حمّلت الحكومة المغربية نظيرتها الجزائرية مسؤولية تعرض مصطفى سلمى ولد سيدي مولود إلى مكروه فوق التراب الجزائري بتيندوف، حيث تحتجز سلطات الجزائر الآن المواطنين المغاربة مرة تحت التهديد ومرة أخرى تحت الترغيب، مرة بيد من سلاح ومرة أخرى بيد من دينار، أياد تتشابك تحت نار مشتعلة لبئر بترول خصص لإشعال فتيل ثورة انطفأت مع انهيار جبل بارد. الحكومة المغربية على لسان الناطق الرسمي تقول إنها «تحمل المسؤولية في هذا الشأن إلى الجهات التي تمارس السلطة في تيندوف». ولأن للسلطة مفهوما تقنيا ومنهجيا متعارف عليه، فإن ذلك لا ينطبق على ما يحدث في مخيمات تيندوف، حيث أن هذا الجزء المعزول من التراب الجزائري تمارس فيه الفوضى بامتياز، والقائمون على هذه الفوضى والمتمثلون في منظمة عبدالعزيز المراكشي، يمارسون الوهم المبني على الغموض بدعم تكتيكي من الجزائر الأم، وراعية الفوضى باسم تقرير المصير، الذي أصبح تقريراً مفضوحا أمام الجرأة السياسية للمغرب الذي تقدم بمشروع تقرير المصير ضمن مبادرة الحكم الذاتي في إطار الجهوية الموسعة. ولأن الظلام والسواد القاتم شعار لمنظمة عبدالعزيز، فإن تمسك خفافيشه به أضحى سبيلا وممراً سهلا لمزيد من الهروب إلى الأمام، من أجل عرقلة سير تطبيق المشروع المغربي، الذي أصبح نقطة الضوء الكبرى التي تجلب سكان المخيمات من أجل العودة إلى وطنهم، ومن أجل وضع حاجز بين الوهم الذي يسوقه عبد العزيز برأسمال جزائري يقتطع من معيش الشعب الجزائري، وبين الواقع والحقائق الملموسة التي يقدمها المغرب أمام مرأى ومسمع الرأي العام الدولي، وهو بذلك يمد يدا بيضاء إلى جيرانه وإلى القائمين على حل قضية الصحراء في المعترك الدولي، خالقا بذلك حراكا سياسيا وإنسانيا من أجل طي ملف طال أمده بتحرش نشاز من جارتنا الشرقية،والذي ليس تحرشا بدون معنى سياسي ناضج فقط، بقدر ما هو تلكؤ يضع مصلحة كل شعوب المنطقة في كفة، وعناد النظام الجزائري وسباحته ضد التيار في كفة أخرى. ولأن جزائر النظام، تستمر في لعبتها التي ليست إلاّ أداة قمار فوق طاولة جنرالات اعتلى الشيب رؤوسهم، وقوس الزمن الرديء ظهورهم، وأصبحت وجوههم صفراء وعيونهم جاحظة، وبطونهم تجاوزت حزام سراويلهم الداكنة، ولون شفاههم حوله «السيجار» إلى لون بين الأسود الغامق والأصفر الموشوم على أسنان من ذلك الزمن الغابر. زمن يفضحه اليوم مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، وهو يصرح بمرارة الطفل الذي يسكنه، والشاب الذي يؤرقه والرجل الذي يحاور ضميره، أن هؤلاء كلهم أضاعوا زمنه الجميل، ثلاثين سنة، منذ 1979، عندما تعرضت عائلتة للاختطاف وتم اقتيادها بالقوة إلى مخيمات تيندوف. كان ولد سلمى يبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة، ظل هناك بعيداً عن وطنه، لكن حلم العودة كبر في ذهنه، لكي يصبح للحلم معنى وطني، يوظف فيه ولد سلمى الذهاب والإياب من أجل هؤلاء القابعين هناك ينتظرون انقشاع الظلام، وذلك هو أمل شرائح واسعة من الصحراويين المحتجزين بشكل مباشر أو غير مباشر، هناك في مخيمات تيندوف. وإن كان ولد سلمى يتوقع انهيارا وشيكا لأطروحة الانفصال، فإن هذا الانهيار هو نابع من داخل المخيمات نفسها، حيث لم تعد هناك ثقة في عبد العزيز والقائمين على منظمته، التي وشمت الوهم في أذهان أبنائنا كما وشمت أجسادهم الصغيرة بتدريبات عسكرية فوق قدرات استيعابهم للأشياء، وعوض أن تقدم لهم لعبة لتنمي أفكارهم، قدمت لهم أسلحة وقنابل ومتفجرات. لكن الطفل كبر والعالم أصبح قرية صغيرة، وانقلب السحر على الساحر وتلك هي لغة الرفض والهروب من مخيمات القهر والعار والفوضى.