تعرف بناية القناة الثانية هذه الأيام، «زوبعة» داخلية لا يتكهن أحد - في حال استمرارها - بمدى قوتها والدرجة التي يمكن أن تنتهي إليها .. هل ستتحول إلى «إعصار» يقلب الأوراق ويفرز معطيات جديدة؟ أم إلى رياح عابرة يكون تأثيرها محدودا في الزمان والمكان وتُبْقي، بالتالي، الوضع مثلما هو عليه الآن ؟ الأصداء الواردة من قناة عين السبع تقول إن موجات من السخط والتذمر الواسعين تسود أوساط العاملين بسبب العلاقات غير الواضحة التي أضحت تتحكم في دواليب أكثر القنوات الوطنية مشاهدة، والناتجة أساسا عن انقطاع حبل التواصل بين الجهة المسؤولة عن شؤون تسيير القناة والفاعلين فيها، من صحافيين وفنيين وتقنيين وإداريين.. ستكون من إفرازاته الآنية تنظيم وقفة احتجاجية في الفضاء الخارجي للبناية صباح يوم غد الثلاثاء، كشفت مصادر من دوزيم، عن أنها جاءت للتنديد بالغموض الذي يلف مستقبل القناة في ظل «الأنباء» المتناسلة حول قرب ولوجها عالم الخوصصة، مع ما يستتبع ذلك من تداعيات وتحولات قد تضرب في الصميم مكتسبات العاملين، بل، أكثر من ذلك، تضرب أحد المكاسب التلفزيونية للمواطن المغربي الذي شكلت لديه القناة الثانية متنفسا مشهديا، في وقت من الأوقات، إلى جانب قنوات ما أصبح يطلق عليه القطب العمومي. هذا الأخير - توضح المصادر نفسها - أنه مازالت تلفه الكثير من الضبابية في علاقته بالقناة الثانية، بالرغم من مرور خمس سنوات عن تشكيله كجهاز إعلامي مسؤول، استحدث للرقي بالفضاء السمعي - البصري الوطني وضبط مجالات اشتغاله، خصوصا ما يتعلق بالاستراتيجية والرؤية الاعلامية الواضحة في تقديم الخدمة التلفزيونية العمومية، التي كانت ومازالت «غائبة»، تضيف المصادر، كان من نتائجها أولا على مستوى القناة الثانية « إضعاف العروض الرياضية والسينمائية و الحوارية و برامج الطفولة ..» التي كانت تشكل علامات تميز لها في السنوات الفارطة، الأمر الذي كان له الأثر السلبي في تغيير هوية القناة وصورتها لدى المشاهد المغربي، وجعل مفهومي التنافسية والتكاملية المرجوين بين قنوات القطب العمومي، واللذين تم «التغني» بهما لمواجهة عروض الغزو التلفزيوني الفضائي الغني والمتنوع، يدخلان في خبر كان، هذا، بالاضافة إلى «انتفاء» أي رؤية محددة ومضبوطة لدى القطب بخصوص توزيع المهام بين القنوات وتنويع العرض التلفزيوني عبر إنشاء قنوات للأطفال وللأفلام الوثائقية و الثقافية الشاملة.. وثانيا تضيف المصادر يتعلق بالوضعية المهنية لدى المهنيين بالقناة التي أضحت تُطبَع بعدم الاستقرار، الشيء الذي أثر بشكل سلبي على المردودية، حيث أن الكثير من انتظارات ومطالب الفاعلين تجابه ب«الصمت والتسويف»، منها على سبيل المثال أن الكثير من مشاريع البرامج التلفزيونية الداخلية يتم اقتراحها على الادارة لأجل البت فيها توضع في الرفوف إلى أجل غير مسمى، أو «يحكم» عليها بوقف التنفيذ، علما بأن مجال الإنتاج - تقول المصادر - أصبح مفتوحا، وعلى مصراعيه لشركات الإنتاج الخارجية للقيام بتنفيذ الانتاج الذي يعتبره فاعلون في دوزيم معطى صحيا، شريطة أن تَطْبَع العملية النزاهة الشفافية والوضوح، لأن الأموال التي تقوم عليها الإنتاجات التلفزيونية هي أموال عامة ينبغي أن تذهب في الاتجاه الصحيح، وفي ما ينبغي أن يفيد المشاهد المغربي، وفي ما ينص عليه عقد البرنامج بين الدولة والقناة، والذي ضخ في صندوق هذه الأخيرة 250 مليون درهم كميزانية تسيير لأربع سنوات (2009 - 2012)، وهي ميزانية تبقى جد ضئيلة بالمقارنة مع الاحتياجات السنوية لدوزيم والمحددة في 750 مليون درهم يتم تحصيل معظمها من المداخيل الاشهارية، حيث تشكل لوحدها حوالي 94 في المئة من الميزانية العامة السنوية، الأمر الذي يكون له تأثيره الواضح في توجهات خريطة البرامج والبرمجة حسب متطلبات المستشهرين. والعنصر الثالث، تضيف المصادر أيضا، يتعلق بالتعاطي غير الجاد لإدارة القناة مع المطالب الاجتماعية لمعظم العاملين، خاصة في ما يهم «سياسة» تجميد الأجور التي تبنتها منذ ثلاث سنوات، مما انعكس سلبا على الوضعية الاجتماعية والمهنية بالإضافة إلى انتهاج أسلوب المغادرة الطوعية الذي يعتبره العديد من المهنيين أسلوبا غير ناجع للتخفيف من الأعباء المالية، باعتبار أن القناة مازالت مؤسسة شابة ( 20 سنة)، و اعتماد المغادرة في هذا الظرف الحساس بمثابة هدر للطاقات والكفاءات التي راكمت من الخبرة والتجربة ما يسمح بتوظيفها في خدمة القطاع السمعي البصري الوطني الذي تجابهه الكثير من التحديات.