قبلها من انفتاح سياسي أدى إلى انتقال للسلطة .. و تجديد كبير في الترسانة القانونية للمملكة باستثناء «الوثيقة» بطبيعة الحال.. بل هناك عوامل فوق وطنية .. و نقصد بها الثورة التكنولوجية العارمة و العولمة بما جرته من طرق سيارة للمعلومات وتناقل سريع للصورة و الأحداث و الأخبار . فأية دولة و أي نظام سياسي مهما بلغت درجة استبداده أو تضييقه على الحريات .. سيهزم أمام هذا المد الجارف لوسائل الإعلام الحديثة .. وإن عاكس هذا التيار سيبدو كمن يحرث مياه المحيط الأطلسي.. !؟.. اليوم أيضا.. عرف المغرب تحريرا «مقيدا» لقطاع السمعي البصري.. زادت أعداد الصحف و المجلات .. خرجت إلى الوجود إذاعات خاصة وقنوات أخرى ..ازداد مستهلكو الشبكات العنكبوتية ( السبرنطيقيون) .. و مازال المغرب الرسمي لم يجد بعد استراتيجية واضحة لإرساء نظام إعلامي وطني في توافق مع المتدخلين في هذا المجال .. مازال نفس هذا المغرب الرسمي متعثر الخطوات و متوتر الأعصاب تجاه الفاعل الإعلامي بكل تلاوينه .. لا يدري ماذا يفعل مع الحرية التي تقابلها المسؤولية.. تارة قمّاع و تارة أخرى منفتح حسب الظرفية .. و هذا ما يوضح بجلاء تخبط هذا المغرب الرسمي و صعوبة إيجاد مكان موضوعي و حقيقي للإعلام في السياسات العمومية الوطنية. انطلاقا من هاته الخلفيات المتداخلة .. يحاول الملف السياسي مقاربة وتفكيك سؤال الإعلام في أجندة هذه السياسات.. بالوقوف على الاختلالات والإعاقات التي تحول دون التعامل مع هذا المكون الديمقراطي الذي لا محيد عنه بطريقة الشريك لا بعقلية الخصم .. نترك للملاحظ الرصين والمتتبع النبيه .. فرصة الإطلال على كتابات و مقالات علمية لباحثين و مثقفين ينتمون للجيل الجديد .. ديدنهم كما ديدننا .. تعميق النقاش من زاوية إعلامية صرفة و إسهاما أيضا في الحوار الوطني الذي لم تخرج خلاصاته و لا كتابه الأبيض إلى حيز الوجود ..