تجمع المعطيات والمؤشرات بشأن وضع تدبير مرفق النقل الجماعي الحضري بواسطة الحافلات بالدار البيضاء من قبل شركة نقل المدينة الذي دخل حيز التنفيذ بداية شهر نونبر 2004، على أن هذه الاخيرة، تمر بمرحلة جد حرجة تكاد تشبه من حيث الاختلالات المالية، وان بأسلوب آخر، وضعية الوكالة في العشرية الاخيرة من عمرها الخدماتي (2004/1994). فهل نحن إذن، انطلاقا من هذا الوضع الجديد في عملية استغلال المرفق أمام إعادة إنتاج لذات الازمة بذات المواصفات والانزلاقات والمصير، أم الامر غير ذلك؟ وإذا لم يكن الامر كذلك، أين تتجلى تمظهرات القيمة المضافة لفلسفة التدبير المفوض كما تم التشريع لها والتعاقد بشأنها كمرجع إحالة للفصل في مسؤولية المتعاقدين في حال إخلال أحد الطرفين ، كل فيما يعنيه، ببنود العقد، او ارتكابه لخطأ ذي جسامة خاصة؟ ثم كيف وصل التسيير المنتدب الى هذه الدرجة من التراجع في الخدمات والبنية الاستثمارية المتعاقد بشأنها لتنمية المجال - قطاعي؟ وبالتالي كيف تعاملت السلطة المفوضة مع هذا التطور بمجمل تراكماته السلبية؟ ثم ماهي آفاق التجربة بعد إعادة تركيبة المساهمين وإعادة تشكيل رأسمال المقاولة؟ تلك أهم الأسئلة التي سنعمل على مناقشتها للاقتراب من الواقع الحالي للنقل الحضري بالدارالبيضاء، وإن كان التركيز سينصب على المرحلة الخماسية الاولى من التسيير المنتدب الممتدة بين نونبر 2004 ونونبر 2009. إن المدخل لمعالجة الاشكالية ينطلق من البحث فيما اذا كان التراجع الكبير في الخدمات والاختلالات المالية الكبرى للمقاولة تم التأسيس له من داخل منظومة برنامج الاستثمار التعاقدي أم خارجه؟ بطرح آخر، هل احترم المفوض له - شركة نقل المدينة - مخطط تمويل البرنامج فيما يتعلق بالاسطول المتعاقد عليه والبنية التحتية والمنشآت واقتناء التجهيزات، أم تم القفز على مضامينه الاجرائية التي تعتبر في حكم الإلزام؟ حسب عقد التفويض الذي يعتبر من الوجهة القانونية عقدا إداريا يجمع بين السلطة مانحة التسيير التي تعد شخصا معنويا يجري عليه القانون يتمتع بالاستقلال المالي ويدعى مجلس المدينة، والشركة صاحبة التفويض، ان البرنامج الاستثماري التعاقدي تمت برمجته وفق مخطط تمويلي على مراحل خماسية ثلاث، تقتضي في مرحلتها الاولى استثمار 855 مليون درهم، وهو ما يمثل نسبة 46 في المائة من مجموع البرنامج الاستثماري التعاقدي المقدر غلافه المالي ب 838 . 1 مليون درهم، مشكلا بذلك، البرنامج التمويلي الأقوى، مقارنة مع حصيص الفترتين الخماسيتين المتبقيتين من البرنامج، اذ لا تتجاوز نسبة الاستثمار عن المرحلة الثانية 596 مليون درهم، أي بنسبة 21 في المائة من محفظة الاستثمار العام، لينزل المؤشر عن المرحلة الخماسية الاخيرة الى 11 في المائة، وهو ما يعادل 387 مليون درهم. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق يتمثل فيما اذا استوفت المرحلة الخماسية الاولى لبرنامج الاستثمار ومخطط التمويل فيه شروطها التدبيرية كاملة، أم تم الاخلال بمضامين أركانها، على اعتبار أن عملية الاخلال هنا، تعني ضمنيا الاخلال بمنظومة الانتاج في جميع أبعاد مكوناتها التنظيمية والهيكلية، يجعل معها تبعا لذلك، أمر إعادة البرنامج الاستثماري ومخططه التمويلي الى الترتيب الزمني المفترض ان يكون التسيير المنتدب قد أسس لما تبقى من مراحله، غير وارد في أجندة مدبري المرفق العام بتزامن مع إعادة تركيبة المساهمين، وإعادة تشكيل رأسمال المقاولة مع ما ترتب عن ذلك من توزيع جديد لسلة الأسهم بدخول صندوق الايداع والتدبير كفاعل جديد بنسبة 34 في المائة، بينما نزلت أسهم الشركة القابضة « ترانس انفست» من 60 الى 46 في المائة، هذا في حين حافظ الشريك المرجعي، وكالة باريس للتنمية على نسبته المحددة في 20 في المائة. هذا، وانطلاقا من مقاربة دقيقة للبيانات كما هي مضمنة في العقد مع حقيقة التدبير، استنادا الى التقارير الاخبارية والوثائق المنصوص عليها في البندين 33 و34 من النص، يتضح بجلاء أن ثمة إخلالا كبيرا في تنفيذ وتطبيق واحترام البرنامج الاستثماري المتعاقد بشأنه خلال المرحلة الخماسية الاولى من قبل المفوض له، وهو إخلال يقابل من الجانب التشريعي بتقصير واضح وبين من قبل السلطة المفوضة في إعمال التدابير والمقتضيات القانونية الكفيلة بوقف المد التجاوزي للمفوض له كما هو منصوص عليه. على هذا الاساس، ستأخذ القراءة ثلاثة مستويات من البحث، تتمحور أولا حول مظاهر الاخلال في البرنامج الاستثماري وامتيازات المفوض له، ثانيا: مظاهر تقصير السلطة المفوضة في تفعيل آليات المراقبة والتتبع. ثالثا: البعد الاصلاحي في منظومة التدبير، وخلاصة عامة.