يعمل تنظيم القاعدة على توسيع بنياته اللوجيستكية، البشرية والمادية في إفريقيا ، ويختارشريط المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط والصحراء الكبرى ليستقطب عناصر جديدة ويؤسس خلايا وينفذ عمليات اغلبها احتجاز رهائن وطلب فديات او إطلاق سراح معتقليه. ويبدو أن القاعدة التي انبثقت من جغرافية افغانستان واستراتيجية أمريكا، تسعى الى تحويل الحزام الافريقي الى «افغانستان» جديدة، أي افغنة المنطقة لكن بصناعة افريقية تحمل خاتم «الصوملة». ترى تقارير صحفية أن « تفجيرات كمبالا، وإعدام الرهينة الفرنسي، وتجدد الاشتباكات بين الجيش الجزائري والمتشددين الإسلاميين في جنوبالجزائر، كلها تؤكد على مسألة واحدة، وهي أن تنظيم القاعدة قام بتصدير عملياته العسكرية إلى القارة الإفريقية، وبالتالي عولمة العنف الأعمى» في حين يرى مدير جهاز الاستخبارات الفرنسية لمكافحة التجسس ، برنار سكارسيني، في حوار أجرته معه مجلة السياسة الدولية أن «إفريقيا هي المستهدفة من هجمات القاعدة». مضيفا « خلال خمسة عشر عاما ،وعلى الرغم من الجهود المبذولة من جانب مختلف الأجهزة، وعلى الرغم من التقدم في التعاون الدولي ، فإن الإسلام الجهادي استطاع أن يفتح بلداناً جديدة: شمال مالي (حيث تتمركز الكتيبة الساحلية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ) والنيجر،وموريتانيا،ومنذ وقت قصير السنغال. وخلال خمسة عشر عاما، ربما سينزل الخطر أكثر إلى الجنوب. فالراديكالية الإسلامية التي تتقدم في إفريقيا السوداء تخبىء لفرنسا مفاجئات سيئة«(صحيفة لوموند الفرنسية ، 29 يوليوز الماضي ). الخارجية الأمريكية التي تضع الموضوع ضمن اولويات ملفاتها ، ترى أن تنظيم القاعدة في افريقيا ، يشكل تهديداً حقيقياً لدول شمالي أفريقيا، وكذلك لأوروبا والولاياتالمتحدة.وذكرت الخارجية أنها تتعاون عبر أساليب تبادل المعلومات مع الدول التي تحاول التصدي لهذا التنظيم لأنها تنظر إليه على أنه «تهديد مشترك.» وقال «بي جي كراولي»، الناطق باسم الخارجية الأمريكية: ««التهديد الأكبر لتنظيم القاعدة في المغرب يشمل الدول الواقعة في تلك المنطقة، ولكننا رأينا في الكثير من الأحيان كيف امتد الخطر إلى أجزاء من أوروبا.» وأضاف: «التنظيم لديه القدرات على تهديد الولاياتالمتحدة أيضاً، ولكن اهتمامنا لا ينحصر عليه، بل يمتد ليشمل كافة فروع الشبكة الإرهابية من المناطق القبلية الواقعة بين أفغانستان وباكستان وصولاً إلى أي مكان يتواجد فيه من يختار التعاون مع القاعدة واعتناق أيديولوجيتها.» وشدد كراولي على أن التعاون مع الدول التي تواجه تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا «مهم جداً بالنسبة لواشنطن ويصب في إطار الجهد المتواصل في هذا الإطار ضمن المنطقة.» مجلة «قنطرة»الالمانية اوردت في عددها الاخير ان انتشار الجماعات الإسلاموية الإرهابية في القارة الإفريقية لايقتصر على الصومال والمغرب العربي وحدها، بل يعاني سكان العديد من مناطق إفريقيا من انتشار هذه الجماعات، ومثال على ذلك النيجر التي يعاني سكانها من الطوارق من انعدام دائم للأمن واشارت أن وسائل الإعلام الأوروبية لا تتناول هذا الموضوع، إلا عندما يُحتجز الزوار الغربيون إلى المنطقة كرهائن. وكان آخر ضحايا حوادث الاختطاف هذه الفرنسي ميشال جرمانو قبل أسابيع قليلة، الذي قتله خاطفوه. لكن الناس الذين يسكنون هذه المنطقة يعتبرون في المقام الأول رهائن أيضاً، فالكثير منهم يعتاشون من التجارة منذ قرون و في العقود الأخيرة من حركة السياحة. لكن الإرهاب الجديد بات يسلبهم موارد رزقهم. واعتبرت المجلة ان الطوراق بلثامهم الأزرق البراق أو الأبيض يقدمون صورة دعائية جذابة لمنطقة الصحراء الكبرى التي يعيشون بها، لكن هذا الأمر تغير في السنوات القليلة المنصرمة. ففي الوقت الراهن أصابت حركة السياحة في الصحراء الكبرى حالة من الشلل، إذ إن الوضع الأمني السيئ وحوادث اختطاف السياح الغربيين وقتلهم كانت مادة لعناوين الصحف وسبباً في إطلاق تحذيرات من السفر إلى المنطقة. وهكذا سلبت نتائج انتشار الإرهاب في المنطقة أسباب عيش الكثير من الأشخاص في شمال النيجر ومنطقة أغاديس، كما يقول الطوارقي مانو آغالي. ويضيف قائلاً: «يوجد الكثير من الأشخاص هنا، الذين يعتاشون من السياحة كالبائعين والمرشدين السياحيين في المقام الأول. إن ما يُسمى بانتفاضة 2007 ونتائجها كانت صدمة حقيقية بالنسبة لهم. فليس أمام هؤلاء الأشخاص إلا إمكانيات محدودة للعمل في شيء آخر. وأغلب هؤلاء الأشخاص لم يشترك في الانتفاضة أو في القتال. والآن فهم يعيشون في أغاديس من دون أي عمل يُذكر». ولكن من هي هذه الأطراف الفاعلة الأخرى؟ تقول أنه «ينشط في الوقت الراهن في القارة الإفريقية بأسرها الكثير من المتطرفين الإسلامويين من مختلف الأطياف، وفي الأسابيع والأشهر الماضية قامت جملة من هذه المجاميع بأعمال إرهابية. وعلى امتداد منطقة الساحل الإفريقي، من جنوبالجزائر حتى النيجر، نتشر مجاميع صغيرة تابعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي حالة من انعدام الأمن منذ عام 2006. وفي شرق قارة إفريقيا باتت الدولة الصومالية المتعثرة تنتج أعداداً كبيرة من الإرهابيين الإسلامويين، وآخرها الهجمات الدموية في أوغندا، التي باتت مادة للكثير من الصحف. ومنذ خمسة أعوام ينشط مقاتلو جماعة تطلق على نفسها تسمية «طالبان بوكو حرام»، والتي تعني بلغة الهوسا «منع التعليم الغربي». وبين ولاية باوتشي النيجيرية ومنطقة أغاديس في النيجر، والتي تنحدر منها أصول آغالي، تفصل منطقة تمتد على قرابة ألف كيومتر، وتعد أرض حرام يصعب السيطرة عليها. ومن بين الجماعات الإرهابية في النيجر توجد الكثير، التي لا يتكلم أفرادها أي من اللغات المحلية، لأنهم قدموا من آسيا أو من مناطق أفريقية أخرى . لكن مقاتلين محليين التحقوا بهذه الجماعات أيضاً ووظفوا بعد عام 2007 مرة أخرى. آنذاك كانت الدعوة تقول «تعالوا نقاتل من أجل قضية الطوارق!»، بينما كان الأمر يتعلق بتجارة السلاح والمخدرات. أما اليوم فتتم دعوة الأشخاص نفسهم في المنطقة نفسها بعبارة «فلنقاتل باسم الإسلام!». ويشير نفس المصدر ان إفريقيا تعد مكاناً مثالياً لحركة الإرهاب العالمي، لأن القاعدة تلجأ إلى دول مثل الصومال وأفغانستان وباكستان واليمن وتستغل غياب السلطة الناجم عن ضعف الدولة المركزية. وبذلك باتت مناطق واسعة من القارة خارجة عن السيطرة، ومفصولة عن المركز السياسية ومن دون قوات شرطة أو جيش. وهكذا أخذت القارة الإفريقية تصبح مكانا لاحتماء الإرهاب العالمي وقاعدة خلفية له. ومن الأمور اللافتة للنظر هنا هو أن عدد الأعمال الإرهابية هناك يزداد في المناطق التي ينتشر فيها الفقر والتخلف، كشمال نيجيريا على سبيل المثال. فمن السهل في هذه المناطق كسب أنصار لهذه المجاميع الإرهابية ولما كان تدويل العنف هدفاً مركزياً لأسباب متعددة، فقد استفاد تنظيم القاعدة من عوامل جيوسياسية ولوجستية عديدة، لكي يركز نشاطه العسكري في بلدان الساحل الإفريقي، مستغلاً حالة التراخي الأمني الموجودة في المناطق الصحراوية الممتدة في المثلث الحدودي: الجزائر موريتانيا مالي تشاد النيجر. تشهد موريتانيا في السنوات الأخيرة تنامي الهجمات ضد الأهداف الغربية، وهذا ما يفسر قيام «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بعدة عمليات عسكرية، مقتل أربعة من السياح الفرنسيين في مدينة صغيرة تبعد 250 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة الموريتانية نواكشوط في 24 دجنبر 2007، ومقتل رجل أميركي في قلب العاصمة نواكشوط ، كان يعمل مديرا لمدرسة ، يوم 23يونيو ،2009، ، أو فتح جبهات جديدة، ولا سيما في النيجر حيث أسفر الهجوم على مركز عسكري عن مقتل ثمانية أشخاص في 8 مارس ,2010. موضوع «الارهاب في إفريقيا » هيمن على قمة الاتحاد الإفريقي في العاصمة الأوغندية كمبالا يوم 25 يوليو 2010، حيث قال الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني في جلسة الافتتاح: «يمكن بل يجب دحر هؤلاء الإسلاميين»، في إشارة «إلى مقاتلي حركة» الشباب المجاهدين في الصومال » التي تبنت تفجيري كمبالا. وأضاف: «لنعمل معاً على طردهم من افريقيا. ليعودوا إلى آسيا والشرق الأوسط من حيث يأتي بعضهم على حد علمي.». وكانت القمة قد صادقت على إرسال تعزيزات قوامها ألفا جندي إلى قوة الاتحاد الإفريقي المنتشرة في الصومال والتي تعد حاليا أكثر من ستة آلاف جندي بقليل، وحسمت رأيها لجهة توسيع إقرار مهمة دفاعية لهذه القوات، كما أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينغ.وأبدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في رسالة تلاها في كمبالا وزير العدل الأمريكي اريك هولدر «التزامه بمواصلة الدعم الأمريكي إلى الاتحاد الإفريقي وقواته في الصومال»، ورحب بمساهمة أوغندا وبوروندي «البطولية» في تلك القوة. من خلال الوقائع التي تبرز يوما بعد يوم بشأن هذا الملف، ملف الارهاب في افريقيا، يتضح ان القارة مقدمة على صفحات جديدة من الصراعات، بعضها سيكون دمويا . فالقاعدة التي تتخذ لبوسات عدة بالقارة السمراء تسعى الى فتح جبهات جديدة بعد مرور مايفوق من عقد على عملياتها في العديد من مناطق العالم.