لم تعد حقيبة وزارة الخارجية حكرا على الجهاز التنفيذي، أي المجال الذي ينيط به الدستور هذه المهمة. فالتحولات التي عرفتها المؤسسات، خاصة في ربع القرن الأخير، جعلت من البرلمان شريكا في الدبلوماسية، بل فاعلا أساسيا في الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للبلاد وملفاتها السياسية والاقتصادية، إذ لم يعد دوره يقتصر فقط على إنتاج النصوص القانونية ومساءلة الحكومة. اليوم أصبح مصطلح «الدبلوماسية البرلمانية» ركنا من أركان العلاقات الخارجية، بل إن العديد من الدول أناطت بمؤسساتها التشريعية اختصاص رسم هذه العلاقات وشددت من مراقبتها للجهاز التنفيذي في أدائه. من أبرز مطالب الإصلاحات السياسية والدستورية التي تتقدم بها الأحزاب الديمقراطية في عدد من البلدان، ومنها المغرب، أن تتوسع صلاحيات المؤسسة البرلمانية خاصة في تعيين الموظفين السامين ومن بينهم السفراء والقناصل ومحاسبتهم على مردوديتهم. فهذه البنية الدبلوماسية تعد حجر الزاوية في تمثيل الدول خارجيا، ومن ثم يكون شرطا الكفاءة والفعالية معيارين أساسيين في التعيين بدل العلاقات الزبونية والعائلية والمصالح الشخصية. مغربيا، يتجه البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، في اتجاه تعزيز دوره الدبلوماسي وإن كان ذلك يتطلب شروطا وإمكانيات سياسية وبشرية، فهناك عدة واجهات لهذا الدور نذكر منها: - مجموعات الصداقة التي يتم تشكيلها في كل ولاية تشريعية، وتعد هذه المجموعات بمثابة سفراء لنسج علاقات مع نظيراتها وشرح الأوضاع وتحليل التطورات، والدفاع عن القضايا الوطنية وأبرزها الوحدة الترابية وما يحاك ضدها من مناورات . وتوجد اليوم بمجلس النواب 120 مجموعة صداقة موزعة كالتالي: 18 مجموعة مع العالم العربي، 26 مع الدول الافريقية، 38 مع الدول الاوروبية، 20 مع الدول الاسيوية، 18 مع الدول الامريكية. - المشاركة في المنظمات البرلمانية المتعددة والاطراف، وهذا المجال يعد من أبرز المناسبات التي تثار فيها القضايا المحلية والإقليمية والدولية. ويعمل خصوم وحدتنا الترابية على الترويج لأطروحاتهم داخل العديد من هذه المنظمات. والمغرب عضو اليوم بالاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد البرلماني الأفريقي والجمعية البرلمانية الفرنكفونية والجمعية البرلمانية الأورومتوسطية والاتحاد البرلماني العربي ومجلس الشورى المغاربي ورؤساء برلمانات الدول الأعضاء في الحوار5+5 ... وغيرها. - الزيارات التي تقوم بها وفود برلمانية إلى بلادنا ، والتي يقوم بها أعضاء المجلسين إلى الخارج. مثلا منذ دورة أكتوبر الماضية حل بالمغرب أكثر من 40 وفدا برلمانيا أجنبيا أجروا اتصالات مع نظرائهم المغاربة حول القضايا الوطنية والإقليمية والدولية . هناك أربعة مستلزمات لنجاعة هذه الدبلوماسية تتمثل أساسا في : مصداقية المؤسسة التشريعية ،أي انبثاقها عن انتخابات ديمقراطية ونزيهة، والوزن السياسي للأحزاب الممثلة بالبرلمان وعمقها التاريخي وكفاءة عنصرها البشري وعلاقاتها الدولية. وثانيا عدم وجود عوائق دستورية وسياسية تحد من تحركها ، أو تجعل منها مجرد هيكل شكلي لتأثيث خطاب سياسي لنظام يمركز السلطات والاختصاصات في مؤسسة واحدة . وثالثا إتاحة كامل المعطيات المرتبطة بالسياسة الخارجية أمام البرلمان ولجنة شؤونه الخارجية دون مناطق ظل أو أحواض لا يجب وضع القدم فيها . ورابعا أن «تختار الأحزاب النخب للعمل البرلماني ترشيحا ومسؤوليات» وأقتبس هذه الجملة من حوار الجريدة مع رئيس الفريق الاشتراكي أحمد الزايدي : «إذ لم يعد من المقبول ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يلج المؤسسات التمثيلية من لايتوفر على حد أدنى من المعرفة (...) في وقت أن النائب يجب أن يكون بمثابة مؤسسة داعمة للمعرفة وللتطور والتأطير». إن قوة المؤسسة المنتخبة اليوم أصبحت رئيسية في العلاقات الدولية ، وأي إضعاف أو تهميش لها لن ينجم عنه ليس فقط هيمنة سلطة التعيين أو «نخبة» المقربين من دائرة القرار ، بل المخاطرة بالقضايا المصيرية للدولة والمجازفة بملفاتها الاستراتيجية، إقليميا ودوليا .