احتضنت المكتبة الوطنية بالرباط ندوة علمية للاحتفاء بمرور مائة سنة على رحيل العلامة المجاهد الشيخ ماء العينين، وتناول الكلمة خلال الجلسة الافتتاحية عشية الجمعة عدة خطباء من المغرب، موريتانيا وفلسطين على أساس أن يتدخل آخرون من بلدان عربية أخرى ومن اسبانيا وأمريكا في يوم السبت. عباس الجراري، مستشار جلالة الملك، أعاد الحاضرين في كلمة الافتتاح إلى المرحلة التاريخية وللعهود التي عاشها الشيخ ماء العينين، مع خمسة من الملوك العلويين: عبد الرحمان بن هشام، محمد بن عبد الرحمان، الحسن الأول، مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ «لقد تزامن ميلاد الشيخ ماء العينين مع احتلال الجزائر في سنة 1830 وسيكون رحيله، بعد ثمانين سنة، عام 1910 قبل عامين من فرض الحماية على المغرب. لقد عاش الشيخ ماء العينين مراحل توالت فيها المناورات الاستعمارية لا على المغرب فحسب، بل كان المستهدف من العدوان الاستعماري، كل المغرب العربي وهذا ما تصدى له هذا الرجل العظيم، بالجهاد في ميدان القتال وفي ميدان العلم ونشر المعرفة حتى ترك لنا تراثا يعد بمئات الكتب التي ألفها الشيخ ماء العينين. كان رحمه الله يحمل راية الدفاع عن سيادة الوطن ضد الغزوات الاستعمارية ويخوض في نفس الوقت المعارك من أجل إثبات الوحدة الترابية للمملكة، والآن وبعد مرور قرن على رحيله، يمكن أن نقول بأن الشيخ ماء العينين كان سباقا في مهام توعية أجيال المغاربة بأهمية الوحدة الترابية للمملكة المغربية والتي كرس حياته من أجل إثباتها وهو يقود معارك نضالية وجهادية ضد الغزو الاستعماري في القرن التاسع وبداية القرن العشرين». فتح الله ولعلو عمدة العاصمة، شكر منتدى السمارة لحوار الحضارات، الذي أبى إلا أن يخلد الذكرى العطرة لرحيل العلامة القطب والمجاهد الفذ الشيخ ماء العينين بمدينة الرباط عاصمة المملكة ،وفي ذلك مصدر اعتزاز لمدينتنا ولسكانها. إن الاحتفاء بمرور مائة سنة على رحيل هذا العلامة المجاهد، يدل على أن الأمة المغربية ملكا وشعبا ساهرة على الحفاظ على الذاكرة المغربية حية نشطة تذكي الهمم في تجديد روح الاعتزاز بالوطن والدفاع عنه. إن الرسالة الخالدة التي جاهد من أجلها الشيخ ماء العينين والمتمثلة في الدفاع عن وحدة الأمة وكرامتها وسيادتها، لازالت قائمة إلى الآن ، وقد أبانت الأمة المغربية عن عزمها للمضي قدما في تشييد بنائها على صعيد كل الميادين الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهي إذ تسير باستمرار وإصرار في هذا المنحى إنما تود الوفاء لذاك العهد التليد الذي قاده روادنا الأفذاذ على غرار الشيخ ماء العينين الذي بفضل فكره المستنير وبصيرته الخارقة وإيمانه بالله، استطاع أن يدرك مبكرا خطورة الأطماع الاستعمارية، مما دفع به إلى تنشيط جبهة المقاومة التي كانت السباقة في السمارة والساقية الحمراء وواد الذهب في الدفاع عن حوزة الوطن.» لابد من التذكير هنا بالمؤتمر الذي التأم بمدينة السمارة سنة 1907 والذي شاركت فيه جميع قبائل الصحراء المغربية ووزع فيه الشيخ ماء العينين ظهائر السلطان المولى عبد العزيز ايذانا بالجهاد، كأول رد فعل على مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي يعتبر مدخلا لاستعمار البلاد وتقسيمها. هكذا انطلقت المجابهة الباسلة في وجه المد الاستعماري مقدمة أبهى صور البطولة والإيباء والشهامة، في نفس الوقت الذي برز فيه الشيخ ماء العينين كأحد الزعماء الأوائل الذين استعانوا بالفكر والثقافة بهدف تأطير المجتمع وخلق واحة عرفان ومعرفة في الصحراء المغربية بمدينة السمارة التي أصبحت قبلة لرواد المعرفة من داخل المغرب وخارجه، حيث أضحت المدينة مركزا ذا إشعاع للفكر بالمملكة المغربية في مستوى المدن التاريخية الأخرى للمملكة، اذ تخرج من السمارة علماء ومفكرون افذاذ اتجهوا إلى جميع ربوع المعمور وانتشرت أفكار الشيخ ماء العينين في المغرب كما في المشرق العربي وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، فخلدت المكتبات مؤلفاته التي تربو عن 400 كتاب، وعمت آراؤه الفقهية المعتدلة التي تنادى بالتسامح والعدل والمساواة والسلام، جميع ربوع المعمور، حيث أحيا كل ما هو ايجابي في الطرق وحدد معاداة الأجنبي في التصدي له إذا كان قادما للاحتلال وحمايته ومعاملته هي أحسن إذا كان يريد العيش بين ظهرانينا مسالما محترما لمواثيقنا ومقدساتنا وسيادتنا. إن تراث الشيخ ماء العينين الخالد هو ملك لجميع المغاربة، ومن خلالهم الإنسانية قاطبة، وبهذه الصفة نحن مدينون بالوفاء له في تعميم المعرفة ونشرها في وطننا الغالي كرافعة للتنمية المستدامة والتي لا محيد عنها في القرن الواحد والعشرين. وعلينا أن نكون في هذا المجال، دعاة سلام ومحبة وأن يكون بلدنا المغرب الحبيب نبراسا يحتدى به كما يريده المرحوم الشيخ ماء العينين منارة معرفة ونموذج سلام، وعلينا جميعا أن نسعى إلى بث القيم التي لطالما جاهد وناضل من أجلها الشيخ ماء العينين بهدف الرقي ببلدنا العزيز. حضرات السيدات والسادة: ونحن نجتمع في هذا الفضاء الثقافي الجميل بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، اسمحوا لي أن أشير إلى مؤلف للكاتب الفرنسي «جان ماري غوستاف لوكليزيو» الحاصل سنة 2008 على جائزة نوبل للآداب وهو صاحب نص أدبي حول الصحراء ينطلق من السمارة في رواية مرتبطة بالمجال الصحراوي والحضور الروحي للشيخ ماء العينين. هذا النص الأدبي الرائع يدل على مغربية الصحراء وأتمنى، بهذه المناسبة، أن يترجم وأن يوظف دوليا وهكذا بجانب التاريخ والجغرافيا يأتي الإبداع الأدبي يدل على عمق مغربية الصحراء في هذا الكتاب الذي يبرز العلاقة بين الشيخ ماء العينين والسمارة من جهة وباقي المغرب وخاصة مدينة مراكش من جهة أخرى.