الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    الكاف يعاقب مولودية الجزائر على خلفية أحداث مباراته ضد المنستيري التونسي        توقعات أحوال الطقس لليوم الاثنين    اطلاق الحملة الوطنية التحسيسية لوقف العنف ضد النساء والفتيات    مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة في تسوية الأزمة الليبية    محام صنصال: الجزائر تنتهك الحريات    انطلاق حظر في المالديف يمنع دخول السجائر الإلكترونية مع السياح    بسبب ضوضاء الأطفال .. مسنة بيضاء تقتل جارتها السوداء في فلوريدا    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهوية : تجارب رؤى
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 10 - 2010

هذه السلسلة من المقالات المترجمة، تروم ، بما تحتوي عليه من مادة علمية، إخبارية وبيبليوغرافية ، حول موضوع الجهوية عموما، توفير مادة من أجل تغذية النقاش، الذي تشهده بلادنا، منذ الإعلان عن فتح ورش الجهوية المتقدمة بالبلاد، والذي سيتواصل بكل تأكيد في القادم من الأيام ، بالنظر إلى الدعوة الملكية الأخيرة إلى ضرورة إنضاج التصور التي ستقدمه اللجنة الاستشارية للجهوية ،» من خلال نقاش وطني واسع وبناء، وبالتعبئة الهادفة إلى تبنيه الجماعي، والانخراط القوي لإنجاحه.»
وانطلاقا من أن التجربة الجهوية عموما، كما يقدمها أي باحث، لا تعكس الواقع في كليته، بل هي مجرد انتقاء، واختزال للواقع في بعد من أبعاده، وهي تعكس رؤية من بين رؤى ممكنة حول هذا الواقع، أثرنا أن يكون عنوان هذه السلسلة من المقالات المترجمة ، كما يلي : «الجهوية : تجارب ورؤى».مع التأكيد على أن الاستفادة من التجارب الدولية الأخرى، في مجال الجهوية، لا تكون
من خلال التعرف على التجارب الناجحة فحسب ، بل والتجارب الفاشلة أيضا...
والخلاصة الأساسية التي يمكن أن نستشفها من هذه التجارب الدولية المختلفة حول الجهوية، هي انه ليس هناك نموذج كوني للجهوية، قابل للتعميم على جميع دول العالم.فليس هناك سوى تجارب محلية، تعكس خصوصية كل بلد، على جميع المستويات: التاريخية، السياسية، الثقافية، الاقتصادية والطبيعية.لهذا ليس عيبا البحث عن نموذج للجهوية المتقدمة مغربي-مغربي، يعكس واقع بلادنا وخصوصيتها، فالعيب ، كل العيب أن يغيب التشاور والتوافق حول النموذج الجهوي الذي نريده لمغرب الألفية الثالثة.
وفي الأخير ، ينبغي التنبيه إلى أن مناقشة المقترحات الخاصة بالجهوية، المقدمة من هذا الطرف أو ذاك- بما في ذلك المقترح المقدم من اللجنة الاستشارية للجهوية - بل و الاعتراض عليها ورفضها، لا يعني رفض مبدأ اعتماد الجهوية نفسه.فرفض تصور معين للجهوية ليس رفضا للجهوية ذاتها.
النقاشات الدستورية حول الجهوية في سلوفينيا1
بقلم : فرانك غراد
أقيم الحكم المحلي في سلوفينيا، في منتصف القرن التاسع عشر، في الوقت الذي كان ترابها يخضع للملكية المجرية-الهنغاريةaustro-hongroise .وعندما أصبحت سلوفينيا ، بعد الحرب العالمية الأولى ، عضوا في يوغوسلافيا، تشكل الحكم المحلي على أساس التشريع اليوغسلافي.وطوال هذه الفترة، تشكلت البلاد فقط من بلديات. وكانت تتضمن كذلك مجالات ترابية كبيرة، لكن هذه المجالات تمتلك طابعا إداريا.ومع ذلك ، كان الحكم المحلي في سلوفينيا يختلف قليلا عن أشكال الحكم المحلي في البلدان الأوربية الأخرى.وتغيرت الوضعية جذريا انطلاقا من الحرب العالمية الثانية، عندما صارت يوغوسلافيا بلدا اشتراكيا. فقد بدأ الحكم المحلي يتطور بشكل مختلف جدا، وفقا للنموذج السوفياتي في المرحلة الأولى، ثم وفقا لنموذجه الخاص وعلى أساسا تصور فريد للنظام الجماعي، في مرحلة لاحقة.
ووفقا لهذا التصور، كانت البلدية نوعا من الدولة المصغرة إداريا واقتصاديا ، والمستقلة عن الدولة الأم-ولو أنه على المستوى العملي، لا الدولة ولا البلديات مسيران من طرف حزب سياسي واحد.وهكذا فالبلدية لا تقوم بوظائف محلية فقط ، وإنما كذلك بالكثير من وظائف الدولة.وقبيل نهاية الحكم الاشتراكي اليوغوسلافي،أصبحت البلديات ، في الواقع، تتمتع باستقلالية تامة . وقد تمخض عن هذا التصور إحداث بلديات كبيرة (بحوالي 40 ألف نسمة كمعدل) مقارنة مع البلديات في البلدان الأوربية الأخرى.وقد تعرض النظام للنقد، لأنه لم يسمح بوجود حكم محلي حقيقي بسبب البلديات الكبيرة ، والبلديات الصغيرة جدا أيضا لأنها لا تشكل جماعات محلية فعلية .
إن وجهة النظر النقدية المشار إليها أعلاه، كانت وراء مقاربة جد مختلفة لمشكل نظام الحكم المحلي في الدستور السلوفيني.ذلك أن هذا الدستور ، الذي تمت المصادقة عليه في نهاية سنة 1991 كدستور لجمهورية مستقلة، أدخل نظاما جديدا تماما للحكم المحلي، جد مختلف عن النظام السابق ومماثل كثيرا لنماذج الحكم المحلي الأوربية.ومع ذلك، فالنظام الدستوري الحالي يتضمن كذلك بعض المميزات التي تجعل الحكم المحلي بالبلاد مختلفا عن النماذج الأوربية المماثلة له.ومن أهم هذه المميزات أن الدولة والبلديات مقسمين بطريقة جد دقيقة: فالبلديات لا تقوم سوى بمهام محلية والدولة لا يمكن أن تفوض وظائفها لبلدية بدون موافقة قبلية(الفصل 140 من الدستور).كما أن مسألة المستوى الثاني من الحكم المحلي، مقننة أيضا بشكل خاص .
وخلال النقاشات التي صاحبت صياغة الدستور، كان هناك خلاف عميق بين المدافعين عن الجهات والرافضين لها .فقد كان البعض مع إنشاء جهات ، لأن سلوفينيا، ولو أنها دولة صغيرة، فهي متجانسة على نحو لافت للنظر، جغرافيا، تاريخيا ..الخ.أما خصوم الجهوية ، فقد كانوا مقتنعين بأن سلوفينيا كدولة مستقلة وحديثة الوجود، تستلزم حكما مركزيا قويا ، فكانوا يخشون هذا النزوع النابذcentrifuge .وفي النهاية، فوضع الجهات داخل الدستور شكل موضوع توافق سياسي سمح من حيث المبدأ بإنشاء جهات، لكن جعلها في الواقع مستحيلة.
ووفقا للدستور، يمارس الحكم المحلي من طرف البلديات وجماعات محلية أخرى.وإلى حدود الآن، تم إنشاء البلديات وحدها، بما أنه حسب الدستور (الفصل 43) خلق جماعات محلية واسعة مستقلة، ليس إجباريا وهي لا تحدث من طرف الدولة، وإنما باتفاق بين البلديات.وهكذا، فالمقتضيات الدستورية لا تتيح للمجلس الوطني إنشاء جهات في سلوفينيا، وهو ما يعني عمليا بأن أمر تشكيل الجهات، يخضع كليا للإرادة الطيبة للبلديات، التي لم تبد أي اهتمام للمسألة.
وسنوات بعد المصادقة على الدستور، تواصلت من جديد النقاشات حول إنشاء الجهات.فالقانون المتعلق بالحكم المحلي لسنة 1994 يحدد عموما مسؤوليات الأقاليم ، لكنها غير محدد بدقة سوى في القوانين التي تقنن المجالات المختلفة.والسبب هو انه لم تنشأ الجماعات المحلية الواسعة ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، وأن تأسيس هذه الجماعات المحلية المترامية الأطراف ( مثل الجهات) في القانون المتعلق بالحكم المحلي، غير مصادق عليه، وينبغي أن يراجع.وهذا ما شكل موضوع مشروع قانون حول الجهات، مهيأ منذ سنوات وتمت دراسته بشكل قبلي من طرف المجلس الوطني.تتمثل فكرة هذا القانون في تقنين الوضع، الصلاحيات، التمويل والتنظيم المؤسساتي للجهات، بالنسبة لكل الجهات المفترض إحداثها من قبل البلديات.وهكذا ، فكل الجهات، وإن أنشأت من طرف البلديات نفسها، سيكون لها نفس الوضع القانوني.
ومع ذلك، لم تتم المصادقة على القانون المتعلق بالجهات ، بسبب مشاكل ذات علاقة بالتصور ، مرتبطة بإنشاء الجهات، وراجعة لموقعها الدستوري ومنهج تشكلها.وفي الواقع، فلجنة الحكم المحلي داخل المجلس الوطني صرحت بأن إنشاء الجهات لا ينبغي أن يخضع لإرادة البلديات، وإنما يتعين أن يحتكم للقانون.
ويظهر هكذا بوضوح بأن المقتضيات الدستورية الخاصة بإنشاء الجهات، تجعلها ، في الواقع، مستحيلة وبأن التشريع لا يمكنه أن يجعلها ممكنة.ومن جهة أخرى، يظهر بجلاء أن هناك حاجة ماسة إلى إحداث جهات.وبالفعل، فعدد مهم من البلديات الحديثة ، التي تأسست خلال السنوات الأخيرة، هي بلا شك صغيرة وضعيفة جدا مقارنة مع سابقاتها.وقد أبرز هذا التطور بأن البلديات عاجزة لصغرها عن تحمل مسؤولية العديد من الوظائف المحلية المهمة.غير أنه، في نفس الوقت، انطلق مسلسل توسع أوربا في تجاه سلوفينيا ، وهذا ما منح حججا إضافية لأنصار الجهات.
وهكذا، ففي سنة 1999، قدم مقترح شكلي لتعديل الدستور من طرف فريق من البرلمانيين في المجلس الوطني.وقد اقترحوا إلغاء الفصل 143 من الدستور، وهذا ما جعل إحداث الجهات ممكن قانونيا.وبالفعل، فان الفصل 138 من الدستور ينص على أن «سكان سلوفينيا يمارسون الاستقلال المحلي من خلال البلديات وباقي الجماعات المحلية الأخرى».فكانت الفكرة تنص على أن إلغاء الفصل 143 ، يجعل من الممكن الإحداث القانوني للجهات، بدون موافقة بلديات المجال الترابي المعني.ولم يبد فريق من الخبراء كلف من طرف المجلس الوطني للتعليق على المقترح ، موافقته واقترح تغيير الفصل 143 بطريقة تسمح ضمنيا للمجلس الوطني بإنشاء الجهات.إلا أن مسطرة مراجعة الدستور توقفت بسبب غياب إرادة سياسية.
وطوال سنة 2000، تم إيداع عدة مشاريع قوانين لدى المجلس الوطني، بهدف إحداث بعض الجهات في سلوفينيا. لم تتم المصادقة عليها بسبب المقتضيات الدستورية الجارية.وقد أدى ذلك إلى مقترح جديد يستهدف مراجعة الدستور، مقدم من طرف الحكومة ، مع تعديلات أخرى تتعلق بملاءمة الدستور مع الدخول المرتقب لسلوفينيا إلى الاتحاد الأوربي، تشكيل الحكومة، تعيين قضاة وتغيرات أخرى أقل أهمية...
إن مقترح الحكومة أكثر شمولية وتعقيدا من مقترح فريق البرلمانيين.فقد اقترحت الحكومة تغيير مقتضيين دستوريين يتعلقان بالحكم المحلي.فهي تقترح أولا تغيير الفقرة الثانية من الفصل 140، بهدف السماح بتفويض مهام الدولة إلى الجماعات المحلية بدون موافقتها.والمقترح الثاني يستهدف التغيير التام للفصل 143 وفق الطريقة التالية:»الجهة هي جماعة محلية مستقلة، تحدث بموجب القانون بهدف تدبير الشؤون المحلية ذات الأهمية الكبيرة وبغاية تدبير الشؤون الخاصة ذات الأهمية جهويا، والمحدد بواسطة قانون.»
ويقوم هذا التصور على أساس أن الجهات ستحتل موقعا بين البلديات والدولة وستمارس ثلاث فئات من المهام، وهي تدبير الشؤون المحلية ذات الأهمية الكبرى، الشؤون ذات الأهمية الجهوية المحددة بواسطة قانون وجزءا من مهام إدارة الدولة، التي تؤمن حاليا بواسطة المؤسسات الإدارية.
وقد تم تقديم مقترحات الحكومة الهادفة إلى تغيير الدستور، إلى المجلس الوطني في خريف 2001 و شرع في المسطرة منذ بداية سنة 2002، بدءا باللجنة الدستورية. وخلال دورتها الأولى، عينت هذه اللجنة فريقا من الخبراء من أجل التحليل والتعليق على كل مقترحات التعديلات المزمع إدخالها على نص الدستور، وهذا يعني أن مقترحات الحكومة وكذا كل المقترحات الأخرى المقدمة للمجلس الوطني ، قد تم أخذها بعين الاعتبار.وبعد ذلك، شرع فريق الخبراء في أشغاله.
وفي انتظار ما ستتمخض عنه تلك الأشغال، بدأت وزارة الداخلية ، باعتبارها المسؤولة عن الحكم المحلي، في إعداد القانون الجديد حول الجهات على أساس قرار الحكومة، التي أعلنت بأن المنهجية المتبعة من أجل إحداث الجهات وكذا المسائل الأخرى المتعلقة بالجهات، ينبغي أن تنظم بواسطة قانون.وبديهيا أن إعداد هذا القانون الجديد يتعلق بمراجعة الدستور. وليست هناك بالفعل أية ضمانة بأن المراجعة ستحظى بمصادقة المجلس الوطني.بل الأكثر من ذلك، ففي بداية 2002، تم تقديم عدة مقترحات جديدة لمراجعة الدستور، وهذا ما جعل مسلسل التعديل أكثر تعقيدا، و خلق بالتالي مقاومة قوية لكل مراجعة مفترضة.
1 Grad Franc. V. Les débats constitutionnels sur la régionalisation en Slovénie. In: Annuaire des collectivités locales.Tome 22, 2002. L›organisation territoriale de la France, demain. pp. 293-296.
فشل مسلسل الجهوية بالبرتغال1
أنطونيو منطالفو
أنشأ دستور 1976 جهتين مستقلتين في أرخبيل الآسورAçores والماديرMadère ، كل جهة لها مجلس تشريعي و حكومة جهوية تقنن وتدبر ، تحت مسؤوليتها، جزءا مهما من الشؤون العامة.ولم ينص الدستور، بالنسبة للمجال القاري من البرتغال، على إحداث جهات مباشرة، وإنما نص على أنه سيتم إحداث جهات إدارية ، بواسطة قانون، لكنها ستحدث بوصفها جماعات محلية، مثل الجماعات والمقاطعات. فتم بذلك التنصيص الدستوري على الجهات في البرتغال، غير أنها لم تتأسس بعد بواسطة البرلمان.
إن خلق المستوى المجالي الجهوي، يؤدي إلى تغيرات مهمة في البنيات السياسية، الاقتصادية والإدارية للدولة، وهذا ما يفسر المقاومات. فكما هو الحال في مجموع بلدان أوربا، يتعلق الأمر بسيرورة صعبة ، وإن كانت الصعوبة أكبر في البرتغال، بسبب قوة تقليد مركزية الدولة.
وفيما يخص الكيفية التي نص بها الدستور على إحداث الجهات، لا بد من الإشارة إلى أنها اقتراح من طرف أحزاب اليمين والوسط داخل البرلمان في فترة جد خاصة من دمقرطة البرتغال ، بعد ثورة 1974. فخلال مراجعة الدستور، كانت مشاركة أحزاب اليسار في الحكومة جد قوية.إذ تحملت مسؤولية أغلب الوزارات وشغلت بالأغلبية الإدارة البلدية، من خلال ممثليها المعينين بشكل غير رسمي في أجهزة البلديات والمقاطعات.وقد تميزت هذه الفترة كذلك بتأميم قطاعات اقتصادية مهمة.
وقد اعتبرت أحزاب اليمين والوسط، في هذا السياق الاجتماعي والسياسي، أنه بواسطة إحداث جهات، تخلق مراكز مؤسساتية تضمن توازنا في السلطة، مفتقد على مستوى الحكومة المركزية.
وحسب الدستور البرتغالي، ينبغي أن تتضمن الجهات الإدارية جهازين تمثيليين هما:
- المجلس الجهوي، جهاز استشاري، يتضمن ، علاوة على الممثلين المنتخبين مباشرة من طرف المواطنين، أعضاء منتخبين من طرف المجالس الجماعية.
- المجلس السياسي الجهوي (junta regional) جهاز تنفيذي، ينتخبه المجلس الجهوي من بين أعضائه، وفق اقتراع سري.
وقد نص الدستور على مرحلتين في السيرورة التشريعية المتعلقة بالجهوية: مرحلة تتعلق بإقرار الجهات(كل الجهات) بشكل متزامن بواسطة قانون إطار وحيد، ومرحلة ثانية بالتأسيس الملموس لمختلف الجهات بقوانين متعددة.
إلا أن ملف الجهوية سيترك جانبا لمدة طويلة،.باستثناء مرحلة حكم تحالف يمين-الوسط ما بين سنتي 1980 و1982.و انطلاقا من سنة 1991 سينبثق موضوع الجهوية من خلال التصويت بالإجماع على القانون الإطار حول الجهات الإدارية(قانون رقم 56/91 بتاريخ 13 غشت).وقد كرس هذا القانون اختصاصات الجهات في مجالات التنمية الاقتصادية، تهيئة المجال، البيئة والمحافظة على الطبيعة، التجهيز الاجتماعي وطرق المواصلات، التربية والتكوين المهني، الثقافة والتراث التاريخي، الشباب، الرياضة والسياحة، وكذا دعم الأنشطة الاقتصادية ودعم نشاط البلديات.ويحدد هذا القانون كذلك تركيبة الأجهزة الجهوية، ماليتها، اختصاصات»الحاكم المدني الجهوي»-ممثل الحكومة في كل جهة- ونقل المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية إلى الجهات.
وبالاستناد إلى القانون الإطار، فقد صادق الحزبان الاشتراكي والشيوعي في البرلمان سنة 1998 على قانون يستهدف خلق ثمان جهات إدارية ، لم يلق الدعم من أحزاب الوسط واليمين.
وحسب الدستور، ينبغي لقانون خلق الجهات الإدارية أن يكون موضوع استفتاء وطني.وهكذا فالقانون يتعلق بالتصويت الايجابي للناخبين.ودون ذلك، فالبرلمان لا يمكنه إطلاق المرحلة الثانية من سيرورة الجهوية الهادفة إلى المصادقة على القوانين المؤسسة بالفعل لكل جهة.
إن نتيجة الاستفتاء على الجهات الإدارية بتاريخ 8 نونبر 1998 كان سلبيا: 64 % صوتوا ب»لا» و36 % ب «نعم»، و بلغت نسبة العزوف حوالي51 %.وبسبب هذه النتائج، لم يدخل القانون المؤسس للجهات حيز التنفيذ.
وهناك عدة اعتبارات وراء هذه النتائج.تتعلق على الخصوص بالسببين التاليين :
- أولا، بسبب ذي طبيعة ثقافية مرتبط بحملة الأخبار الزائفة المناهضة للجهوية، والتي قادها الفاعلون السياسيون ووسائل الإعلام، بما في ذلك التلفزة الرسمية.فقد غذت هذه الحملة فكرة تمزق البلاد، وتفكك الوحدة والتماسك الوطني، وتأسيس بيروقراطية جديدة وخلق جهات جديدة في البرتغال( القارة) شبيهة بالجهات المستقلة بالآسور والمادير(الجزر التابعة).
- ثانيا، بسبب سياسي يتعلق بالنموذج الجهوي وبعدد الجهات المنشأة.فعلاوة على موقف المناهضين للجهوية، الذين يعارضون كل نموذج للجهوية، هناك رأي عام اجتماعي وسياسي مهم، لم يكن متفقا لا مع الطريقة التي دبر بها الملف من وجهة نظر سياسية، ولا مع نموذج الجهوية وعدد الجهات المقترحة.فبالنسبة لهذا التوجه ، ففي بلد مثل البرتغال ، ليس له تقليد جهوي واضح جدا، ولا جهات تاريخية أو ثقافية، فلتحديد عدد الجهات، بدلا من الاعتماد على الاختيار السياسي، ينبغي الاستناد على الخصوص على اختيار تقني يتعلق بنموذج التنمية الجهوية الذي يتم تصوره واختياره ، ونظام العلاقات المالية بين الجهات والدولة. وينبغي للإصلاح الجهوي، من وجهة النظر هذه، أن يؤسس جهات بمجال ترابي واسع ومتوسط ساكنة ما بين 1.5 و3 ملايين نسمة، مع إدماج مناطق ساحلية متطورة ومناطق داخلية فقيرة.
وقد كان مشكل رسم حدود الجهات من الأسباب الرئيسية لمواقف العديد من التيارات المناهضة لهذا القانون الذي أقر جهات بمجال ترابي محدود و تجانس اقتصادي، مع فصل المناطق الساحلية الغنية والمتطورة عن المناطق الداخلية من البلاد، الفقيرة جدا، وترك هذه المناطق في علاقة تبعية مالية مطلقة للدولة.إن الرأي العام لم يقبل الأسباب المؤسسة لخلق ثمان جهات، وهذا الخطأ السياسي كان قاتلا بالنسبة للجهوية في البرتغال.
وفيما يتعلق بآفاق المستقبل، جعلت نتائج الاستفتاء من الصعب جدا تجديد مسلسل الجهوية على المدى القصير.ومع ذلك، فقد مرت الآن ثلاث سنوات و هناك قطاعات سياسية في البرتغال مهتمة بتطوير مسلسل الجهوية.ومؤخرا صرح رئيس الجمهورية، في مناسبتين، بأنه ينبغي إحياء مسلسل الجهوية من جديد، لأن البرتغاليين رفضوا خريطة، ولم يرفضوا إصلاحا.لكن، رغم نداءات رئيس الجمهورية، فان الأحزاب السياسية لم تبد بعد أدنى إرادة سياسية من أجل إحياء مسلسل خلق الجهات.
1 Antonio Montalvo , l?échec du processus de régionalisation au Portugal , in Annuaire des collectivités locales, Tome 22,2002. p297 -299


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.