تشهد ألمانيا في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً بشأن المهاجرين واندماجهم في المجتمع الألماني، وهناك من الساسة والمسؤولين الحكوميين من يطالب بمراجعة سياسة الاندماج التي تتبعها الحكومة الألمانية وبمعاقبة من يرفضون الاندماج. طالب ساسة في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في القانون، على المهاجرين العازفين عن الاندماج في المجتمع الألماني. وقال الأمين العام للحزب، هيرمان غروهي، في تصريحات لصحيفة «لايبتسيغر تسايتونغ» الألمانية الصادرة أول أمس الاثنين بأن هناك في القانون ما يلزم المهاجر بالاندماج واجتياز اختبار التجنيس، وأضاف «تعلم اللغة الألمانية شرط أساسي بالنسبة لنا لتحقيق تعايش ناجح، لكن في الوقت نفسه وضعنا أيضا عقوبات في حال الرفض المتعنت للاندماج، وهذه العقوبات ينبغي تطبيقها بحزم». وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعلنت في تصريحات صحفية عن إجراءات حاسمة ضد رافضي الاندماج في بلادها، وقالت في مقابلة مع صحيفة «بيلد أم زونتاغ» الألمانية واسعة الانتشار الأحد الماضي «الالتزام، التزام ويجب الحفاظ عليه. يتعين على هيئاتنا مراجعة الأمور بشكل أقوى، فهناك عقوبات ويجب تنفيذها، فالصرامة مهمة». وأوضحت المستشارة في تصريحات لصحيفة «بيلد آم زونتاج» الألمانية واسعة الانتشار الصادرة ذات اليوم «لا يمكننا تسوية التقصير الذي حدث خلال ال 30 عاما الماضية خلال ثلاثة أو أربعة أعوام فحسب (...) إن الأمر يستغرق أكثر من فترة تشريعية». ووجهت ميركل في هذا السياق انتقادات شديدة للحكومة السابقة بقيادة غيرهارد شرودر واتهمتها بتبني سياسة اندماج بعيدة عن الواقع. وقالت ميركل «أحضرت بلادنا عمالة أجنبية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ولقد ساهموا بشكل كبير في تحقيق الرفاهية لألمانيا، أي أنه لا يمكن القول أننا سمحنا بالهجرة دون أن يكون لنا مصلحة كبيرة (...) وبعد ذلك تبنى الكثيرون، وبالتحديد خلال فترة الحكومة التي جمعت الاشتراكيين والخضر (حكومة شرودر)، حلم الثقافة المتعددة ووضعوا القليل من الالتزامات على المهاجرين ولكن حكومتي غيرت هذا الأمر لأنها تتبنى رؤية قريبة من الواقع في هذا الصدد». معاقبة الرافضين للاندماج وأعلنت ميركل في الوقت نفسه عن إجراءات حاسمة ضد رافضي الاندماج في بلادها وقالت «الالتزام التزام ويجب الحفاظ عليه. يتعين على هيئاتنا مراجعة الأمور بشكل أقوى فهناك عقوبات ويجب تنفيذها فالصرامة مهمة» مشيرة إلى ضرورة «الحديث عن المشكلات باسمائها مما يعني أن الاندماج هو حقوق والتزامات (...) أخذ وعطاء». وكشفت المستشارة في الوقت نفسه عن اتفاقيات فردية مع المهاجرين وقالت «نعمل على عقد اتفاقيات مع جميع المهاجرين الجدد». وطالبت ميركل المهاجرين في بلادها بالتوائم مع المجتمع الألماني وقالت «ننتظر ممن يأتي إلينا أن يندمج في مجتمعنا وأن يتعلم لغتنا وأن يسمح الرجال لزوجاتهم بالمشاركة في الحياة الاجتماعية ولبناتهم بالمشاركة في الرحلات المدرسية والحصص الرياضية». تأتي تصريحات ميركل في وقت يتأجج فيه النقاش حول قضية الاندماج في ألمانيا والتي فتح الباب لها عضو مجلس إدارة البنك المركزي الألماني تيلو زاراتسين الذي أثار موجة من الجدل بعد تصريحات له وصفت بالمسيئة للأجانب وللمسلمين بالتحديد لأنها حملت الكثير من النقد لعدم استعداد الأجانب للاندماج في المجتمع الألماني. وفي السياق نفسه قال غروهي «إننا نأخذ الاستياء الناجم عن الأوضاع المتردية في التعايش المشترك بين الألمان والمهاجرين على محمل الجد، وسنواصل سياستنا الخاصة بالاندماج بسرعة وحزم لتعويض التقصير الذي حدث في الماضي». ومن جانبه طالب نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي، ميشائيل فوكس، بأن يقوم الائتلاف الحاكم، الذي يضم إلى جانب الاتحاد المسيحي الحزب الليبرالي أيضاً، بمراجعة سياسة الاندماج من حين لآخر. وذكر فوكس في تصريحات لصحيفة «راينيشه بوست» الألمانية الصادرة الاثنين أن إمكانيات العقوبة لم يتم تطبيقها بشكل مكثف بالقدر الكافي حتى الآن، موضحا على سبيل المثال أنه عندما يرفض آباء منحدرون من أصول مهاجرة إرسال أطفالهم إلى دور الحضانة أو المدرسة فإنه يتعين في تلك الحالة تطبيق عقوبات عليهم بخفض الإعانات الحكومية التي يحصلون عليها. كذلك انتقدت الرئيسة السابقة للجنة المستقلة للهجرة، ريتا زوسموث، سياسة الاندماج الحكومية وقالت في تصريحات لصحيفة «تاغيس شبيغل» الألمانية الصادرة الاثنين «إننا نتصرف وكأننا نتعامل مع الموضوع لأول مرة، الحكومة الألمانية بطيئة جداً» في تطبيق ما تم إقراره سابقاً»، وطالبت بوضع قائمة بشروط وبمعايير محددة للهجرة. 15 مليونا و600 ألف شخص أجنبي بألمانيا بلغ عدد الاجانب في ألمانيا حتى نهاية شهر يونيو الماضي حوالي 15 مليونا و600 ألف شخص من بين ما مجموعه 82 مليونا و100 نسمة عدد سكان ألمانيا. وأوضحت مسؤولة شؤون ملف الأجانب لدى الحكومة الالمانية وزيرة الدولة بدائرة المستشارية الالمانية ماريا بوهمر ان حوالي 7 ملايين و300 الف شخص من الاجانب يحملون جوازات سفر ألمانية، أي ان الاجانب في هذا البلد يعتبرون 5 في المائة من تعداد الشعب الالماني وحوالي 8 ملايين و300 الف شخص يحملون الجنسية الالمانية بعد الاستغناء عن جنسياتهم الاصلية. واضافت ان 34 في المائة من الاجانب هم من الاطفال الذين دون الخامسة من عمرهم بينما تصل نسبة الذين تتراوح اعمارهم حتى سن ال 35 عاما الى 32 في المائة بينما تصل نسبة الذين تجاوزا سن ال 65 الى 8 في المائة من تعداد الاجانب. واكدت ان الاجانب شاركوا في نهضة المانيا وهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الالماني. تراجع عدد المجنسين في ألمانيا بالرغم من حملات الترويج التي أطلقتها الحكومة الألمانية لتجنيس المهاجرين أشارت آخر الإحصائيات إلى تراجع عدد المجنسين في ألمانيا عام 2008 بنسبة 15 بالمائة. ويعزو المراقبون هذا التراجع إلى صعوبة الاختبارات اللّغوية، التي تعد شرطا من شروط التجنيس. وتحول صعوبة الاختبارات اللغوية في الألمانية دون حصول البعض على الجنسية الألمانية إذ عزت مراكز تقديم الاستشارات القانونية للأجانب الراغبين في الحصول على الجنسية الألمانية هذا التراجع إلى اختبارات اللغة الألمانية، التي تم إدخالها كشرط للتجنيس في عام 2007. ووصف المراقبون هذه الاختبارات بالصعبة وبأنّها تشكّل عقبة أمام العديد من الأجانب للحصول على الجنسية الألمانية. وفي الوقت الذي ترفض فيه ماريا بوهمر، مسؤولة شؤون ملف الاجانب لدى الحكومة الالمانية وزيرة الدولة بدائرة المستشارية الالمانية، التخفيف من الشروط المفروضة على الراغبين في الحصول على الجنسية الألمانية، شددت على ضرورة تعلّم اللّغة الألمانية، خاصّة من قبل الراغبين في الالتحاق بأزواجهم أو زوجاتهم القادمين من دول خارج الاتحاد الأوروبي. وقالت بوهمر في هذا السياق إن تعلّم الألمانية «يساعد على الاندماج ولا يشكّل عقبة» على التحاق الأفراد بعائلاتهم، التي تعيش في ألمانيا، مشيرة إلى أن القوانين الحالية جيدة وأنه يجب على أهل ألمانيا أن يكتسبوا ثقافة أكثر ترحيباً بالأجانب، كما أنه يجب على المهاجرين الأجانب أن «يختاروا ألمانيا بشكل واضح» على حد قولها. تنامي الهجرة غير الشرعية يموت سنويا آلاف الأشخاص في مضيق جبل طارق وسواحل جزيرة صقلية بحثا عن «الفردوس» في أوروبا، ورغم حواجز الجغرافيا والأمن فقد باتت ألمانيا مقصدا هاما للمهاجرين المغاربيين غير الشرعيين. رغم الحواجز الجغرافية والأمنية الحصينة، أضحت ألمانيا في السنوات الأخيرة مقصدا لأعداد متنامية من المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من بلدان شمال إفريقيا عبر دول جنوب أوروبا. وتتفاوت التقديرات لأعداد المهاجرين المغاربيين الذين يتمكنون من التسلل إلى ألمانيا، مع أن بعض الجهات تقدرهم بالآلاف سنوياً. وعلى ضوء زيادة تنامي عدد المهاجرين غير الشرعيين، ضاعفت الحكومة الألمانية ونظيراتها الأوروبية من ضغوطها على حكومات دول شمال أفريقيا لإحكام مراقبة حدودها وخصوصا سواحلها على البحر الأبيض المتوسط، كما أبرمت معها اتفاقيات أمنية وبرامج مساعدات اقتصادية، إضافة إلى تشديد مراقبة الحدود الألمانية وتفتيش أماكن العمل والسكن داخل ألمانيا. وقد اتخذت هذه الخطوات بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. كل الطرق تؤدي إلى ألمانيا! تتعدد فئات المهاجرين المغاربيين غير الشرعيين، بحسب المسالك والوسائل التي يتوخونها للوصول إلى الأراضي الألمانية. وتأتي في مقدمتها فئة الحاملين للتأشيرات السياحية إلى ألمانيا ودول اتفاقية شينغين الأخرى، ويعمد الحاملون لهذه التأشيرات إلى الاختفاء عن أنظار الشرطة بعد قضاء المدة الزمنية القانونية المتاحة لهم في التأشيرة. وهنالك فئة أخرى من المهاجرين الذين يتسللون إلى الأراضي الألمانية دون أن يكون بحوزتهم أية وثيقة سفر، وهؤلاء في غالب الأحيان من الوافدين عبر حدود ألمانيا البرية الجنوبية والغربية. وتضم الفئة الثالثة مهاجرين غير شرعيين يتنقلون بين دول الاتحاد الأوروبي، ويمضون فترات متفاوتة في دوله بحثا عن فرص استقرار أو تسوية أوضاعهم القانونية. وهنالك فئة رابعة غالبيتها من الطلاب الذين تنتهي صلاحية وثائق إقامتهم الدراسية ويستمرون في البقاء بألمانيا. وتعتبر الفئتان الثالثة والرابعة الأكثر خبرة ودراية في التعامل مع القوانين والإجراءات الأوروبية والإفلات من إجراءات الترحيل.
مفارقة اللجوء والهجرة غير الشرعية تشهد أعداد طالبي اللجوء في ألمانيا تراجعا إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثين عاما، فخلال العام الماضي 2007 سُجّل فقط 19 ألف طلب لجوء، وهو رقم يقل بخمس مرات عن نظيره بداية التسعينات، ويعتبر المسؤولون الألمان ذلك مؤشرا على نجاح إجراءات المراقبة داخل الأراضي الألمانية وكذلك التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي. لكن منظمة «برو آزول» الألمانية المدافعة عن حقوق اللاجئين ترى أن هذا الرقم يحمل في طياته وجها آخر للحقيقة وهو ارتفاع أعداد الذين يعيشون في وضعية غير قانونية، وتقدر المنظمات الإنسانية الألمانية أعدادهم بما يتراوح ما بين مليون الى مليون ونصف مليون شخص، لكن الجهات الحكومية لا تعترف بمثل هذه الأرقام. وتشير تلك التقديرات بأن عدد المهاجرين المغاربيين غير الشرعيين ربما يرتفع الى عشرات الآلاف، ويعود وجود الكثيرين منهم إلى بداية التسعينات، إبان لجوء أعداد كبيرة من الجزائريين إلى ألمانيا هربا من الأزمة السياسية وأحداث العنف في بلادهم.