هناك سؤال يفرض نفسه على الفاعلين السياسيين حول نوع نمط الاقتراع الذي من شأنه أن يساعد على إنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي وهو سؤال بطبيعة الحال لا يروم الابتعاد عن ملامسة الشروط الحقيقية التي تساهم حقيقة في إنجاح تلك التجربة، ولكنه سؤال يسعى إلى تحديد مدى مساهمة أنماط الاقتراع في ذلك. قبل الإجابة، نحن في حاجة إلى تحديد بعض مواصفات الانتقال الديمقراطي، سواء على مستوى الآلية المركزية أو على مستوى الشروط، بالنسبة إلى الآلية المركزية، فكل انتقال ديمقراطي لا يمكن تأسيسه إلا عبر مباشرة الحوار بين مختلف الفرقاء السياسيين الذين كانوا معنيين بمسألة السلطة السياسية قبل الانخراط في تجربة الانتقال الديمقراطي. والحوار يكون هنا على مستويين: مستوى عمودي بحيث من الضروري أن يباشر الحوار بين السلطة السياسية من جهة والمعارضة السياسية من جهة أخرى ومستوى أفقي بحيث يكون لزاما أن ينشأ حوار بين الفرقاء السياسيين أنفسهم. إن الانتقال الديمقراطي يرتكز على شرطين أساسيين يتمثل الأول في وجود حد أدنى من التوافقات تساعد على إيجاد أرضية متوافق حولها في ما يتعلق بالثوابت، ومن هذه الزاوية، فهذه التوافقات تعبر عن نفسها من خلال التلاقي بين «معتدلي»السلطة السياسية و«معتدلي» المعارضة السياسية، ويتمثل الثاني في القيام بحد أدنى من الإصلاحات، سواء على الصعيد السياسي أو الحقوقي أو الاقتصادي أو الاجتماعي من خلال التقعيد لتلك الإصلاحات عبر إصدار مجموعة من القوانين المتوافق عليها، وهي قوانين قد تكون «معيبة». وتكون عرضة للانتقاد، غير أنها ليست قوانين نهائية، وإنما يتم التعاطي معها باعتبارها قوانين «انتقالية» تستجيب مرحليا لمتطلبات الانتقال الديمقراطي إننا هنا نريد أن نشير إلى كون مرحلة الانتقال الديمقراطي هي مرحلة وسطى بين مرحلة الانفراد باتخاذ القرار والمرحلة الديمقراطية، والخطأ كل الخطأ أن نتعامل مع مرحلة الانتقال الديمقراطي بمنطق المرحلة الديمقراطية. وعليه فإنه لا ينبغي أن نستحضر رهانات أنماط الاقتراع في المرحلة الديمقراطية لنسقطها على مرحلة الانتقال الديمقراطي، في المرحلة الديمقراطية تكون لأنماط الاقتراع رهانات واضحة، وهي رهانات مرتبطة بتكريس نوعية المنظومة الحزبية التي نريد اعتمادها، فإذا أردنا اعتماد منظومة الثنائية الحزبية، فإننا نلجأ الى تبني نمط الاقتراع الأحادي الإسمي في دورة واحدة أو تبني نمط الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورة واحدة، وإذا أردنا ترسيخ منظومة حزبية قائمة على القطبية، فلا يوجد أفضل من اعتماد نمط الاقتراع الأحادي الإسمي في دورتين أو نمط الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورتين، وإذا أردنا تكريس منظومة حزبية تعددية قائمة على استقلال الأحزاب، فإن نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على قاعدة أكبر البقايا، وبشكل أقل على قاعدة أقوى المعدلات هو الذي يؤمن ذلك. وهنا نتساءل : ماذا نريد من نمط الاقتراع الذي نطالب به في مرحلة الانتقال الديمقراطي؟ إن مرحلة الانتقال الديمقراطي في نظرنا على مستوى أنماط الاقتراع ليست في حاجة ملحة إلى عقلنة المنظومة الحزبية بقدر ما هي في حاجة إلى إصلاح التنظيمات الحزبية، إن مشكلتنا في المغرب حاليا لا تكمن في تضخم الأحزاب وإنما تكمن في ضعف المشاركة السياسية للمواطنين، وعليه، فإن رهاننا في مرحلة الانتقال الديمقراطي ليس هو البحث عن نمط للاقتراع يساهم في «عقلنة» المنظومة الحزبية وإنما البحث عن نمط للاقتراع يساعد على تقوية نسبة المشاركة السياسية. هنا نتساءل أيضا: ما هو نمط الاقتراع الأفضل الذي بإمكانه أن يؤمن بعض مستلزمات مرحلة الانتقال الديموقراطي؟، وقبل ذلك ما هي مستلزمات هذا الانتقال؟ يمكن الحديث عن مستلزمات مباشرة وأخرى غير مباشرة، ترتبط المستلزمات المباشرة بتوسيع نطاق التمثيلية السياسية، فمرحلة الانتقال الديمقراطي تستوجب إشراك كافة التعبيرات السياسية كما تستوجب تأمين التمثيلية السياسية للنساء. وأكيد أن نمط الاقتراع المناسب لتحقيق هذا المتطلب هو نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي. أما المستلزمات غير المباشرة فتتعلق بإشاعة النقاش السياسي العمومي، سواء بالعمل على تغيير الثقافة الانتخابية للناخب بدفعه إلى التركيز على البرنامج «الحزبي»عوض التركيز على «الشخص» أو بالعمل على فرز نخبة «برلمانية» قادرة على إعادة الروح للنقاش السياسي العمومي. وهنا أيضا، لا يوجد أفضل من نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي لتأمين هذا المتطلب إن ما نريد التذكير به ونحن نتحدث عن أنماط الاقتراع ومستلزمات الانتقال الديمقراطي هو ضرورة عدم التعامل مع مرحلة الانتقال الديمقراطي بمنطق المرحلة الديمقراطية أولا، وعدم الخلط بين رهانات أنماط الاقتراع في المرحلة الديمقراطية وهي غالبا ما تنصب على «المنظومة الحزبية» ورهانات أنماط الاقتراع في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تتغيا أساسا رفع نسبة المشاركة السياسية ثانيا، والتذكير بكون نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي هو الأقدر على تأمين بعض مستلزمات مرحلة الانتقال الديمقراطي بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ثالثا.