بينما يحرص المغرب والمغاربة على توطيد علاقات التعاون وحسن الجوار مع الجارة الشمالية إسبانيا تتوالى الأحداث لتؤكد أن هذا البلد الإيبيري تحرص كل الحرص على استغلال كل الفرص المتاحة لإضعاف المغرب والإبقاء عليه في موقع لا يسمح له بالتفاوض من موقع يؤمن له الاستفادة من كل مستحقاته، فإسبانيا التي كانت بالأمس القريب مستعمراً سياسياً لمساحات هامة من شمال المغرب وجنوبه، تعاملت مع المغرب المستقل بمنطق ابتزازي يتخذ من ملف الوحدة الترابية ورقة ضغط قوية، ومنطق الابتزاز ظهر جلياً أثناء تفاوض المغرب مع الاتحاد الأوربي على ملف الصيد البحري ثم على ملف مبادلات الإنتاج الفلاحي، وإذا كانت الديبلوماسية المغربية قد نجحت في تحويل الأراضي المسترجعة إلى مناطق يسودها الأمن والاستقرار وتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن إسبانيا نجحت في تحويل الشراكة المغربية الإسبانية إلى دعامة لمواجهة مختلف المشاكل الإسبانية الداخلية. إن إسبانيا التي تستقبل سنوياً حوالي 30 مليون سائح تجد نفسها في أمس الحاجة إلى حماية هذا القطاع الشديد التأثر بالتقلبات الاقتصادية والمالية العالمية، بتوفير التنوع والجودة في كافة الخدمات، بما في ذلك التغذية، وحتى يتأتى لها الحفاظ على سمعتها في الميدان السياحي، فإنها تتخذ من المغرب مصدراً لتزويدها باليد العاملة في القطاع الفلاحي وبحاجياتها من الأسماك والخضر والفواكه، أما بالنسبة للمواد التي تنتجها محلياً بكميات وافرة فإنها لا تتردد في استعمال كل الأوراق المتاحة لفرض التنافسية غير المتكافئة مع الإنتاج المغربي، وهذا التوجه يبلغ ذروته في أسواق الاتحاد الأوربي. لقد ساهم سوء تدبير الحكومة المغربية لبعض القطاعات الخدماتية الحيوية، وخاصة منها النقل البحري والبري، في فرض الهيمنة الإسبانية داخل التراب المغربي، فرغم أن المغاربة المقيمين بباقي البلدان الأوربية هم الذين يستحوذون على حصة الأسد من مجموع العابرين لمضيق جبل طارق، فإن إسبانيا لا تقف فقط عند حدود إقرار أسعار مدعمة في الرحلات البحرية التي تربط بين شبه الجزيرة الإيبرية وبين المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية، بدعوى أن الأمر يتعلق بنقل داخلي، فإن الأسطول المغربي العامل في قطاع النقل الطرقي للبضائع لا يغطي إلا أقل من 5% من مجموع الرحلات السنوية للنقل الدولي، بينما الأسطول الإسباني يمارس في المغرب بكل حرية ويجني من وراء ذلك أرباحا طائلة على حساب المهنيين المغاربة وعلى حساب مناصب الشغل التي يتيحها تطوير قطاع النقل الطرقي لبضائع والمسافرين. ما تجنيه إسبانيا من أرباح في المغرب يتجاوز في الواقع بكثير ما هو مصرح به رسمياً، ومع ذلك، فإن إحصائيات مكتب الصرف المسجلة عند متم شهر شتنبر 2010 تفيد بأن قيمة واردات المغرب من إسبانيا ارتفعت إلى حوالي 26 مليار درهم، وبالمقابل سجلت الصادرات المغربية خلال نفس الفترة تراجعاً إلى حوالي 18 مليار درهم، وبذلك يكون العجز التجاري مع ثاني ممون ومستورد من المغرب، بعد فرنسا، قد بلغ أزيد من 8 مليارات درهم، ويكون معدل تغطية الصادرات للواردات قد انحصر في 68,4%. لقد تجلى حرص المغرب على تقوية علاقات التعاون مع إسبانيا بشكل خاص في تفويت أراضي خصبة صالحة للزراعات التصديرية، رغم أن من الفلاحين المغاربة الأكفاء من حرم من هذا الامتياز. وعلى عكس التوجه الإسباني، فإن المغرب لم يعمل على استغلال الظروف العصيبة التي واجهت إسبانيا بفعل الأزمة المالية العالمية، وظل باستمرار يراهن على تقوية التعاون الثنائي، ولكن المغاربة المقيمون بإسبانيا كانوا أول من أدى ثمن الأزمة، إذ تم حرمانهم من مناصب الشغل وصاروا عرضة للترحيل من إسبانيا، ورغم أن السياح المغاربة ينفقون في إسبانيا أضعاف ما ينفقه السياح الإسبان في المغرب، فإن قرار الاتحاد الأوربي القاضي برفع كلفة الفيزا إلى 660 درهما، أي بما يقارب ضعف كلفة الحصول على جواز السفر المغربي، شجع القنصليات الإسبانية على حصر مدة صلاحية الفيزا في بضعة أيام وعلى تسخير هذه الخدمة في تحصيل مداخيل قد تزيد بكثير عن مجموع نفقات السلك الديبلوماسي الإسباني في المغرب. من المحقق أن إسبانيا هي المستفيد الأكبر من التعاون الثنائي، وقد آن الأوان لكي تفهم كل الأطراف الإسبانية بأن منطق الابتزاز، المدعم بإصرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على إبقاء الحدود البرّية مع المغرب مغلقة، يمكنه أن يضر بالمصالح الحيوية للمغرب، ولكن هذا الضرر، في حالة وقوعه، ستكون له انعكاسات وخيمة على إسبانيا. فانتماء إسبانيا لمجموعة الاتحاد الأوربي لا يعفيها من التعرض لنفس المخاطر التي كادت تعرض اليونان للإفلاس، ومن كان بيته من زجاج لا يرشق بيوت الجيران بالحجارة.