أجمع مشاركون خلال ندوة أقيمت بالرباط على أن التشنجات التي عرفتها قضيتنا الوطنية مؤخرا أبانت عن غياب تام للدبلوماسية الموازية، التي أصبحت تقوم بدور فعال في إدارة مختلف القضايا على مستوى السياسة الخارجية للبلدان المتقدمة، مشيرين إلى أن قضية أمينتو حيدر أكدت على ضرورة دعم المؤسسات الرسمية بمؤسسات موازية وتأسيس مجلس وطني يضم خبراء وباحثين لإنتاج أفكار واقتراحات حول السياسة الخارجية. وفي معرض مداخلته خلال اللقاء الذي أقيم مساء أول أمس الخميس في موضوع «تنمية الإدارة الدبلوماسية، رهان استراتيجي»، ذكر الدبلوماسي السابق وأستاذ العلاقات الدولية، عبد الوهاب المعلمي، بنظريات التعاطي مع السياسة الخارجية التي ميزت بين ما أسماه المجال المحفوظ والمجال المقتسم أو المشترك، إذ في الوقت الذي كان المثاليون يدعون إلى أن تكون السياسة الخارجية مجالا محفوظا للسلطة التنفيذية، طالب الواقعيون بضرورة إشراك المؤسسة البرلمانية في السياسة الخارجية وتقاسم الأدوار معها من طرف الهيئات التنظيمية، مشيرا إلى أن التجربة المغربية اقتبست «المجال المحفوظ» من نظيرتها الفرنسية منذ وفاة محمد الخامس إلى غاية سنة 1982، عندما تم الانفتاح على البرلمان في قضية الصحراء، بعدما ظلت السياسة الخارجية بسببها تعتبر «حرمة» مقتصرة على القصر، لتتطور الأمور في عهد حكومة التناوب، يقول المتدخل، قبل أن يتم التراجع عن ذلك في وقت لاحق ويتم تهميش كل من الجهازين التنفيذي والتشريعي في السياسة الخارجية، رغم تنصيص الدستور على تقاسم الأدوار في مجال السياسة الخارجية، داعيا إلى الخروج من نظرية المجال المحفوظ وتشجيع الدبلوماسية الموازية. وفي مداخلته حول محور دور الإعلام في الدبلوماسية الموازية، في الندوة التي نظمها المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أشار الإعلامي إدريس العيساوي إلى ما وصفه ب«حالة المخاض» التي تسيطر على العلاقة بين الإعلام والدولة، وهي علاقة غير طبيعية. فكيف لهذا القطاع أن يهتم بالدبلوماسية الموازية، يتساءل المتحدث، قبل أن يدعو إلى ضرورة وجود استقرار على كافة المستويات الثقافية والاقتصادية والإعلامية، حتى لا تبقى الأطراف الأخرى غير الرسمية، ومنها الإعلام، في موقف المتوجس من الانخراط في الدبلوماسية الموازية، وهو ما أبانت عنه بعض التجارب في قضية أميناتو حيدر حين ذهب البعض إلى التشكيك في مرامي من تطرق إلى الموضوع. ودعا عبد الفتاح بلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إلى ضرورة هيكلة وزارة الخارجية وإنشاء قسم مهتم بالدبلوماسية الموازية، بالنظر إلى تصاعد دور هذه الدبلوماسية على مستوى السياسة الخارجية للدول المتقدمة، معتبرا أن مجال الدبلوماسية الموازية ليس «فوضى» بل بات قطاعا يثير اهتمام الدول، وهو ما يقتضي إنشاء مجلس وطني يضم كل الفعاليات الاقتصادية والإعلامية والثقافية وغيرها، يقوم بدور إنتاج الأفكار، مشيرا إلى أن التشنجات التي عرفتها قضيتنا الوطنية مؤخرا تجعلنا في حاجة أكثر إلى تجاوز منطق الامتيازات الذي طغى على القضية الوطنية منذ سبعينيات القرن الماضي، وإلى مأسسة الدبلوماسية الموازية، مضيفا أن عدم تفعيل الدبلوماسية الموازية يجعلنا بالمغرب لا نطالب بعدد من الحقوق التي تهمنا ومن ذلك مثلا وضعية المغاربة المحتجزين بتندوف وإحصاؤهم، داعيا الحكومة إلى التلويح بتوقيف المفاوضات مع الطرف الآخر لحث منظمة غوث اللاجئين على الاستجابة لمطالب المغرب. وأشار الباحث ورئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، سمير بودينار، إلى دور مراكز الأبحاث في الدبلوماسية، مضيفا أن أبرز ما يهدد قضيتنا الوطنية الأولى على المستوى الخارجي هو البيروقراطية وحالة السكون وغياب رؤية واضحة، وهو ما يحصر الدبلوماسية في المؤسسات الرسمية، في الوقت الذي برزت دبلوماسية أخرى كما هو بالنسبة مثلا للولايات المتحدة حيث ظهرت «القوة الناعمة» و«الدبلوماسية التناغمية»، التي يمثلها أشخاص من مجالات الاقتصاد والمال والإعلام والثقافة، داعيا إلى إنشاء مؤسسات تنتج الأفكار تكون لها روح المعرفة وأدوات الخبرة، يخلص المتدخل. وفي مداخلته حول دور الوسائط الرقمية في الدبلوماسية، أشار محمد الغيث ماء العينين إلى ضرورة استغلال الثورة الرقمية في مجال الدفاع عن القضية الوطنية لما لوسائط الاتصال من أهمية جعلت رئيس أكبر دولة في العالم، باراك أوباما، يقوم بتسجيل شريط مصور ويبثه عبر موقع يوتوب المشهور مخاطبا الشعب الإيراني، وهو ما كان له صدى قويا بعكس ما هو حاصل في المغرب حيث بعد تفجر قضية أمينتو حيدر أنشئت مدونات وصفحات عدة منددة بالحادث، إلا أنه بعد عودة الأخيرة إلى أرض الوطن أصيب رواد الأنترنيت بخيبة خاصة في ظل غياب أي مخاطب رسمي يشرح لهم الموقف.