إن الأهمية التي أعطيت لمدينة سيدي سليمان ومحيطها كانت استثنائية في سياسة سلطة الحماية. لقد تحولت في زمن قياسي إلى مجال منتج وبمردودية كبرى، مجال جذاب بمقوماته الاقتصادية والطبيعية. ونظرا لهذه الأهمية، تولى مبكرا المهندس والمهيأ المعماري الفرنسي إيكوشار بنفسه إعداد مخطط للتهيئة لهذه المدينة، مخطط لا زالت تحتفظ به السلطات العمومية والفعاليات المحلية كذكرى بارزة في تاريخ المدينة نظرا لقيمته الهندسية والمعمارية. الأهم من كل هذا، أن التنفيذ المتوازن لهذا المخطط حول المدينة، بشهادة الفرنسيين والمغاربة، إلى مجال حضري بمقومات علمية (حياة حضرية بامتياز) وباقتصاد مجالي بمردودية كبيرة. لقد وصل حد الإعجاب بهذا الإنجاز إلى درجة تم نعت المدينة في أواخر زمن الحماية وبداية الاستقلال بباريس الصغيرة (petit Paris). لقد مكن مستوى التنظير في السياسة الحضرية والنجاعة في التنفيذ (التخطيط والتدبير الحضريين) إلى تحقيق ترابط وثيق بين وثيرة التمدين (Rythme d?urbanisation) ومستوى التطور الاقتصادي المجالي المحلي وخاصة الصناعي منه. لقد كانت أسس هذا التوازن في السياسة الحضرية مرتبطة أشد الارتباط بمعرفة وخبرة الفاعلين العموميين وبتوفر العقار الكافي في الملكية الخاصة للدولة ويتعلق الأمر بالرسم العقاري الكبير والمشهور رقم 16602 ويمتد من واد بهت غربا إلى محطة القطار الكبيرة والمحاذي للرسم العقاري رقم 16603 الذي بنيت على جزء منه المحكمة الابتدائية الجديدة. لقد شكل الرصيد العقاري الشاسع في ملك الدولة إلى جانب الملك الخاص وعاءا مكن سلطة الحماية والدولة المغربية ما بعد الاستقلال من انجاز العديد من الاستثمارات الأساسية في مجالي الخدمات الاجتماعية والاقتصادية (بناء المؤسسات التعليمية، دار الشباب، مكتب البريد، والمعامل في مختلف القطاعات الإنتاجية المرتبطة بالفلاحة، القباضة، إدارة الأشغال العمومية، المستشفى البلدي، الدرك الملكي، ملعب الكرة الحديدية، معمل السكر، محطتي القطار، المركز الصحي لمحاربة الملاريا، الكنيسة، دار الثقافة، مصلحة الاتصالات اللاسلكية، دار الأطفال، دار الفلاح، المعهد الفلاحي لحماية النباتات، ملعب حسنية سيدي سليمان لكرة القدم،....)، وحول محيطها إلى ضيعات وجنان الفواكه والخضروات والحوامض بمختلف أصنافه. لقد تحولت المدينة ومحيطها إلى مجال شديد الاخضرار نتيجة استفادة المنطقة من عملية تجفيف «المرجات» ومدها بتجهيزات السقي الكبير (Grande Hydraulique). كما تحولت عبارة «واد بهت» إلى رمز مجتمعي لوفرة مياهه ونقاوتها حيث أدمجت في تسمية بعض المرافق وبعض الجمعيات (مقهى واد بهت، حانة واد بهت، جمعية واد بهت ل...). واليوم، وبالتأمل في حصيلة التدخلات في المجال الحضري زمن المغرب المستقل وما آل إليه الوضع في المدينة ومحيطها لا يمكن للمرء إلا يتأسف ويتحصر. لقد أغلقت المنشآت الاقتصادية، وتفشت ظاهرة السكن غير اللائق، وزادت حدة رداءة الخدمات العمومية خصوصا الاجتماعية منها، ورداءة جودة التجزءات والتجهيزات المتعلقة بها نتيجة الاحتكار في مجال التعمير والهندسة المعمارية ومنطق تعامل السلطات الإدارية معه، وإفلاس الشركات الفلاحية المعروفة وعلى رأسها صوديا وسوجيطا،...إلخ. والشيء الخطير الذي تم تسجيله خلال هذه المدة يتجلى بالخصوص في سوء التدبير العقاري بالمدينة خاصة ما عرفه الوعاء العقاري السالف الذكر (رسم رقم 16602) من عشوائية في الاستغلال والاستعمال. لقد عرف هذا العقار عدد كبير من التفويتات لم تخدم في مجملها الاقتصاد المحلي ولا التنمية البشرية والاجتماعية، بل مكنت العمليات المتكررة لبيع أجزاء منه (من مستفيد لآخر) إلى إغناء مجموعة من الأشخاص أصبحوا يشكلون اليوم طبقة نافذة في المدينة، بل ويشكلون شبكات زبونية تأثر بقوة في المشهد السياسي المحلي. فما عرفه المجال العقاري من عمليات بيع زبونية توج بخلق منظومة قوية تشارك، بكل ما لديها من قوة من أجل تنمية امتيازاتها، في شراء الذمم وتفشي الفساد السياسي في المدينة إلى درجة أصبح من شبه المستحيلات، بدون تدخل قانوني صارم لسلطة الدولة لتصحيح الوضع المتأزم، التفكير في إنتاج نخب جديدة مترفعة عن الإغراءات الموجودة وغير خاضعة لها ومن تم إدماج الخبرة والمعرفة في الفعل العمومي. ونظرا لأهمية ضرورة الوقوف عن كتب على مختلف الملابسات المتعلقة بالتدبير العقاري بالمدينة من باب حب الوطن والتشبث بالأمل ولو كان ضعيفا لتثبيت وطنية حقة، ستعود الجريدة في مقال لاحق لتفصيل تطور مصير الرسم العقاري رقم 16602 (مختلف التسجيلات العقارية في ملف هذا العقار)، ارتباطا بمحتويات مخطط إكوشار للتهيئة الحضرية، وما شابه من عمليات تفويت و»ارتماء» بالباطل. وكيف ما كان الحال، يبقى من واجب السلطات الإقليمية والمحلية فتح بحث عقاري في هذا الموضوع على الأقل من أجل التعرف على الرصيد المتبقي منه وكشف عمليات «الارتماء» على قطع منه بدون سند قانوني، ومن تم إعادة تشكيل رصيد عقاري احتياطي عمومي كأساس للمخططات التنموية الآنية والمستقبلية.