تم التوقيع، أخيرا، على اتفاقية شراكة وتعاون بين المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ووزارة الثقافة تهم مجالات «حفظ الذاكرة» والأرشيف والتأهيل الثقافي للمناطق المشمولة ب «جبر الضرر الجماعي». وتندرج هذه الاتفاقية في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في شقها المتعلق بجبر الضرر الجماعي المنفذ بأقاليم : فكيك، الراشيدية، ميدلت، زاكورة، ورزازات، تينغير، طانطان، أزيلال، الخميسات، الحسيمة، الناظور، خنيفرة، الحي المحمدي وعين السبع. وستعمل وزارة الثقافة المغربية، حسب بلاغ في الموضوع، بموجب هذه الاتفاقية، وفي حدود اختصاصاتها، على حفظ الذاكرة والتأهيل الثقافي للمناطق المشمولة بجبر الضرر الجماعي، خاصة عبر الإسهام في صيانة وحفظ الأرشيف الوطني من خلال عمليات الجرد والرقمنة والترميم وغيرها، ودعم الأنشطة الثقافية الإشعاعية المتعلقة بالتنوع الثقافي وحوار الحضارات، وتشجيع الإبداع المحلي والنهوض بثقافة حقوق الإنسان. وأشار البيان إلى أن الوزارة ستسعى إلى الإسهام في دعم الأنشطة الثقافية المرتبطة بالتنمية البشرية، ومتابعة إصدار المراسيم التطبيقية المرتبطة بقانون الأرشيف والإحداث الفعلي لمؤسسة أرشيف المغرب، وتكثيف الجهود المرتبطة بوضع استراتيجية وطنية لحفظ وصيانة الأرشيف. نبأ اعتزام تحويل السجون والمعتقلات السرية التي كانت تستخدم لتصفية المعارضين السياسيين إلى «مجالات لحفظ الذاكرة»، نبأ يستحق التوقف عنده لما لهذا التحويل، إن تم انجازه، من أهمية في التنشيط المستمر للذاكرة المغربية، لأحداث مريرة وعاصفة عايشها الإنسان والمثقف والسياسي المعارض، وما لهذا التنشيط من دور كبير في تحفيز الزائر لهذه المتاحف المستقبلية في ردع ثقافة صناعة العنف وانتهاك حقوق الإنسان كافة، وأولها حرية التعبير، مرة أخرى في أنفسنا أولا وذوات الآخرين. أي أن هذه المراكز الخاصة ب«حفظ الذاكرة» تصبح ضميرنا الثقافي المتجاوز لجدران المتاحف البيض بعد أن تطهرت من أنين وصراخ نزلائها القدامى خلف جدرانها السود سابقا، ضميرنا المتحرك تجاه تفعيل عملي لثقافة التسامح والتعايش مع مقاضاة عادلة لمن ارتكب فظائع بحق أية مجموعة من الناس الأبرياء أو المعارضين على ان لا تؤخذ بجريرته مجموعات بشرية كبيرة ممن تنتمي الى طيفه السياسي او الفكري أو الجغرافي، واذ ذاك نعيد سيناريو انتهاكات حقوق الإنسان ذاته، وعند ذاك يمكن القول إنه لم يحدث تغيير او لم ترسخ ثقافته. فكرة تحويل السجون والمعتقلات السرية إلى «مجالات لحفظ الذاكرة» هي استثمار ثقافي لأمكنة وأدوات وجلادي الاستبداد والإقصاء والقمع للدلالة على أن القبح الأسود آل إلى جمال لا بد سيضع الفنانون لمساتهم الإبداعية عليه، ومن دون ذلك يصبح المكان سجلا وثائقيا كبيرا لانتهاكات وعذابات الإنسان المغربي في حقبة حالكة من حقب المغرب الأسود، عدا ذلك هناك دلالة كبيرة تتمثل في نهوض تفاصيل جديدة تشير إلى أن تغييرا قد بدأ فعلا، تغيير يتمثل في عزوف العهد الجديد عن استخدام أمكنة وأدوات العهد الأسود في تعذيب وانتهاك الإنسان فيها مرة أخرى، بما يوحي لهذا المدان أن لا شيء تغير، لسبب بسيط أن سجون ومعتقلات «سنوات الجمر والرصاص» تفتقر لأبسط مستلزمات حقوق الإنسان. إذن تحويلها الى متاحف يخدم ثقافتنا الآن في أمرين: الأول: البون الدلالي الشاسع بين مفردتي السجن و«مجالات لحفظ الذاكرة». الثاني: انبثاق الحاجة الى بناء سجون إصلاحية وإنتاجية جديدة تعمل على تغيير المدان وتحويله الى عنصر بشري صالح ومنتج في المنتج.