«والله نموتو على بلادنا وطنا وملكنا.. وإلى اعطاوني السلاح نمشي نموت شهيدة على بلادي... لأن حب البلاد ماشي بلفلوس... كايشجعو الخونة ويهينو الوطنيين وأولاد وعائلات شهداء الوحدة... لن نرحل عن الزاك رغم كل المعاناة المفتعلة...»، التصريح للسيدة مراس خديجة، أرملة شهيد الواجب محمد رحا، والتي تقطن بمدينة الزاك بمعية ابنها، وبعدما عاشت جحيم العدوان بهذه المدينة الصامدة والمحملة بالدلالات البطولية والكفاحية في وجه الاستعمار، وكذا في مواجهة مرتزقة البوليزاريو، فالمكان المسمى الزاگ حيث لا أقول مدينة أو جماعة، لأن مقومات هذه التسمية لا تنطبق بتاتاً، بل هي أشبه بعش فراخ مهجور بساكنة موجودة وصامدة في تشبثها بوجودها وبالزاك. دخلنا من البوابة الرئيسية حيث يافطة تشير إلى أن الزاك ترحب بالوافدين عليها، وجدنا بالمدخل رجال الدرك الملكي الذين استوقفونا للحظة، كان السلام والدخول بشكل عاد. استقبلنا مضيفنا البشير، وهو مسؤول حزبي ونقابي وفاعل جمعوي في بيته على عادة أهل الصحراء بالعطر والحليب والتمر. أخذنا قسطاً من الراحة قبل أن يلتحق بنا عدد من المستشارين المحليين وبعض الشباب. ورغم أن الموضوع هو الزاك، فإن الزيارة التي تزامنت مع التحضير لعيد الأضحى، سيطر على الحديث ما يقع بالعيون، حيث الحدث مازال طرياً والناس هنا تتلقف الأخبار عبر قناة العيون وإذاعات الجزائر وتلفزتها. هنا الإشاعة تقتل الناس. يأتي هاتف من بعيد حوالي 700 كلم عن العيون و 60 كلمترا عن مخيمات العار بتندوف، مئات القتلى وآلاف الجرحى، تتدغدغ عواطف الناس، يأتي هاتف آخر «كل هذا إشاعات». هناك قتلى في صفوف رجال القوة العمومية.. يتحسر الحاضرون على الشهداء وتتفاوت التحليلات بين من يتهم الدولة بالتساهل، مما يشجع الانفصاليين على هذه الأعمال، وبين من يطالب بالحسم في المشكلة الاجتماعية بشكل عقلاني والقطع مع ثقافة الريع، وبين من يتهم بعض الناس باللعب على حبل القبلية فقط لأسباب انتهازية. خرجنا في جولة ميدانية داخل هذا التجمع البشري، لا يوجد أي مرفق عام أو خاص للاستراحة. الشباب يقبعون في جماعات صغيرة بجانب المنازل، يتبادلون أطراف الحديث. جالسنا عدة مجموعات دون أن نفصح عن هويتنا حتى يكون التعبير حراً وتلقائياً. لدى الشباب هواجس كبيرة، البطالة هنا تحطم كل الأرقام القياسية، التهميش، غياب كلي للمرافق، رغم أن مشاريع وبرامج جد مهمة توقف بها العمل مثل الملعب ودار الشباب وإحدى المقاهي وفندق، وكذا مشروع إصلاح الواحة بدعم ياباني، والذي أضحى مجرد أطلال وتعيش الواحة أزمة بيئية تهدد بانقراضها وهي ركن بيئي منيع... مشاكل الأحياء الجامعية، وخاصة بأكادير، مشكل النقل بالنسبة للطلبة... مشاكل العمل... قد يكون هذا في كل أنحاء المغرب، ولكن وهنا بالزاك، حسب تعبير مصطفى عماين المستشار الاتحادي بالمنطقة والفاعل الجمعوي، فالأمر خطير، لأنه يهدد بتفجير الأوضاع الاجتماعية، لابد من رد الاعتبار للوحدويين وقيم المواطنة، هناك منتخبون يسيرون في اتجاه مضاد لمصالح المنطقة والساكنة، ويحكمون رقاب العباد بطرق خطيرة، مستغلين الفقر والحاجة، وحسب ورقة الانفصال، فبمجرد المطالبة بحل مشكل يصبح الشخص انفصاليا!... تتعدد القضايا والأسئلة المقلقة في الزاك حول التنمية وهي قضايا لا نريد من طرحها التجني على أحد، ولكن ليتحمل كل واحد مسؤوليته في ما يقع بهذه المنطقة الصامدة منذ ترحيل سكانها بعد اشتداد الحرب، واختيار الناس للعودة بعد استتباب الأمن، ولكن ليس الأمن فقط الاجتماعي كما تريده الساكنة. من «البرزة» يظهر المعنى كانت صرخة المواطنة أودوش رقية سنة 2008 الموجهة إلى وزير الداخلية سنة 2008 نهاية شهر غشت طلباً للحماية من رئيس المجلس البلدي للزاك، والذي حسب الصرخة التي نتحوز نسخة منها، طلب منها أن يعمل زوجها راعياً «جيبي راجلك يسرح إلى بغيتي البرزة تبنا»، هذا ما قاله الرئيس للسيدة مقابل السماح لها بالبناء والبرزة تعني المنزل، وأوضحت السيدة بأنها تتوفر على التراخيص القانونية ، وأدت الواجب الجبائي «إلا أن السيد الرئيس منعني...» قد تكون حالة هذه السيدة فريدة من نوعها، فهل مازال في المغرب منطق السخرة والاستعباد وحتى استغلال النفود ، وهي حالات تتعدد فرديا وجماعيا وهي مؤشر على نوعية التسيير والواقفين خلفه. الرئيس والسوابق القضائية تربع (ع. ع) على كرسي الرئاسة سنة 1992 إلى حدود الآن، وسط إشكال قانوني وقضائي تطرحه المعارضة السياسية بالمنطقة، والتي شكلت سكرتارية محلية للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحماية المال العام، وتوجهت بعدة شكايات وطالبت بفتح تحقيق في وضعية الرئيس ومنها رسالة موجهة الى رئيس الجمعية المغربية لهيئة المحامين بالمغرب تطلب منه التدخل لدى وزير العدل بغرض إدراج الحكم القضائي 8490 قضية عدد 02/326 والصادر بتاريخ 2009/09/20 عن محكمة الاستئناف بأكادير من أجل إدراجه في سجله العدلي، ومنعه من الترشح للانتخابات طبقاً للمدونة. لم يمنع الرئيس ولم يصدر أي قرار، والجريدة تتوفر على نسخ من الأحكام الحائزة حجية الشيء المقضي به، وكذلك نسخة من رسالة وجهها المعني إلى جلالة الملك يطلب فيها العفو من العقوبة والغرامة في قضايا تتعلق بإصدار شيكات بدون مؤونة . وتتفرع عن هذه المتابعة والمحاكمات، قضايا أخرى تتصل بحصول الرئيس على الشهادة الابتدائية من عدمه لتصل إلى قضايا مرتبطة بالتسيير. الإنعاش الوطني حكايات لا تنتهي في كل زقاق وفي كل لقاء لنا مع العائلات، لا حديث إلا عن طريقة تدبير ملف الإنعاش الوطني، حتى مستشارو المعارضة لا يعرفون بالضبط عدد البطاقات، ولكنها تقدر بحوالي 200 بطاقة، والناس تأخذ حصتها طبقا لأهواء الرئيس ضمن أشخاص يتحوزون حوالي 20 بطاقة للشخص.. إلى تحويل الإنعاش إلى صدقات حوالي 250 درهما للأسرة في مدة 6 أشهر بما يعني 500 درهم سنوياً. والأخطر، وحسب شهادات حية، أن المشرف على توزيع «الصدقات» هو الرئيس شخصياً وداخل مقر الجماعة، مما يجعل إدارة الإنعاش الوطني في موقع الاتهام، لأنها تسمح باستغلال أموال عمومية يؤديها دافعو الضرائب لتسخيرها في الحملات الانتخابية وتركيع المواطنين. المستشارون والسكرتارية راسلوا جميع المتدخلين في هذا الموضوع لكن دون جدوى. 17 يونيو 2009 رسالة لمن يهمه الأمر في التاريخ أعلاه، خرجت نساء وشباب الزاك إلى الخلاء للتعبير عن رفضهم لنتائج الانتخابات، وأقامت 400 عائلة معتصمة أمام مقر البلدية بآسا لرفض سياسة «الحگرة»، والتزوير الذي وقع باستعمال وسائل الرشوة وترهيب السكان واستعمال الدقيق المدعم بطريقة غير قانونية. إذ حوالي 30 طنا يتصرف فيها ثلاثة أشخاص ولا يعرف مصيرها بالضبط في غياب شفافية العملية. تسيير بمنطق الأغلبية الغالبة مستشار جماعي طرح طريقة الاشغال هنا، فليس هناك نقاش فقط قرارات يجب الركوع لها ومنطق الاغلبية الغالبة هو السائد في مقابل الاستهزاء بمطالب المعارضة التي هي مطالب للساكنة، من قبيل توفير مركز صحي لأن النساء الحوامل عليهن التوجه الى كلميم لغياب التجهيزات وهناك طبيب واحد بالمنطقة استفاد من الحركة الانتقالية لتبقى المنطقة خارج التغطية الصحية، مما يرفع من معدل الوفيات وسط الامهات والاطفال وكذلك مشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تمارس بمنطق من معي ومن ضدي. فدار المواطن التي أشرف الانعاش الوطني على إنشائها وهي مجهزة، لايزال الرئيس يعرقل العمل بها. أما مشكل النظافة فلا مجال للحديث عنه لان المنطقة كما عايناها مليئة بالازبال والنفايات في الوقت الذي ترقد آليات النظافة بالمرآب بدون عمل، ولا أحد يعرف السبب في الوقت الذي يتحدث معارضوه للتسيير عن استغلال هذه الاليات وغيرها في ضيعات خاصة. العديد من هذه القضايا كانت موضوع مراسلات واحتجاجات لكن دون جدوى. مؤسسات ومنشآت مع وقف التنفيذ خارج الجماعة شيد ملعب لكرة القدم ومسبح وفندق ومقهى كلها شارفت على النهاية، لكنها جامدة في مكانها تتآكل جدرانها، ولا أحد استطاع فك طلاسيم هذا التجميد رغم صرف ميزانيات ضخمة كما هو شأن عملية تزفيت الشوارع التي انتهت الى حفر مليئة بالاسلاك وأضحت تشكل عرقلة للمرور في الوقت الذي خصص المجلس ميزانية كبيرة لهدم عدد من المنازل (الاحواش) وهناك الخيرية التي أنجزت قبل 6 سنوات وتتلقى منحا دون أن يلجها أي نزيل في الوقت الذي يحتاج الايتام الى رعاية، خاصة ابناء المقاومين والشهداء! المشاريع الجامدة تنضاف إليها طامة عظمى، متعلقة بالاستيلاء والترامي على الملك الجماعي وطالبت الجمعيات بفتح تحقيق في وضعية الأملاك العمومية التي انقرضت. هي حالات عددها المستشارون والسكان وكانت الخلاصة مروعة: من يرغب في ترحيل ساكنة الزاك التي أبت إلا الاستقرار والصمود على بعد 100 من مركز أفاعي المرتزقة بتندوف على التراب الجزائري. الطفولة والكلاب الضالة كان بودي لو أتحدث عن نقط مضيئة حول الطفولة بهذه المنطقة، ولكن مرافقي من مطار كلميم وجمعية اصدقاء ألحوا علي في اليوم الاول للزيارة بضرورة عيادة طفلة صغيرة عمرها 6 سنوات تعرضت لحادثة أليمة من طرف الكلاب الضالة مما جعلها في وضعية انسانية مؤلمة بعدما تمكن الاطباء من رسم 46 غرزة في وجهها ورأسها ومختلف أطراف جسدها ، لكن للاسف وجدنا الطفلة غادرت المستشفى العسكري الى وجهة غير معلومة مع أفراد عائلتها، وحتى داخل الزاك لم نتمكن من العثور عليها. . اما باقي الطفولة المدرسية بالزاك فالاباء يعبرون عن استنكارهم انشاء مدارس بعيدا عن الاطفال. زنقة الجزائر وما بعدها عند ملتقى زنقة الجزائر بالزاك، نطل على ربوة نلاحظ من خلالها ورشا للبناء تقوم به مؤسسة عمومية تحت مسمى البناء الاجتماعي، وغير بعيد منازل فاخرة جاهزة للسكن لا تشبه المنازل أو حطام المنازل القائمة. يحكي أبناء الزاك بأنها شيدت لفائدة العائدين، وهو ما علق عليه فاعل جمعوي «نحن لسنا ضد عودة اخواننا، ولكن هل لا نستحق سكنا لائقا ونحن صامدون هنا منذ سنين؟» هذه هي المقاربة الصعبة لمعالجة هذه الملفات: سكان يعيشون ظروفا سكنية صعبة ومنازل جاهزة لعائدين محتملين. عند زنقة الجزائر نجد بعض الشعارات والكتابات الحائطية المعادية للوحدة الترابية قامت السلطة بمسحها، لكن آثارها مازالت بادية للعيان، اعتبرها مرافقي مجرد مزايدات من شباب ضاق بهم الوقت وهي تقول عكس ما تصرح به. نحن مغاربة فهل تريدون منا أن نتحول الى انفصاليين حتى تهتموا بنا؟. قبل الختم بعد مغادرة الزاك والوصول الى مدينة اسا، وجدنا السلطات المحلية في حالة استنفار من اجل التحقق من هويتي، في الوقت الذي كانت هواتف الدرك ومختلف الاجهزة تطارد مرافقي ،طالبة معلومات عن هويتي وسبب الزيارة والاهداف وغيرها. وأنا أعتبر نفسي في الزاك لم أغادر المغرب حتى أملأ استمارة الدخول وبه وجب الإعلام.