نظم يوم الجمعة الماضية بالرباط وعلى مدى يومين، منتدى السمارة لحوار الحضارات، بشراكة مع وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، وبتعاون مع منظمة (الإيسيسكو)، والمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، والرابطة المحمدية للعلماء، ندوة لدولية لإبراز الدور التاريخي والحضاري والعلمي والديني للعلامة الشيخ ماء العينين في الدفاع عن الارتباط الوثيق بين شيوخ قبائل الصحراء والعرش العلوي وعن مغربية الصحراء. واستعرض المشاركون في هذه الندوة الدولية حول موضوع «الشيخ ماء العينين.. الرمز الشامخ في ترسيخ وحدة الأمة»، دور الشيخ ماء العينين كرجل علم ودين وجهاد في الدفاع عن سيادة ووحدة الوطن. وأكد المشاركون خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة، التي حضرها أعضاء من الحكومة وزعماء أحزاب سياسية وسفراء، أن الشيخ ماء العينين يعد من أعلام المغرب وأقطابه الماهدين وعلمائه الأجلاء، كان عالما عاملا ومقاوما شجاعا ومجاهدا ألمعيا وقطبا ربانيا كرس حياته لنشر ثقافة الحوار بين الحضارات والأديان، وتجديد الحياة الدينية والعلمية والروحية بالصحراء. وبهذه المناسبة، قال الأستاذ عباس الجراري، عضو أكاديمية المملكة المغربية، إن الشيخ ماء العينين من أبرز الشخصيات التي عرفها المغرب في تاريخه الحديث، مشيرا إلى تجند الراحل للجهاد الوطني المتمثل في العمل السياسي والمقاومة المسلحة والإيمان بالدفاع عن حوزة الوطن ضد ما يتهدده من عدوان وتحرشات. وأضاف الأستاذ الجراري أن الشيخ ماء العينين قاد حركة صوفية سنية سلوكية معتدلة ضد كل الانحرافات التي تعرضت لها الصوفية، وذلك من خلال إنشاء زوايا في الصحراء وفي شمال المغرب، مشيرا إلى أن إحياء الذكرى المائوية لرحيله تعد مناسبة لاستحضار شخصيته متعددة الجوانب، واستلهام القيم التي كان يدافع عنها وخاصة الدفاع عن حوزة الوطن. من جهته، قال فتح الله ولعلو، رئيس مجلس مدينة الرباط، إن الاحتفال بذكرى رحيل العلامة المجاهد الشيخ ماء العينين يدل على أن الأمة المغربية ساهرة على الحفاظ على ذاكرتها الوطنية، حاضرة تذكي روح الاعتزاز بالوطن والدفاع عنه. وأضاف ولعلو أن الرسالة الخالدة للراحل ما تزال قائمة إلى الآن في نفوس جميع المغاربة، ويتعين نشرها والتعريف بها، مشيرا إلى أن آراء الشيخ ماء العينين الفكرية المعتدلة التي تنادي بالتسامح والسلام عمت ربوع المغرب والعالم. من جانبه، أبرز أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء أن الشيخ ماء العينين كان يتحلى بخصال عديدة من بينها نسبه الكريم وشرفه التليد الذي يمتح من المعين النبوي الصافي، وتجسيده للعالم العضوي على اعتبار أنه لم يكن منفصلا عن هموم محيطه، وكذا مقارنته للعلم بالعمل. وأضاف العبادي أن الشيخ ماء العينين كان يحمل هما وحدويا بامتياز قبلي وجهوي ووطني وقاري، تشهد على ذلك رحلته الحجازية، مبرزا أن الراحل ذو كفايات نادرة في التأليف والتصنيف في مجال الطرح والنشر واكبها بمهارات البيان والتوضيح، فكان بذلك توحيديا حتى في التأليف. من ناحيته، أبرز مصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في كلمة تليت بالنيابة عنه، أن الشيخ ماء العينين، الرمز المشع، تعددت مناقبه ومآثره على كافة الأصعدة إعلاء للعقيدة الإسلامية ولراية الوطن والذي سجل أروع الصفحات في ملحمة الكفاح الوطني في مواجهة الأطماع الاستعمارية والتصدي للاحتلال الأجنبي في ملحمة بطولية تحريرية ووحدوية بين مكونات الشعب المغربي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بقيادة العرش العلوي المنيف دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية والذود عن المقومات الراسخة والهوية المغربية المتأصلة والمتجذرة. وذكر الكثيري بأن الشيخ ماء العينين كرس حياته للدفاع عن حوزة الأمة وسيادتها الوطنية بالتحام مع الملوك العلويين الأماجد، حيث كلفه السلطان مولاي عبد الرحمان سنة 1870 بتوطيد جسور التواصل مع القبائل الصحراوية، كما تولى الشيخ أمور الأقاليم الصحراوية بمقتضى ظهير صادرعن السلطان مولاي الحسن الأول، وجدد السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1896 ما كان بحوزة هذا المجاهد من ظهائر وفتح له زاوية بمراكش. وأبرز الكثيري أن استعراض روائع الكفاح البطولي الوطني والوحدوي للشيخ ماء العينين طافح بالدلالات العميقة والإشارات القوية والأبعاد الوحدوية للمقاومة وحركة التحرير وما اتسمت به من مظاهر الوحدة والتلاحم بين أبناء المغرب قاطبة في أقصى تخوم الصحراء إلى أقصى ربوع الشمال في انسجام تام وتواصل تفاعلي وتكاملي منقطع النظير لمواجهة الاحتلال الأجنبي، من جهته، أبرز عبد الإله بن عرفة، في كلمة باسم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) أن الشيخ المحتفى به رجل في أمة، فهو صاحب مدرسة إحسانية كان لها الفضل الكبير في توحيد القبائل الصحراوية ومواجهة المستعمر الأجنبي وإحياء الحياة الفكرية والدينية بالصحراء المغربية. وأضاف أن الشيخ ماء العينين كان قائدا محنكا وزعيما مهابا وعالما موقرا وشيخا ربانيا، مشيرا إلى أن دعوته الوحدوية بين الطرق الصوفية تجلت في شعاره الذي جعله عنوان لأحد منظوماته بقوله «إني مخاو لجميع الطرق»، وهو الأمر الذي جعل من دعوته للإخاء هذه بابا من أبواب توحيد قبائل المغرب في وجه المستعمر، لكونه كان يدرك دور التربية الروحية في استنهاض الهمم وشحذ القلوب وتزكية النفس. بدوره، قال الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، إن الراحل يعد أحد العلماء الذين ساهموا بعلمهم وجهادهم من أجل الحفاظ على سيادة الوطن ووحدته، كما أنه ساهم في إذكاء روح الحوار بين الحضارات والثقافات مما يدل على عمقه الفكري، معتبرا أن تكريم العلماء هو تنويه بالفكر والنهج وهو صورة للوفاء لمن قدموا خدمات جليلة لدينهم وبلدهم. واستعرض الشيخ محمد الحسن ولد الددو، رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، في مداخلته، المناقب العلمية والأخلاقية للشيخ ماء العينين وشخصيته السياسية الساعية إلى توحيد الأمة، معتبرا إياه من رموز توحيد الأمة المغربية في التصدي لأعدائها. من جانبه, قال الشيخ يوسف جمعة سلامة، النائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك، إن الشيخ ماء العينين حرص على جمع الشمل وتوحيد الكلمة وإزالة أسباب الفرقة والخصام، مشيرا إلى أنه إذا كان الشيخ ماء العينين قد رحل بجسده، فإن أعماله وآثاره بقيت جالية من خلال كتبه وتراثه والزوايا التي أنشأها. وأشاد الشيخ جمعة سلامة، بالمناسبة، بالدور الذي يضطلع به المغرب في المحافل الدولية من أجل الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وخاصة مسألة القدس الشريف، تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.