في صباح ربيعي بباريس، كان لي موعد مع إريك لوران، الذي سبق لي أن تعرفت عليه وحاورته في مرات سابقة، لكن هذه المرة كان الموضوع محفزا لي لمعرفة بعض من جوانب تاريخ المغرب من خلال رجل تمكن من محاورة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني عدة مرات وتدوين بعض أسراره . لكن هذا الصحفي والكاتب المتمرس لا يعطي الا شذرات قليلة وناذرة من المعلومات التي يعرفها عن مرحلة مهمة من تاريخ المغرب، وبشكل يضمن أن الصحافة المغربية سوف تتحدث عن كتابه قبل صدوره،بل لم يتردد في تكذيب عدد من المعلومات التي صدرت ببعض الصحف المغربية، مما يطرح تساؤلات هل يريد بعث رسائل مشفرة الى الرباط بعد أن أصبح جد بعيد عن دائرة القرار المغربي منذ رحيل الحسن الثاني؟أم أن العملية هي مجرد دعاية لكتابه المقبل حول الملك الراحل؟ عند نزولي من ساحة الكونكورد في اتجاه الضفة اليسرى لنهر السين، وجدت اريك في انتظاري في الموعد المحدد على متن المنزل- الباخرة الراسي فوق الماء . بعد التحية، دخلنا الى الصالون الذي كان يضم طاولة وكراسي وعدد من الكتب والصحف،وبدأنا الحديث حول الاوضاع بفرنسا والاوضاع بالمغرب، خاصة التطورات التي عرفها حقل الصحافة بالمغرب .قدم لي شايا باردا وبدأ الحوار في الصالون الذي كان يتحرك بفعل الأمواج التي يحدثها مرور البواخر التي تجوب نهر السين الذي يخترق مدينة باريس. لكن اللقاء مع احد اكبر وجوه الصحافة الفرنسية الذي حاور عددا من رؤساء الدول، وحققت كتبه مبيعات و نجاحات كبيرة ، لم يكن سهلا، لأنه لم يجب على عدد من الاسئلة الا «بلا «او»نعم» او «سيتضمنها كتابي المقبل» .لهذا كان لا بد من طرح اسئلة بعيدة عن الموضوع للعودة له من جديد، لكن هذه العملية هي الاخرى لم تجد مع اريك لوران، الذي ظل يراقب ما يصرح به حتى نهاية المقابلة . وبعد نهاية اللقاء وجدت أن عددا كبيرا من الاسئلة بقيت بدون جواب والتي من الطبيعي أن الكاتب يريد الاحتفاظ بها ليتضمنها كتابه المقبل حول المغرب وعاهله الراحل . كيف ستسمي كتابك المقبل حول المغرب« شهران رفقة ملك المغرب الراحل»؟ لا اللقاء لم يدم شهرين، بل امتد من 1994 الى وفاة العاهل المغربي ، فقد رأيته آخر مرة قبل وفاته بشهرين .وقد تطرقنا لعدد من المواضيع خاصة الشخصية. هل تذكر بعض هذه الامور والمواضيع الى تطرقت فيها مع العاهل الراحل لقرائنا؟ سيتضمنها كتابي عند نشره كما صرحت للصحافة ،سيكون كتابك جاهزا في الشهرين المقبلين؟ لا هذا غير صحيح ، لن يكون جاهزا الكتاب الا في نهاية السنة او بداية السنة المقبلة. لنعد الى موضوع زيارتي لك، كتابك الجديد حول «الوجه الخفي للابناك» الازمة اليونانية وازمة الاورو جعلت كتابك في قلب الحدث ، هل يمكننا الحديث عن نهاية الاورو، العملة الموحدة لأوربا؟ المشكل الذي تعرفه اوربا ليس نقديا، بل هو مشكل حكامة . لأننا قمنا ببناء عملة موحدة، لكن وراءها لم نبن وسائل ومؤسسات. أي توجد عملة دون وجود دولة وراءها او ارادة سياسية، وهو ما يمكن ان يؤدي الى نتائج كارثية مثل انهيار العملة الاوربية او اختفاؤها.وبرامج الانقاذ التي تم اطلاقها ليست حقيقية ولا احد يضمن ان البلدان التي تمت مساعدتها سوف تؤدي ما عليها من ديون. بالاضافة الى أن هذا البرنامج تم وضعه فقط لتجنيب الابناك انعكاسات هذه الازمة. لكن المشكلة الحقيقية كذلك هي تصرفات المانيا التي اتخذت عددا من القرارات دون باقي البلدان الاوربية وحتى ما كان يسمى الزوج الفرنسي الالماني اختفى هو الاخر عن الساحة ولم يعد هناك أي تنسيق؟ طبعا من خلال القرارات التي اتخذتها برلين، فهي اعطت الاسبقية الى مصالحها الخاصة على حساب المصالح الاوربية.وما يقع في المانيا يشبه ما يحدث بالعالم لقد وصلت الى الحكم فئة لم يعد لها مشكل مع جيل الحرب وتأخذ قرارات لا تخذم إلا مصالحها الخاصة .رغم ان المانيا استفادت من البناء الاوربي، واذا استمرت في هذا الاتجاه أي اتخاذ قرارات بعيدة عن اوربا والابتعاد شيئا فشيئا عن اوربا، فإن ذلك ستكون له انعكاسات جد خطيرة. الامريكيون والعالم ينظرون الى الرئيس الامريكي باراك اوباما كمنقذ من هذه الازمة العالمية، لكن في كتابك تقول عكس ذلك .إن الرئيس الامريكي هو قادم من الاوساط المالية التي اشتغل معها وكذلك زوجته، فيما سميته بشبكة شيكاكو. بمعنى ليس هناك امل في هذا الرئيس القادم هو نفسه من الشبكات المالية ولوبياتها و التي تحيط به في البيت الابيض ؟ هل تتذكر كيف عالج ازمة صناعة السيارات بالولايات المتحدةالامريكية والوقت الذي تطلبه اتخاذ القرارات والشروط التي تم فرضها على هذا القطاع من اجل تأدية الديون، رغم ان مبلغ المساعدة هو 50 مليار دولار من الدولة الفيدرالية فقط. بالنسبة للابناك والتي هي المسؤول الاساسي على الازمة المالية التي عاشها العالم فقد توصلت ب800 مليار من الابناك و2000 مليار من البنك الفدرالي الامريكي بدون اية شروط، ولم تتعرض الى اية عقوبات من طرف اوباما . يجب ان لا ننسى العلاقات القوية بين الديموقراطيين ووالت ستيرت، أي الاوساط المالية الامريكية . والرئيس السابق كلينتون هو الذي خلص الابناك من كل القيود والتقنينات التي وضعت إبان الازمة العالمية لسنة 1929 .هذه الاصلاحات هي التي كانت وراء غياب اية مراقبة على الابناك والتي ادت الى الازمة التي نعرفها اليوم.