انتشرت ظاهرة العلاج بالقرآن في مجتمعنا انتشارا كبيرا، حتى أن هناك أشخاصا تخصصوا في العلاج بالقرآن، واتخذوه حرفة يقتاتون منها، ويوفرون أموالا كثيرة من وراء عملهم بالاستشفاء والتداوي بالقرآن الكريم في عيادات خاصة بهذا النوع من العلاج. واتخذ البعض الآخر العلاج بالقرآن والتخصص فيه مطية لبلوغ مرامي وأغراض ذاتية وشخصية ضيقة، وهناك أيضا من يعالج بالقرآن فقط من أجل إعادة الاعتبار لكتاب الله عز وجل، بغية الاهتمام به أكثر في أوساط فئات اجتماعية هجرت القرآن الكريم زمانا ومكانا. صار الأمر كالعادة.. يؤكد السيد أبو أحمد عبد الرحيم أحد المعالجين بالقرآن، الذي اتخذ من بيته مكانا لتطبيب المرضى بتلاوة القرآن الكريم عليهم، على أن القرآن العظيم هو الشفاء التام لجميع الأمراض القلبية والبدنية ومن أدواء الدنيا والآخرة، فليس هناك أفضل من القرآن الذي هو كلام الله وتعالى، والذي لو أُنزل على الجبال لا نهدت وتصدعت من ثقل عظمة هذا الكلام. ويتساءل هذا المعالج أيضا: كيف للمرض أن يصمد أمام هذا الكلام العظيم؟ فلماذا التعاطي إلى أدوية أخرى، والدواء الشافي يمكن استخلاصه فقط من القرآن، فقط هناك شرط واحد في عملية العلاج بالقرآن، وهو الاعتقاد الجازم وإخلاص النية في قدرة القرآن على الشفاء. وحين سألنا هذا المعالج عن سبب امتهانه للعلاج بالقرآن واتخاذ بيته عيادة لهذا الغرض، أجاب بنبرة تشي بالحزم والجدية: في أول الأمر، لم أقصد امتهان العلاج بالقرآن، إنما كنت أقرأ بعض الآيات الكريمة على من يقصد بيتي راغبا في الدواء، وكان بعض الناس يلح علي أخد هدايا مالية أو عينية بعد شعورهم بالشفاء، فما كنت أستطيع أن أرفض هذه العروض الطيبة.. وهكذا صارت الأمور مثل العادة، فأحسست بلزوم نهج طريق هذا العلاج لأنه علاج رباني. و من أعطاني مالا أخذته، ومن لم يعطني لا أطالبه بشيء، ولا آخذ ثمن العلاج إلا بعد التأكد الكامل من شفاء المريض. نور الله وسموم الأدوية ومعالج آخر بالقرآن الكريم جعل جزءا من داره مقرا للعلاج والتداوي بالقرآن، يوضح لنا بعد أن استقبلنا بلباسه التقليدي الأنيق ولحيته المحلقة بعناية، بأن العلاج بالقرآن هو الوسيلة الوحيدة للشفاء، ويضيف:في رأيي، التداوي بالطب والأدوية الحديثة يتناقض مع مبدأ التوكل على الله والإيمان بالقدر، لهذا اللجوء إلى القرآن والعلاج به هو من باب التوكل على الله. وأتساءل لماذا يذهب المرء إلى مواد صناعية عبارة عن سموم الأدوية، ويترك نور كلام الله الذي به تطمئن القلوب وتبرأ الأبدان، فلماذا ننكر قول خالقنا وحده لا شريك له الذي يخبرنا بأن القرآن شفاء؟. طيبوبة المغاربة بالنسبة للأستاذ عروصي من مدينة سلا، وهو أحد المعالجين للمرضى المصابين بالصرع دون مقابل تماما، فهو يعالج مرضاه بالقرآن، ويذهب إلى منازلهم، لكن دون أخذ أجر من أحد، فهو يحاول مداواة من يشكو مرضا أو علة بتلاوة القرآن الكريم على ناصيته، وإعطائه بعض الآيات التي يوصي بقراءتها يوميا مع بعض الترتيبات الأخرى مثل الاغتسال بماء يقرأ عليه القرآن ممزوجا بورق السدر وغير ذلك، ويعتبر أن العلاج بالقرآن أفضل طريقة للتمسك بهذا الكتاب المنير: الحمد لله أن العلاج بالقرآن ينتشر وتتسع رقعته، وليس العلاج بما حرم الله، إن هذا الانتشار مرده الطبيعة الطيبة للمغاربة ونفوسهم التواقة إلى القرآن الكريم وحبهم له . في حين يرى أحد المهتمين بمجال العلاج النفساني أن جلسات الاستشفاء النفسي تتطلب وقتا طويلا قد يمتد شهورا، وكذلك مبالغ مالية طائلة، وقد لا يجدي الطب النفسي مع بعض الأدواء التي تصيب كثيرا من الناس، فلا يكون الفكاك إلا بالرجوع إلى القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه كان كثيرا ما يعالج الأمراض المستعصية بالقرآن، ففي حالة الصرع مثلا كان صلوات الله عليه وسلامه يقرأ في أذن المصروع: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون)، كما كان يقرأ آية الكرسي على المصروع، وينصح بذلك. ادعاء كاذب العلاج بالقرآن ظاهرة لا تحظى باتفاق وحماس الجميع، فهناك من يشكك صراحة في شيء اسمه العلاج بالقرآن، ومن ثم يعتبرون هذه العيادات المتناثرة هنا وهناك للتداوي بالقرآن، مجرد فرقعات دعائية غرضها الأول والأخير المتاجرة بآلام الناس وبيع آيات القرآن بثمن بخس. الأستاذ سعيد عرجاوي، باحث في علوم الاجتماع، يهاجم كل من يدعي القدرة على العلاج بالقرآن، فيقول بنبرة منفعلة: أين الدعوة الإسلامية وأين موقعها في حالات أشخاص يحفظون القرآن، ويتلونه على المريض بدون شروط دينية أو علمية صحيحة، يزعمون أن هذا القرآن الكريم سيشفي أمراضهم، وهم في الواقع يمتهنونه أسوأ امتهان، إنني أتحدى هؤلاء إذا استطاعوا علاج مرض السرطان أو مرض الكبد أو الإيدز مثلا بتلاوة القرآن على المصاب، هذا ادعاء كاذب. الطبيب بلقايد، يتساءل متهكما في اتفاق واضح مع الرأي السابق: إذا كان العلاج بالقرآن يفي بالغرض وله هاته الفعالية، فما جدوى الطب و علم النفس أو التحليل النفسي، وما جدوى دراسته أو فتح عيادات طبية نفسية؟ يلزم على الجميع أن يعي أن للقرآن مجاله في العبادات والذكر والاطمئنان القلبي، وللعلاج العلمي مجاله أيضا، وهوالوحيد الكفيل بعلاج الأمراض العضوية والنفسية المستعصية. أما عبد الله السوداني، معلم، فيؤكد عدم نفع العلاج بالقرآن مع المرض الذي أصابه منذ سنوات: اعتقدت أن ذهابي إلى معالج بالقرآن سيكون حلا سحريا لخلاصي من مرضي الذي أصابني، لكن اكتشفت أنني لم أشف وأن المعالج صاحب العيادة القرآنية كان يمدد في فترة العلاج، لكي يبتزني ماديا، و لما فطنت لهذه اللعبة الماكرة قطعت معه علاقتي نهائيا، وشكوته إلى الشرطة دون فائدة تذكر. والمرضى لهم رأي علي طالب جامعي عولج من مرض الصرع والصداع النصفي يجزم بفعالية العلاج بالقرآن، حتى لو كان مهنة عند البعض: في أول الأمر، التجأت إلى أطباء نفسيين، لكنني وجدت أنهم يستغرقون في تحليل نفسي طويل الأمد مما يتطلب وقتا ومالا كثيرين، فنصحني بعض الإخوة بالذهاب عند معالج بالقرآن معروف في المدينة، فقرر معالجتي في جلستين لا أكثر، ونصحني ببعض الرقى الشرعية، فشعرت بتحسن حالتي والحمد لله، إن القرآن حقا هو شفاء لكثير من الأمراض. وتتأسف خديجة على حالة زوجة ابنها التي ألم بها مس من الجن، وقد يكون مجرد درجة متقدمة من إحباط نفسي خطير أصاب رجاحة عقلها، فصارت تهذي أكثر مما تتحدث بالمنطق والعقل: لم ينفع معها علاج طبي، فذهبت عند أحد المعالجين لعلاجها بالقرآن، فاستغرق علاجها طويلا، ولكنها صارت أفضل من ذي قبل رغم أن الحالة تعاودها بين الحين والآخر.