في هذا الكتاب [ من أجل إسلام التنوير] الذي يأخذ شكل المانيفست القويّ يقوم مالك شبل برد فعل حازم على الحركات الأصولية المتطرفة التي تقدم صورة مشوهة عن التراث العربي الإسلامي. وهو يرى انّه قد آن الأوان لكي يتحرك علماء الأمة ومثقفوها من أجل إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح وتقويم الاعوجاج الحاصل على كافة الأصعدة والمستويات. وللقيام بذلك ينخرط مالك شبل في دراسة مطولة تتجاوز المائتي صفحة. وهو يفتتح الكتاب بمقدمة عامة تحمل العنوان التالي: هل إسلام التنوير ممكن يا ترى؟ بمعنى آخر: هل يمكن أن ينتصر الفهم المستنير للإسلام على الفهم الأصوليّ الظلاميّ الراسخ في العقول منذ مئات السنين؟ وجواب المؤلف هو أنّ العملية ستكون صعبة وشاقة جدا ولكنها ممكنة لسبب بسيط: هو أنّ تراث الإسلام نفسه يمتلئ بنقاط ضوء عديدة. ويكفي أن نتذكرها أو نعيدها إلى الأذهان لكي يقبل بها الناس ونبني عليها نهضتنا المقبلة. وعلى هذا النحو لا يشعر المسلمون بأن التنوير يجيئهم من الخارج وبالأخص من العدو التاريخي، أي الغرب، وإنما يأتيهم من الداخل. ولا يكتفي مالك شبل بالتنظير المجرد للموضوع وإنما يرفق كتابه بمقترحات عملية للخروج من المأزق الذي نتخبط فيه حاليا ثم لكي يصالح الإسلام مع الحداثة العالمية التي أصبحت تحيط بنا من كل الجهات. وأول هذه المبادئ التي يقترحها هو: ضرورة بلورة تفسير جديد للنصوص الإسلامية المقدسة من قرآن وحديث نبوي وفقه وشريعة الخ.. ففي رأيه أن التفسير السائد حاليا حرفيّ أكثر من اللزوم وخاطئ في معظم الأحيان لأنّه لا يهتمّ إلا بالقشور السطحية وينسى الجوهر واللباب. ثم يردف الباحث الجزائري قائلا: في هذه الظروف الخطيرة التي نعيشها أصبح واجبا على المثقفين وعلماء الأمة أن يبلوروا تفسيرا علميا جديدا لرسالة القرآن والإسلام: أي تفسيرا يليق بالحداثة والعصر والقرن الحادي والعشرين. فنحن لا نستطيع أن نعيش على تفسيرات قديمة متكلسة ومتحنطة إلى أبد الآبدين. أما المقترح الثاني الذي يتقدم به الأستاذ شبل فهو جريء حقا. انه يتمثل فيما يلي: تأكيد تفوق العقل على كل أشكال الفكر والاعتقادات الأخرى. بمعنى انه إذا ما تعارض الدين مع العقل فينبغي أن نغلّب العقل لا الدين. نقول ذلك خاصة أن الإسلام هو دين العقل وان القرآن حثنا في آيات عديدة على استخدام عقولنا. وأما المبدأ الثالث الذي ينص عليه لكي ننتقل من إسلام الظلاميين إلى إسلام التنويريين، فيتمثل في التخلي عن فكرة الجهاد نهائيا لأنّها تتنافى مع جوهر الدين الصحيح وكذلك مع جوهر الحضارة الإنسانيّة. لقد كانت لها مبررات في وقتها، ولكنها لم تعد لازمة في وقتنا الحاضر. ثم إنه، أي الجهاد، يجعلنا في حالة صدام مع كافة شعوب الأرض. فتفجير الباصات والمقاهي والمباني العامة وترويع المدنيين العزل ليس بطولات ولاجهادا مرضيا عند الله، وإنما هو إرهاب إجرامي وخروج على الدين الحنيف السمح. وينبغي على علماء الأمة وكل المثقفين المسلمين أن يعلنوا صراحة إدانتهم القاطعة لهذه التفجيرات ولمرتكبيها. أما المقترح الرابع الذي يتقدم به فيقتضي ما يلي: منع صدور أي فتوى تشرع الاغتيال والقتل لأي سبب كان. فهذا شيء مضاد لجوهر الإسلام ولكل القيم الإنسانيّة الحديثة. وبالتالي فلا يحق لأي شيخ كائنا من كان ان يفتي بقتل هذا المثقف أو ذاك كما حصل في الجزائر إبان السنوات العشر السوداء لا أعادها الله. فهذه الفتاوى العشوائية تؤدي إلى انتشار الفوضى والرعب والفتنة والذعر في المجتمع. وتنقلب بالعاقبة السيئة على الجميع. فإذا لم يعجب المشايخ كتاب ما فليعلنوا ذلك صراحة وليفندوه عن طريق الحجج العقلانية لا عن طريق الدعوة الى اغتيال صاحبه. وهناك مقترحات أخرى عديدة في الكتاب لا نستطيع أن نتوقف عندها كلها. ولكن من أهمها نذكر المبدأ الأساسيّ التالي: ضمان حرية المعتقد والضمير في العالم الإسلامي. فالإيمان إذا ما فرض بالقوة على الإنسان لا معنى له. يضاف إلى ذلك انه مخالف لما جاء في صريح القرآن: أفأنت تُكرِهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ سورة يونس . (الآية 99) وهناك مبدأ آخر يلح عليه كثيرا هو: ضرورة أن يقبل المسلمون بالتنوع الفكري والتعددية العقائدية. فالآخر أيضا له دينه ومعتقداته وينبغي أن نحترمها مثلما يحترم هو عقائدنا وديننا. بل وحتى غير المؤمنين أو غير الممارسين للطقوس والشعائر الدينية ينبغي أن نفهم موقفهم ولا نضطهدهم، لأن الله وحده هو الذي يحاسب كل إنسان على ما فعل يوم القيامة وليس البشر. ولكن الأصوليين المتزمتين لا يمكن أن يقبلوا بهذا المبدأ. فهم يعتقدون أن عقيدتهم هي وحدها الصحيحة وكل ما عداها ضلال في ضلال. وهم يريدون أن يفرضوها على الجميع بالقوة. من هنا خطورة الموضوع. وأكبر دليل على ذلك هو أنهم قضوا على التعددية الفكرية داخل الإسلام نفسه وفرضوا رأيا واحدا على الجميع. نعم لقد اضطهدوا التيارات العقلانية في الإسلام كالمعتزلة والفلاسفة وإخوان الصفاء الخ..حتى محوها من الوجود. وفي الختام يطرح المفكر الجزائريّ هذا السؤال: أيّ إسلام نريد؟ والجواب هو: نريد إسلام الغد، إسلام المستقبل. نريد إسلام التنوير والعقلانية والتسامح ولا شيء غيره. وللتوصل إلى هذا الهدف النبيل والعظيم يدعونا مالك شبل إلى ضرورة الاعتماد على التربية الحديثة والشبيبة الصاعدة والمجتمع المدني وتطوير برامج التعليم.