كان للجمهور المغاربي بمدينة بروتي المستلقية على نهر الغارون غير البعيدة عن مدينة تولوز الجمعة موعد مع المغني القبائلي «إيدير» الذي أعطى الانطلاقة لفعاليات مهرجان «ميديتيرانو». جمع «إيدير» من حوله جمهورا جسد التنوع والتعدد، قدم من كل المناطق المجاورة لمدينة بورتي، وينتمي لكل الفئات العمرية، وكان من بينهم أقرباؤه، الذين قدموا من المدينة الوردية، تولوز للاستمتاع رفقته بربيرتواره الغنائي. بعفويته المعهوده، وبفرنسيته الممزوجة ببعض من الأمازيغية، شد أنظار الجمهور إليه، حينما كان بلكنته القبائلية يقدم ملخصا وإشارات رمزية لكل أغنية سيقدمها لتحقيق أكبر تواصل مع جمهور لايفهم «القبايلية». ويرى «إيدير» أن تنظيمه لحفل غنائي بفرنسا خاصة، لن يكون بالنسبة إليه إلا مصدر سعادة وفرح، إذ بالرغم من كون أن جل الجمهور لا يفهم ما يغنيه هذا الطفل الراعي الصغير القادم من تخوم القبايل الجزائرية، ينشرح «إيدير» حين ينبس أحد المعجبين غير الناطقين بالأمازيغية أنه يحبه ويحب ما يقدم. بشكل مثير جعل سفير الأغنية الأمازيغية الجزائرية الجمهور على اختلاف تلويناته يتماهى مع أغانيه الخالدة، ومع أشعاره وتوطيئاته وألحانه، التي كانت خليطا إبداعيا جعل الكل إما يرقص على إيقاع موسيقى أغانيه، أو يتمتع بأجمل حِكَم قصصها، أو يردد معه أجمل أغنياته «أڤاڤا اينوڤا»، التي جعلت اسمه يذكره كل لسان. ترمق خلف نظارتي «إيدير» وهو يقدم ملخصا لأغنية متكئا على قيثارته، رجلا حكيما ملتزما، الشئ الذي يتأكد من خلال مضمون كل قصة يحكيها، حيث تكتشف أن ثمة موعظة أو درسا أو نصيحة قدمها في جو احتفالي تكون أكثر اختراقا وإقناعا. تحدث «إيدير» بشكل شاعري عن المرأة، والأم، عن الحب والحرية و الغربة والاغتراب، وأسر للجمهور، وهو يقدم ملخصات أغنياته، أن تعلقه بالأغنية الأمازيغية يضاهيه تعلقه بوالدته، التي تعلم عنها أولى الأشعار والأغاني. كان طفلا صغيرا، يجالس والدته حين تعد اللبن، وكان يستمتع بها وهي تتحدث إلى القربة، تحكي لها معاناتها وأفراحها.. تشتكي لها مرة شعرا، وأخرى غناء. لقد ترسخت في ذاكرة «إيدير» الطفل صورة الوالدة، التي كانت تعاني من سلطة مجتمع ذكوري، مما جعله يغني لها وللمرأة أيضا، التي يقول إنه يشبهها في بعض معاناتها، كونه مثلها بأمازيغيته يعتبر «أقلية» في هذا العالم». كما تذكر يونس معتوب الذي قتل غدرا، وشدد على أن الحياة تستمر بالرغم من إقدام اياد ما على قتل الأشخاص، فالقتل لن يكون أداة للقضاء على الإنسان نهائيا، لأن أفكاره تظل حاضرة وتحيى بين الناس. واستطرد عند حديثه عن الحياة والأمل، أنه كلما تفتحت زهرة في حقل ما إلا ونجمة جديدة تبزغ في السماء.. رجل، كما محارب، سلاحه الكلمة واللحن، مزهو بكونه تمكن من تحقيق حلم جعل الأغنية الأمازيغية القادمة من تخوم تيزي أوزو تصدح أهازيجها بين جدران الغرب وجبال البرانس بمنطقة ميدي بيريني خاصة. رجل يفتخر أنه جزء من حلم تحقق، حين أصبحت اللغة الأمازيغية لغة رسمية في الجزائر ومعترف بها دستوريا، ويأمل أن يواصل الشباب المسير لجعل الأمازيعية تحيى ويتخوف من العكس فتموت. اختارت الدورة السادسة لمهرجان «ميديتيرانو» أن يكون منطلق المهرجان احتفاء بالأغنية الأمازيغية من خلال تنظيم حفل لسفيرها في المهجر «إيدير»، وقالت الفرنسية من أصل مغربي فريدة بيبوس لابين، نائبة عمدة المدينة المكلفة بالحياة المحلية والجمعوية «إن تنظيم مدينة بورتي سير غارون حفلا ل غنائيا ل«إيدير» هو احتفاء بالتعددية والتنوع». وأوضحت فريدة بيبوس لابين «أن «مدينة بورتي» لتنظيمها تظاهرة ثقافية من هذا العيار حولت المدينة فضاء لتمازج الثقافات والانفتاح على الآخر وتحقيق الترابط ما بين الاجيال.. إننا بالفعل تحولنا من الكلمة إلى الفعل»، تضيف فريدة. لم تكن الحفلات الغنائية وحدها التي تؤثث فضاء المهرجان، فقد اختارت جمعية «كونفليّاس» أن يكون الفضاء مجالا لعارضين من كل الآفاق، وتضم كل الفنون تجمع ما بين ما يكتنزه الشرق والغرب من إبداعات. تسعى مدينة بورتي سير غارون أن تجعل من فضاءاتها مجالا مفتوحا للابداع، وفي هذ الصدد تشير فريدة بيبوس لابين أن «عمدة المدينة لا يذخر جهدا في دعم كل الفعاليات المبدعة والحاملة لأفكار تسعى لتقديم الجديد للمدينة وتساعد مسييريها على القيام بمهامهم» وقالت فريدة بيبوس لابين «إن ما نقوم به بالأساس هو تفعيل لسياسة القرب مع الفاعلين في الحياة المحلية والجمعوية بمدينة بورتي سير غارون، حيث ندعم من خلال مشروع الحياة المحلية الذي أسهر عليه، أكثر من 60 جمعية متعددة الاختصاصات لأجل تنشيط المدينة على مدار السنة». وأوضحت فريدة بيبوس لابين «أن المدينة تسعى إلى الدفع ودعم عدد من الجمعيات ماديا ولوجيستيا لأجل تحقيق مشاريع تصب في خدمة مواطني المدينة ومن بينهم جمعية «كونفليّاس»، التي حظيت بدعم مادي وصل الى 135 ألف أورو لتنظيم المهرجان. وأشارت في هذا السياق إلى أن من بين المشاريع التي تم إنجازها، ولقت صدى طيبا لقاء تواصليا خاصا بالأيام الأوربية للتراث الذي استفادت منه ساكنة المدينة بشكل كبير». إن هذه السعادة، والديمقراطية والمساواة التي تراهن مدينة بورتي سير غارون على ترسيخها من خلال ترسيخها سياسة واضحة وشفافة للحياة المحلية والجمعوية، هي التي جعلت «إيدير» يحلق عاليا ليلتحق بديار الغربة، إذ قال إنه حين تحل الإيديولوجيات محل السعادة، والديمقراطية والمساواة، يمنعك هذا من ركوب المغامرة، ولا يفسح لك المجال للإبدع و الإحساس، مستطردا أن وقتها لا خيار أمامك إما الخنوع أو القطع مع كل هذا. إن إيدير بالرغم من كونه يحس كونه رجلا مقتلعا من جذوره، يواصل الحياة كما يعني اسمه بالأمازيعية.