لقد فجرت قضية اعتقال ولد سيدي مولود المسكوت عنه ووضعت الجميع أمام امتحان صعب وكبير في الوقت نفسه، طرحت من جديد مصداقية المنظمات الدولية السياسية، الحقوقية وحتى الإعلامية في التعاطي مع أوضاع المحتجزين في مخيمات تندوف بقبضة حديدية مخابراتية جزائرية كشرت عن أنيابها بعد أن انتابتها هستيريا غير مسبوقة وهي تقف على حجم الضربات الموجعة التي تتلقاها صنيعتها البوليساريو التي ترعاها عبر دعم مالي ومعنوي مستمر ومتواصل والتي انحدرت أسهمها إلى الحضيض في بورصة الارتزاق وخيانة الوطن. فعلى امتداد كل هذه العقود والسنوات ظل المغرب يقظا متفطنا لكل محاولات التضليل التي تطلقها الجزائر بمناسبة وبدونها في محاولة يائسة لصرف أنظار المنتظم الدولي عن جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها البوليساريو داخل الأراضي الجزائرية وبتوجيه منها. واليوم تتضح الصورة جليا بعملية اختطاف حقيرة نفذتها المخابرات الجزائرية في حق أحد أبناء المغرب الذي أعلن جهارا وأمام أنظار العالم كله عن دعمه الكامل لمقترح المغرب منح أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا تحت السادة الوطنية للمملكة المغربية، وخالف بذلك كل التوقعات والتكهنات على اعتبار مكانته السياسية والأمنية التي كان يحتلها داخل جبهة البوليساريو، وخالف قبل كل هذا وذاك أطروحة الجزائر في كذبة تقرير مصير الشعب الصحراوي التي لم تعد سوى في أذهان وعقول قيادات قصر المرادية وجنرالاتها الذين يقومون بعملية نهب متواصلة لخيرات وقدرات الشعب الجزائري الشقيق، والتي يوجه لها اليوم الشعب المغربي بكافة تلاوينه السياسية رسالة قوية ومسؤولة مفادها أننا لن نسمح باستهداف أي مغربي وأن استمرارها في استعدائها للمغرب لن يجلب لها سوى الخزي والعار وتنامي الحقد، فهي لم تكتف بكل هذا الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي واختلاق سيناريوهات لا تمت للحقيقة بأية صلة، ومواصلة إرهابها على أبناء الشعب المغربي في مخيمات تفتقد لأبسط حقوق العيش الكريم، بل تعدته إلى حد اختطاف مواطن مغربي يعارض توجهاتها ومخططاتها الموجهة أساسا ضد المغرب ووحدته الترابية، فنوايا الجزائر واضحة وجلية ولا ينكرها إلا جاحد أو متواطئ مع نظام لم يراع لا حسن الجوار ولا الانتماء القومي العربي و الإسلامي لدولة عضو بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والذي ما زالت تحكمه عقدة الماضي التي لم يتحرر منها بعد رغم مرور كل هذه السنوات ورغم التحولات الكبرى التي يعيشها العالم في ظل عصر التكتلات والأزمات على حد سواء. هي معركة جديدة من بين عشرات المعارك التي خضناها على مستويات عديدة،إعلامية ، سياسية ،حقوقية، دبلوماسية ولا نتمنى ولن نرغب أن نخوضها عسكريا ،على الجميع الانخراط فيها بكل مسؤولية وروح وطنية لأن الأمر خطير للغاية والجزائر اختارت السير في الطريق الخطأ باستهدافها لمواطنين مغاربة، فبعد احتجازها لصحفيين لأزيد من أسبوع لأنهما أرادا القيام بما يمليه عليهما الواجب المهني في فضح الواقع المؤلم الذي يعيشه أبناء المخيمات، ها هي اليوم تقوم بأفظع من هذا: عملية قرصنة واضحة كشفت عن الوجه الخفي والحقيقي للجزائر. فلتع جيدا القيادة الجزائرية هذا الإجماع الوطني ولتع ثانيا وثالثا وما تشاء ما تمثله الصحراء في قلوب 30 مليون مغربي لو تحركوا لكان هناك قول آخر لن يخطر على بال الجزائر نفسها التي نمد إليها أيدينا مجددا من أجل تحكيم العقل، وعدم التمادي في غيها وفي استعدائها للمغرب والمغاربة، والذي لن يخدم بأي حال من الأحوال مصلحة البلدين ويقف عائقا أمام استمرار مشروع المغرب العربي الكبير الذي أخذ منا عقودا، والذي يبقى معلقا إلى إشعار آخر بينما المشاريع الوحدوية الأخرى تخطو خطواتها نحو المزيد من الوحدة والتضامن، بسبب تصلب الموقف الجزائري. فالحل أكيد قريب والجزائر هي الخاسر الأكبر من كل هذه السمفونية التي جلبت لها العار وأججت مشاعر العداء تجاه كل من عمل ويعمل على زعزعة استقرارنا واستنزفت مالية الجزائر على حساب المواطن الجزائري العادي الذي يغرق في مستنقع الفقر والعوز والجهل. لقد كان حريا بالقيادة الجزائرية استثمار عائدات النفط والغاز في مشاريع تنموية تخدم مصلحة المواطن وتخرجه من دائرة العوز والحرمان، بدلا من دعم مرتزقة لا هم لهم سوى تكديس الثروات فضحتها شهادات حية للمنظمات الإنسانية الدولية التي أقرت بمتاجرة أعضاء البوليساريو بالمساعدات، وعقد صفقات أسلحة بمليارات الدولارات ليتضح بعدها أنها مجرد خردوات فلمن تتسلح الجزائر يا ترى.؟! فصدورنا مفتوحة لأية مبادرة تقارب بين الدولتين ولن تكون بأي حال من الأحوال على حساب حقوقنا التاريخية والجغرافية، ولن تخيفنا مثل هذه التصرفات النشاز التي تظل مجرد زوبعة في فنجان سيتذوقه الساسة الجزائريون علقما إن هم فكروا في اختراق إجماعنا الوطني حول صحرائنا المغربية .فسلامة وأمن مصطفى سلمى ولد سيدي مولود مسؤولية الجزائر بالدرجة الأولى وهي امتحان آخر للقيادة الجزائرية أن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي و هو يرى الاعتداءات تنزل على رؤوس أبنائه، كما نوجه من خلال هذه الورقة نداءا مسؤولا إلى كل المنظمات الدولية الحقوقية والإعلامية بتحمل مسؤوليتها الكاملة في التعاطي الموضوعي والعملي مع ما يتعرض له إخواننا المحتجزون في مخيمات الذل والعار بتندوف، فحيادها السلبي ضد المغرب يجب أن ينتهي لأننا اليوم أمام قضية حقوقية بامتياز تتعلق بمناضل سياسي خالف توجهات الجزائر وفند كل التقارير التي كانت تصوغها بعض المنظمات الدولية على موائد النفط والغاز.