فتنة اللحظة تأخذها ، تنسى هرولتها الى الحجرة ، اٍغلاقها الباب خلفها ، ارتمائها على السرير باكية ، دافنة رأسها فى الفرش حتى لايسمع مخلوق بكاءها ..تنسى كل هذا ولا تتذكر إلا وجهه، وبسمته الحانية وهو بين يديها . تحدق فى عينيه ، تبتسم له ، تتمدد ابتسامتها بطول اللحظات ، تحادثه ، تسأله لماذا لايتكلم ، لايناغشها كما كثيرا فعل . تنتبه له يمد يسراه إلى يمينها التي تهنأ بالرقاد على راحة يده مطمئنة، يمد اليسرى واحة حنان على بساط خصرها ، يشدها للوقوف ، تلين معه كعادتها ، تدور والحجرة والكون بين ذراعيه ، وابتسامتها تواصل التمدد ، وقلبها الطفل يرقص على خيوط وحبال نظراته الحانية فرحا ، يبحران معا عبر اللحظات إلى أماكن لم ترها عين من قبل ، فوق مياه حانية تهدهدهما مترفقة ، تمضى بهما وسط ريح رخاء ، من ميناء إلى ميناء وهى بين دفتي ذراعيه ، مجدافهما أحاسيس عذراء تتدفق حولهما ، تتقدمهما من مكان إلى آخر، وابتسامتها تواصل الاتساع . فجأة يخترق أذنيها زمجرة ريح عاصفة تحطم قاربهما ، غمام كاسح يغطى وجه السماء دونها ، وصوت راعد يأتيها من كل الجهات : - هناء، عريسك حضر ترتعد ، يفلت من بين يديها المتعلقتين به ، يمد يديه مستصرخا ، تهوى كلها إليه ..تنتبه لنفسها مكومة على أرض الحجرة ، محيطة صورته التي وقعت منها بكلتا يديها .. وتواصل البكاء! ........................... فى ذلك الصباح هطلت أمطار صمتها فأغرقت المكان ،حاصرتها كلمات أبيها ، ذات الكلمات التي طالما احرقت أذنيها ..حاولت الهرب من صوته ، من كلماته ، ومن وجهه . أدارت رأسها ناحية النافذة ، رأته هناك ، ملامحه تتمدد مخترقة المكان كله إلى الأفق .. نظراته بأذرعها الأخطبوطية تقيدها ،وفمه بأجراسه الرعدية يدق جدران رأسها :- - المرأة للزواج .. أم تريدين ....؟ وهي من خلف أمطار صمتها الهاطلة تنظر إليه ..ترى الريح تعبث بوجهه المدود هناك على صفحة الأفق ، تدفعه يمينا فلا يبدو منه إلا عين يسرى ترمى بالشرر ، وترده يسارا فتقابلها عينه اليمنى بشرر أشد . بينما وجه أمها روضة يانعة الزهر ينبع منها أريج يملأ النفس سكينة ..ترمى نفسها بين ذراعيها تتفتح الأزهار وتشرق الشمس بعد طول كسوف : - أبوك يريد صالحك يتدفق سيل من نبعى عينيها يملأ تخوم وسهول خديها وذقنها: - وفريد ياماما ؟!! - فريد ياحبيبتى راح ينتفض الجسد صارخا بكل خلاياه و دماؤه الهادرة فيها: لا وتتحرك لتواجه عيني أمها بعاصفة النظرات ، تلاحقها الأم باعتراض له أريج ناعم :- - فاتت سنة ياعلياء ..مازلت صغيرة ..مرغوبة تتسع عيناها لدهشة باتساع محيط ..سنة مرت ؟! تتجه لعيني أبيها .. تتحول نارهما إلى نيران حانية اللمسات ،دفئها يحتويها ،يشدها هامسا فى رفق :- - أشعر بمتاهة الأحزان التي تبتلع أيامك..لكن إلى أين ؟ تجيبه عيناها : - إلى أي مكان مادام معى تلسعها حرارة النيران : - لكنه راح ..راح تهوي نظراتها من حالق .. يغادر والدها المكان ، لائذا بفجاج الصمت .................... باب مغلق على جدران عمياء ..الصمت كونها ..برودة ثلجية تحصرها ..وهي هناك ..على الأرض ماتزال تحنو على صورته ..يبسم لها مهونا ..تبسم له..يطل وجه أمها كالقدر:- - علياء ..الفستان ترن عيناها إليه ..مفرودا على سريرها كان ..كفنا أبيض له زرقة خفيفة تعطيه رونقا للقاء لحد..زحفت إليه ..اقتربت من السرير ..ضجت نبضاتها بالصراخ ..استدارت عنه ..ارتطمت بوجه أبيها على الجدار .. استغاثت به :( لاأملك الاقتراب منه ) ..عبست ملامحه..صرخت:- ..( ماذا أفعل؟).. تحول العبوس إلى نفور ..هربت من عينيه إلى فريد ..بزغت من وسط الدموع بسمة صغيرة وهي تسحب برفق صورته .. حدقت فى عينيه ..شكت له من أبيها ..من قسوته .. ربت يدها برفق .. رفع ذقنها الى أعلى مدققا فى حبتى عينيها : -الوحدة ..البكاء ..الذبول ..ثم ماذا ياعلياء ؟ اتسعت حدقتاها لبحار من حيرة هادرة : - ماهذه الكلمات ؟! رفع يده اليسرى لتتعلق بها يدها اليمنى كما طالما فعل..طاوعته ومدت يدها ..فتح الباب برفق ..تراجعت خطوة ..شدها بحنو ..تقدمت ..رأتها أمها قادمة ..انطلقت من عينيها ابتسامة وهبت إليها .. مدت كفها إلى يدها اليسرى وسارتا إلى الأمام ..أخفى جسدها وهي تتقدم إلى الردهة صورة مؤطرة بإطار أسود منذ عام ، تحمل ابتسامة سرمدية ، تشمل الجميع !!