إنهم ينتشرون في كثير من الأحياء الشعبية بمختلف المدن المغربية، ومنهم من يقطن في أحياء راقية، لهم زبناء من مختلف الطبقات الاجتماعية، زبناء يبحثون عن الذات، عن الآخر، عن المستقبل، عن شفاء من مرض لم يجد له الطب دواء ويعتبرون أن من ورائها جن وشياطين وأرواح شريرة!! أو أنها من فعل فاعل يتطلب علاجها وصفات عجيبة يقوم بتحضيرها المشعوذون والدجالون والسحرة وكل وصفة بحسب نوع المرض أو الغرض وحسب كرم الزبون، فهناك الكؤوس والصحون المكتوبة وهناك «لدون» وهناك الماء المقروء عليه، وهناك أيضا البخور والحجاب. إنها تجارة مربحة تذر على أصحابها الأموال الطائلة، فبعض الزبناء هم من علية القوم، من المسؤولين أو ممن يطمع في تحمل المسؤولية كما هو الحال بالنسبة لأحد الموظفين الذي كان يشتغل بإحدى الإدارات العمومية و المتابع حاليا في قضية فساد مالي والذي كان يطمع في الحصول على منصب سام وعندما تعذر عليه ذلك التجأ إلى الشعوذة فكان مايلي.. كان بمثابة اليد اليمنى لأحد المسؤولين في دواليب الدولة، كان يقوم بكل مايطلب منه وكان هدفه الأول والأخير أن يصبح مسؤولا ساميا مهما، البعض استغل هذا الوضع لتوريطه في تجاوزات مالية والبعض الآخر استغل سعيه هذا وتلهفه لتقلد المسؤولية وحصل منه على أموال كعمولة للتوسط له، لكن هدفه لم يتحقق وفي كل مرة كان يتم فيها تعيين هؤلاء الموظفين كان إسمه يستبعد من اللائحة الرسمية، وفي كل مرة كانت الوعود والتطمينات تمنح له وكان يمنح له بصيص من الأمل. اقترح عليه أحد معارفه ذات مرة اللجوء إلى أحد «الفقهاء» المشهورين بقدرتهم على تلبية رغبات ومطالب الزبائن، فهو القادر على تقريب كل بعيد وشفاء كل مريض وإغناء كل فقير وإزاحة الأذى وفتح أبواب الرزق أمام كل كريم قادر على دفع مصاريف الخدمة، فكل شيء بثمنه!! آمن صاحبنا بما سمعه من أخبار عن فتوحات هذا «الفقيه » والتجأ إليه طالبا منه العون لتيسير عملية تنصيبه في ذلك المنصب السامي الذي لطالما حلم به، فكان أن بدأت مطالب «الفقيه » تكثر والمصاريف تزداد وصاحبنا يدفع من دون حساب فالكل سيعوض بعد تقلده المسؤولية. وأخيرا بَشَّرَهُ المشعوذ بقرب الفرج، فعفاريته رضيت عنه أخيرا ولم يبق له إلا القليل الواجب فعله لتحقيق أمنيته، ماعليه إلا أن يحضر صورة المسؤول الذي يريد أن يحل محله وبعض المتطلبات من بخور وريش طير ومتطلبات ولوازم أخرى يتطلبها المقام، فالطلب صعب ويستوجب من الزبون أن يكون سخيا لتحقيق رغبته.. لم يعرف صاحبنا من أين يشتري كل هذه المواد فمكانته وأنفته لاتسمحان له بالوقوف أمام العطار لاقتناء ماطلب منه، هنا تدخل «الفقيه « و تكفل بإحضار هذه المتطلبات بنفسه مقابل مبلغ محترم من المال!! أول إشكال طرح عليه هو كيفية الحصول على صورة لذلك المسؤول، هنا بدأت رحلة البحث عن صورة ذلك المسؤول، الأمر الذي تطلب الانتقال إلى المدينة التي يمارس فيها ذلك المسؤول مهامه، وتم الاتصال بأحد مختبرات التصوير وبعد أخذ ورد وبعد طول مساومة، حصل صاحبنا على الصورة المطلوبة مقابل مبلغ محترم من المال وطار بها عند «الفقيه» لاستكمال إجراءات «تعيينه» مكان ذلك المسؤول!! تسلم «الفقيه»الصورة وطلب منه العودة بعد مدة بعد أن يحضر له «تخليطة» ستفتح في وجهه أبواب تحمل المسؤولية? عاد بعد مدة فتسلم من عند «الفقيه » سائلا طٌلب منه أن يقوم بسكبه عند مدخل مكتب المسؤول وعليه أن يحرص على أن يتخطاه هو شخصيا قبل أي أحد آخر !! هنا برز تحد آخر في طريق حصول صاحبنا على المنصب المنشود، فكيف سيتعامل مع هذا التحدي؟ اعتبر أن الأمر سهل للغاية فمبلغ محترم من المال يكفي لجعل الشخص المرابظ أمام باب مكتب ذلك المسؤول يسكب ذلك السائل فالأمر لا يتطلب منه جهدا كبيرا ولن يفتضح الأمر. بالفعل تم سكب الماء أمام مدخل المكتب وتنفس صاحبنا الصعداء وبدأ ينتظر التعيين على أحر من الجمر، لكن وقع مالم يكن في الحسبان وانقلب السحر على الساحر فقد تصادف أن تم بالفعل إزاحة ذلك المسؤول من منصبه وعوض أن يتم تعيين صاحبنا مكانه، تم تعيين ذلك المسؤول على رأس الإدارة التي يشتغل فيها صاحبنا ومن مكر الصدف أن أول قرار اتخذه كان هو إزاحة صاحبنا من المسؤولية التي كان يتولاها والتي كانت تدر عليه مداخيل مالية إضافية هامة! بعد هذه الواقعة أتوقع أن يكون صاحبنا قد احتج على ذلك «الفقيه» مادامت وصفته لم تأتي أكلها وانقلب فعلها العكسي عليه، أظن أن ذلك الفقيه قد يتحجج بكون المسؤول لم يتخطى ذلك السائل أو أن وضعه لم يتم بطريقة سليمة، من يدري ؟! ومع ذلك لم يتوقف صاحبنا عن السعي حثيثا طلبا لذلك المنصب إلى أن وجد نفسه وراء القضبان متابعا في قضية فساد مالي قاده إليه طمعه في الحصول على ذلك المنصب!! كثيرة إذن هي الحكايات التي تتناولها الألسن داخل مكاتب مجموعة من الإدارات والمؤسسات العمومية والشركات والمؤسسات الخدماتية عن «فقهاء» لهم الحظوة عند المسؤولين ويعتبرون من المقربين إليهم بحيث لايقدمون على اتخاذ قرار أو إجراء إلا بعد أن يستشيروا هؤلاء «الفقهاء» الذين يستشيرون بدورهم عفاريتهم من الجن والإنس قبل إسداء النصيحة لهم..!