كان السحر يشع من حمرة عينيها، لما أمسكت ذراعي بين يديها الباردتين (كما الثلج)،فتحت قبضتي اليسرى (لست أدري لما اليسرى بالذات) كي تقرأ طالعي، مررت ظفر إبهامها المعقوف على طول خطوط كفي، همهمت تعاويد لم أتبين معناها (لكن إيقاع سجعها أبهرني) ثم حركت رأسها بسرعة مروحية «الحوامة» ثم أقلعت على براق الزمان إلى عالم الغيب، للتلصص على حالي وأحوالي هنالك بالمستقبل البعيد. لما رجمت شياطينها، عادت من سفرها منهكة، بوجه مصفر، جحظت عيناها في عيني، تقيأت قهقهة غريبة، وقالت بصوت غليظ به حجرجة: - ستعرف حياتك سبع سنين عجاف: ستمتهن كل الأعمال الحقيرة، وتدمن شرب الخمر الرديء، وكذا المراهنة على سباق الخيل (التيرسي)، وستصاب أيضا بأمراض كثيرة. ستعيش خلال هذه المدة في فقر مقرف، لا يسر المؤمنين، لكنه يشبع نهم نميمة «البصاصين» القاعدين على كراسي المقاهي الرخيصة. لكن بعد مرور تلك السنين السبع س... صمتت طويلا لكنها ظلت محافظة على ابتسامة العرافة المحترفة، فانتابتني لهفة كبرى لمعرفة ما سيحدث لي بعد هذا الردح الطويل من عيشة القهر، سيما وأن ابتسامتها تلك تمني النفس بمنتجعات جزر «هاواي». عادت لكفي تتابع قراءة مكتوب لا يرى حروفه أحد سواها، ولما ربتت على كتفي وصافحتني مهنئة، تأكد لي أني سأعرف بعد ضيق الحال، حياة العز وأكل الإوز، تشوك جلدي وكدت أن أتمرغ في الوحل فرحا. لاشك أنها ستبشرني بربح كبير في «التيرسي»، أو أني سأصبح من أغنياء العالم مثل «onasisse» أو «bill gate» (لما لا؟!)، ولن تفارق طرفا شفتاي السيجارة الفاخرة للزعيم «كاسترو»، وقد أطوف الدنيا طولا، وخصر الفتيات الحسان عرضا. تهون سبع سنوات عجاف أمام ما تبقى من عمر تزدان فيه مائدة المرء بكل أصناف المأكولات، وخصوصا ذاك البيض الصغير الذي يسمونه «الكافيار» أوتلك العقارب البحرية الكبيرة التي «يسلطنونها»على فراش من خص، ويقصون أظافرها بدلال كما عاملات «»المانيكير» و»الباتيكير»، تقديسا لمفعولها لما يحين وقت... بدل الانتفاخ بأكل الخبز ولعق قدور الفول المعجون، ولن أشرب سوى مياها معدنية خالصة، وأرقى أنواع الخمور ك «الشامبانيا» الفرنسية و»فوطكا» الروسي»هلتسن». لا شك أنها ستزف لي أن تلك السنين العجاف ستصبح في خبر ما لم يكن، وستعوض بسنين سمان، تمحي آثار الجوع وضمور الحرمان، وسيتحول حالي ويكثر مالي، وينتفخ بطني، وأبني وأعلي، أرقص وأغني. أيقظتني العرافة بصوت جازر(به حجرة): - لم ترم بياضك بعد؟! . بسرعة ناولتها ما كان بجيبي من نقود، - بل كدت أهديها قميصي وتباني أيضا-، طفت على وجهها ابتسامة البشارة، فما كان مني إلا أني تحت قدميها ركعت، تشبث بتلابيب قفطانها (المغربي الأحمر)، وبلهفة الكلب (الذي سمع ناقوس «بافلوف») قلت: - سيدتي الجميلة !ماذا سيحدث لي، بعد سنين الجوع؟! . جدبت تلابيبها مبتعدة عني، قهقهت عاليا وقالت بصوت «حيزبوني»: - بعدها ستتعود على عيشة الجوع فذاك طالعك.