حرب « المحمادين» والميزانيتين» كانت دورة أكتوبر 2010 للمجلس البلدي للصويرة وفية لقاعدة الرداءة والفرجة والبؤس السياسي ، وكرست من جديد واقع الاختلال الذي تعيشه الجماعة الحضرية للصويرة قبل ومنذ وصول أغلبية الفراع إلى التسيير شهر يونيو 2009 . لكنها كانت في المقابل وفية لانتظارات الملاحظين ومعهم ساكنة المدينة التي كانت تترقب ما ستتمخض عنه الحرب الشرسة التي اندلعت بين « المحمادين» والتي سيكون من تعبيراتها طريقة تصريف الموقف من جدول أعمال دورة أكتوبر وعلى رأسه نقطة مشروع ميزانية 2011 . خلال الجلسة الأولى، عرف سكان مدينة الصويرة من يسير من، ومن يملك القدرة على فرض إرادته على الآخر وبسط سطوته على أغلبية الفراع التي اتهمها هذا الأخير، بالصوت والصورة، بالنفاق . لكن الرجل القوي داخل بلدية الصويرة اختار أن تكون نقطة مشروع الميزانية ميدان نزاله الحاسم مع محماد الفراع الذي وجد نفسه وحيدا في مواجهة أغلبيته يدافع عن مشروع ميزانية ادعى أنها أعدت بشكل جماعي واتهمه أعضاء المكتب بإعدادها بشكل منفرد، في مواجهة مشروع ميزانية أعدته أغلبيته واستماتت في الدفاع عنه. هكذا تحولت حرب «المحمادين» إلى حرب ميزانيتين كانت تعبيرا صارخا عن واقع تجاذب السلطات والصلاحيات بين الرئيس وبين صانع أغلبيته وضامنها. في خضم هذه المواجهة وصل النقاش إلى الحضيض، كشفت أغلبية الفراع عن عورتها، وأصيبت بحمى الحقيقة لتفضح المستور بالصوت والصورة وتمنح بالتالي للمجلس الاعلي للحسابات،ووزارة العدل والوزارة الوصية قضية جاهزة تنتظر من يباشر التحقيق في شانها. فماذا بعد تصريح نائب للرئيس بأنه لن يسمح بعد الآن بأن يسرق احد باسمه؟ ويصنف رئيس لجنة أعضاء المجلس إلى فئة تبحث عن مصالحها، أخرى تريد أن تعمل بصدق ولم تعطها الفرصة، ثم فئة أخيرة من «الهبارة» أي السراق أو «الشفارة» بكل بساطة. اتهامات صريحة من أعضاء مكتب المجلس البلدي الذي يسيره الفراع سنة فقط بعد بداية الولاية الجماعية الحالية. وبالتالي فقد شهد شهود من أهلها و «آن لأبي حنيفة أن يمد قدميه». ميزانية تجفيف منابع التحويل قدر لدورة أكتوبر أن لا تبدأ في جلستها الأولى،ليستمر الصخب حول نقطة الميزانية إلى أن تدخل الفريق الاستقلالي ليقترح تشكيل لجنة مختلطة يعهد إليها بإعداد ميزانية ثالثة يتم تدارسها خلال جلسة الاثنين الموالي. وبالفعل، التأمت اللجنة والمجلس ولكن في غياب الفراع، وصودق على مشروع معدل لميزانية 2011 كان هاجسه الأكبر تجفيف منابع التحويل أمام رئيس المجلس البلدي من خلال حذف سبعة ملايين درهم من ميزانية التسيير وإضافتها إلى ميزانية التجهيز تحت عنوان تهيئة الطرق والأرصفة بالحي الصناعي علما أن هذه الأشغال تدخل في إطار مشروع متكامل لإعادة تهيئة مدينة الصويرة تعكف عليه عمالة الصويرة. غير أن ابرز ما ميز ميزانية 2011 هو التقليص الكبير لميزانية دعم الجمعيات الرياضية، ففي مقابل المليون ومائتي ألف درهم التي كانت مقترحة في ميزانية الفراع الذي هو في الآن ذاته رئيس جمعية أمل الصويرة لكرة السلة التي استفادت لوحدها من قرابة مليون درهم خلال الموسم الفارط ، لم يتعدى مبلغ الدعم المرصود خلال الميزانية المصادق عليها مبلغ مائتي ألف درهم تحت شعار العقلنة والترشيد اعتبارا لمصادقة السلطات الوصية على تحويل لنفس الخانة بقيمة 360 ألف درهم إضافة إلى الدعم المرصود من طرف المجلس الإقليمي بقيمة 500 ألف درهم وبالتالي اعتبرت الأغلبية أن لا شيء يبرر النفخ في اعتماد الجمعيات الرياضية التي طالب الجميع بضرورة توزيعه بشكل عادل ومتوازن بين الجمعيات الرياضية. كما طال التقزيم كذلك الاعتماد المرصود لدعم الجمعيات الثقافية حيث نزل إلى 50 ألف درهما فقط علما أن الأغلبية الساحقة للجمعيات لم تعد تنتظر منه طائلا اعتبارا لتناسل جمعيات المستشارين المحترمين الذين تهافت الكثير منهم على خلق جمعيات في رمشة عين، وجدت الطريق سالكا إلى الاعتماد المرصود خلال الموسم الفارط . في انتظار مخطط التنمية اكبر عنوان على البؤس السياسي للمجلس البلدي الحالي الذي يرأسه محماد الفراع في غياب أي تصور أو استراتيجية لتدبير الشأن المحلي، هو الطريقة التي برمجت عليها نقطة المخطط الجماعي للتنمية والطريقة التي أريد بها تقديم أرضية للوزارة الوصية على أنها مشروع أو إطار نظري لمخطط تنمية المدينة، حسب شهادة مستشار جماعي. حتى الطريقة الغريبة التي قفز بها المجلس على هذه النقطة ذات الأهمية البالغة يبعث على الاستغراب ولكنها تنسجم في نهاية المطاف مع طبيعة المرحلة. المؤسف هو أن المخطط الجماعي للتنمية يستحق مساحة للنقاش والتداول اكبر من تلك التي خصصت لميزانية 2011 ، لأنه الإطار الاستراتيجي الذي يجدر به أن يحكم البرامج والمشاريع والميزانيات ببلدية الصويرة وفق أولويات وأهداف محددة تأسيسا على تشخيص تشاركي يذمج الجميع ويأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المدينة وإمكانياتها وأعطابها بعيدا عن المزاجية والطموحات الشخصية للمنتخبين ، وبعيدا كذلك عن أي شخصنة لمسألة تدبير المجلس الجماعي الذي آن له أن ينتقل من الشخصي إلى المؤسساتي المعقلن والمنضبط لمخطط متوافق عليه تتملكه جميع مكونات المدينة ، تدافع عنه وتشارك في تتبع تنفيذه وتقييم نتائجه. في مقابل توارد مجموعة أخبار عن مصادقة جماعات محلية على مخططاتها التنموية انسجاما مع مقتضيات الميثاق الجماعي، يصر المجلس البلدي للصويرة على تكريس قاعدة انعدام الرؤية والاقتصار على التدبير الآني الذي لازال يجر المدينة إلى القاع. مدينة للبيع في ظل المجلس البلدي الحالي، صار من الممكن أن تسمع نائبا للرئيس يتحدث بثقة عن اقتراح إجراء سمسرة عمومية لبيع ملك جماعي يختزن جزء من ذاكرة المدينة. والمناسبة كانت مناقشة النقطة المتعلقة بتخصيص فضاء قصر العدالة وقاعة كرة السلة لوزارة الثقافة قصد تحويلهما إلى فضاءات ثقافية. كان هنالك شبه إجماع على رفض هذه النقطة، لكن المقاربة والدوافع تفاوتت بين فريق وآخر، في الوقت الذي دافعت فيه المعارضة عن احتفاظ البلدية بالمرفقين في أفق تحويلهما إلى فضاءات ثقافية، كان هنالك من يدفع بفكرة الاحتفاظ بهما لأجل بيعهما وتنمية مداخيل المجلس بهدف إصلاح الطرق متناسيا بان هنالك مشروع متكامل لتأهيل المدينة بمبادرة من عمالة الصويرة وليس بلديتها، وبان الخاص والعام بمدينة الصويرة يعلم بان البعض تتحلب شفتاه على ملعب كرة السلة منذ فترة. بكل بساطة يتم الترويج لخطاب البيع والتفويت والسمسرة في مجلس منتخب من أولى مهامه تثمين الملك الجماعي وتنميته وليس هدره. ولكن وفي ظل المجلس البلدي الحالي صارت ساكنة المدينة تتوقع أي شيء. ففي مدينة الصويرة يمكنك أن تظفر بعقد كراء مدته خمس سنوات قابلة للتجديد لفيلا من مئات الأمتار في ملك الجماعة مقابل واجب شهري بئيس قيمته 200 درهم فقط لأنك كاتب عام سابق بعمالة الصويرة . والدليل عقد الكراء الغير قانوني الذي وقعه النائب الثاني للفراع لفائدة الكاتب العام السابق لعمالة الصويرة شهر مارس 2010 أي خلال فترة مزاولة هذا الأخير لمهامه واستفادته من السكن الوظيفي الذي تضعه العمالة رهن إشارة كتابها العامين. في مدينة الصويرة يمكن أن تتحول رخصة الاحتلال المؤقت لمساحة عمومية من 400 متر إلى عقد كراء مدته عشر سنوات قابلة للتجديد تلقائيا وتنتقل الحقوق المترتبة عنه إلى الورثة مقابل 600 درهم فقط لأنك تملك مطعما مكترى بدوره من المجلس البلدي بدون سمسمرة ولا هم يحزنون. هكذا يتم توقيع عقود كراء في عمقها عقود تفويت اعتبارا للتنصيص على تجددها بشكل تلقائي. وليس الأمر بجديد على المجلس البلدي الحالي الذي بدا يتسرب أرشيفه « السري» ومعه الكثير من الفظائع. ففي السنة الفائتة صادق بربطة المعلم على تفويت أراضي ومباني جماعية لفائدة مسؤولين نافذين وأشخاص ذاتيين مقابل ثمن 600 درهم للمتر المربع فقط في حي التلال الذي يعد من أغلى الأحياء السكنية علما أن آخر عملية تفويت وصلت قيمة المتر خلالها إلى الألف درهم. هكذا أصبحت المدينة عرضة للبيع شيئا فشيئا، وأصبح على المواطنين توقع أي شيء من مجلس جماعي آخر همومه تنمية ممتلكات الجماعة أو حفظها للأجيال المستقبلية. السؤال البديهي الذي نطرحه ومعنا العديد من المتتبعين لهذا العبث،ماذا سيبقى لمدينة الصويرة إذا وضع كل مسؤول مقبل على التقاعد، وما أكثرهم، يده على ملك جماعي؟