الدريوش: قطاع الصيد سجل استثمارات فاقت 930 مليون درهم وخلق 126 ألف منصب شغل    حضور مغربي قوي في جوائز الكاف للسيدات    الحزب الحاكم في البرازيل: المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية    السلطات المحلية تداهم أوكار "الشيشا" في أكادير    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    الذهب يواصل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    استئنافية ورزازات ترفع عقوبة الحبس النافذ في حق رئيس جماعة ورزازات إلى سنة ونصف    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    مقتل 22 شخصا على الأقل في غارة إسرائيلية على غزة وارتفاع حصيلة الضربات على تدمر السورية إلى 68    ترامب ينوي الاعتماد على "يوتيوبرز وبودكاسترز" داخل البيت الأبيض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية        اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    الحكومة تتدارس إجراءات تفعيل قانون العقوبات البديلة للحد من الاكتظاظ بالسجون        منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل القاعدة ترهب دائما ؟

الحيلولة دون وصول طالبان مجددا إلى السلطة في أفغانستان، واحتضانهم مرة أخرى لمجاهدي القاعدة : لأسباب كهاته وأخرى، يقاتل الأمريكي هناك إلى جانب البريطاني والفرنسي. الحرب المشتعلة في هذا البلد، تدعو إلى طرح التساؤل التالي : هل يجب الخوف دائما من القاعدة ؟ وما هي الوضعية الآنية للتنظيم الإسلامي الجذري الذي يقوده المنشق السعودي أسامة بن لادن ؟
عشرون سنة انقضت على إنشاء تنظيم القاعدة بين الحدود الباكستانية الأفغانية، ثم ثمانية سنوات مرت الآن فيما يتعلق بأحداث 11 شتنبر 2001. القاعدة، في طريقها نحو الزوال. فالمختصون يؤكدون «التقلص الكبير»ل «قدرتها العملية».
طيلة عقدين من السنوات، أوحى ودبر تنظيم القاعدة ما يناهز ستين مؤامرة، أربع عشرة فقط حققت أهدافها، يؤكد «مارك ساجمان» (Marc Sageman)، الخبير الحالي والعميل السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، ويضيف : ((تسعة منها، نفذها انتحاريون)). أستاذ العلوم السياسية، «جان بيير فيليو» (Jean Pierre Feliu) ، يصرح بأن «الأجهزة المخابراتية المضادة للإرهاب، أقامت ميدانيا وسائل للاستنفار، يبدو بأنها اشتغلت جيدا».
تنظيم القاعدة تم دحره في أفغانستان والسعودية،وضعفت شوكته بالعراق ثم عجز عن التجّذر في فلسطين، أجبر على الانتشار داخل مناطق للعمليات هامشية أكثر، مثل الساحل، الصومال، اليمن، باكستان. وحسب، فيليو Filiu دائما، من الضروري، أن تتواصل مطاردة «بن لادن» لأن القضاء عليه وكذا مساعده «أيمن الظواهري» يعني «الموت النهائي للتنظيم». في حين، لا يتفق «مارك ساجمان» (Marc Sageman)، على احتفاظ «الأمير الأعلى» بدور مركزي، كما أن الحرب الدائرة في أفغانستان من أجل القضاء على تنظيم القاعدة «لا معنى لها».
I أحداث 11 شتنبر 2001، ذروة تنظيم أسامة بن لادن :
هل مثلت هجومات 11 شتنبر منذ ثمانية أعوام، أوج تنظيم القاعدة؟ الحركة الجهادية غير الشرعية، والتي لا تستفيد من دعم أي دولة منذ سقوط طالبان الأفغان سنة 2001، تعتبر مغامراتها غريبة. عجز زعيمها أسامة بن لادن، عن إرسال فريق مسلح آخر، خارج مراكز التنظيم بمنطقة وزيرستان الباكستانية، لتكرار سيناريو الهجوم المثير والدموي، مثلما حدث في نيويورك، وواشنطن سنة 2001، على الرغم من انتشار أفكار تنظيم القاعد وبروز آلاف المحاربين منذ ثمانية سنوات وتحولهم إلى جهاديين. مات الكثير منهم، وبعضهم لازال يقاتل، بالتالي فالعالم أبعد من أن يعيش في مأمن عن الجهاديين أصحاب الفكر الكلياني الذين يحلمون بخلافة كونية.
على وجه الإطلاق، ترتبط مغامرة تنظيم القاعدة ومستقبله، بطبيعة أجوبة خصومه وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. ردود فعل، غريبة وانفصامية. هكذا، منذ نهاية سنة 2001، أسس التنظيم من جديد قواعده بوزيرستان، ثم انتقل نهاية سنة 2001، أسس التنظيم من جديد قواعده بوزيرستان، ثم انتقل المجهود الحربي إلى أفغانسان والعراق. هاته العمليات العسكرية داخل بلدان، حيث استبعد تنظيم القاعدة منها (أفغانستان)، أو لم تعد له أهمية (العراق)، أدى بامتياز إلى خلق جهاديين، أكثر من استئصاله. على النقيض، الصراع ضد الإرهاب الكلاسيكي، حقق نجاحا. فالجهاديون، المسؤولون عن أحداث 11 شتنبر، قتلوا أو اعتقلوا. بالرغم، من انتصار بعض الجماعات المسلحة المستلهمة لتنظيم القاعدة كما حدث يوم 11 مارس 2004 بمدريد أو 11 يوليوز 2005 بلندن، تمكنت البلدان الغربية من حماية نفسها، فقد أحبطت مجموعة محاولات، ولا يستطيع أي بلد البقاء في منأى عن اعتداء محتمل، غير أن العمل الدؤوب لأجهزة المخابرات والشرطة، أسفر عن نتائج جيدة.
ولكي تستمر في توسيع رقعة أفكارها، قررت الإدارة المركزية لتنظيم القاعدة منح شعلتها، لحركات إسلامية أخرى مسلحة. فبعد فشلها في بلد الحرمين (العربية السعودية)، حيث عجزت حقا عن التوطد داخل الموطن الأصلي ل بن لادن، فإن فريقان «تمتعا بالامتياز»وحققا نجاحا مهما. المجموعة الأولى، تسمى «التوحيد والجهاد» برئاسة الجهادي الأردني «أبو مصعب الزرقاوي»، والتي شهدت اندفاعا مذهلا بعد أن أصبحت «القاعدة في بلاد الرافدين». اغتالت سنة 2003 «سيرجيو فييرا دو ميلو» (Sergio vieira de mello)، المشرف على الأمم المتحدة ببغداد، ثم مع توالي الاعتداءات والاختطافات أصبح فريق الزرقاوي العدو الأساسي للحكومة العراقية الشيعية وحلفائها الأمريكيين، وتمكن في فترة ما من السيطرة على عمق حرب العصابات السنية ب الفلوجة. ولم يتراجع نفود تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، إلا بعد مقتل الزرقاوي سنة 2006، ومجيء الجنرال الأمريكي «دافيد بيترواس»
(David Peatraeus) إلى بغداد سنة 2007، فهيأت الولايات المتحدة الأمريكية انقلاب حرب العصابات السنية ضد الجهاديين الأجانب.
الفريق الثاني، يتمثل في «المجموعة السلفية للدعوة والقتال»، بزعامة الإسلامي الجزائري «عبد المالك درودكال» والتي استعادت قدرتها على التحرك بعد أن اتخذت اسم «القاعدة بالمغرب الإسلامي». اتصل «درودكال» عبر الزرقاوي» بتنظيم القاعدة وهو يأمل في الحصول على صفة «أمير» القاعدة بالمغرب والصحراء. تمكن، من ضرب العمق الجزائري، لكن واجهته مشكلات أساسية مثل ضعف عدد مقاتليه إضافة إلى عجزه عن تحقيق الهدف الأساسي الذي سطره زعماء القاعدة : فرنسا.
خارج إقليم وزيرستان، لا يسيطر تنظيم القاعدة على أية منطقة. يعيش بن لادن، مختفيا مطاردا، منقطعا عن العالم، بصحبة مساعده المنظر الإيديولوجي الإسلامي المصري «أيمن الظواهري». سيبثان، خطاباتهما كتابة أو صوتا ومن خلال شرائط فيديو أو عبر مواقع الانترنيت، لكن لا أحد يعلم مستويات سيطرتهما على الحركة الجهادية. بل، عجزا حتى عن القيام بعمل مأثور بالقرب من مركزهم بباكستان أو أفغانستان. فداخل هذان البلدان، يقود المعركة الطالبان الباشتون، حيث يرتبط بعضهم بتنظيم القاعدة، في حين ينفصل آخرون عنه. لا نعلم، طبيعة سيطرة بن لادن والظواهري، على معسكرات الجهاديين الأجانب، الذين يتواجدون ب وزيرستان سواء كانوا سعوديين، مصريين، أردنيين، يمنيين أوزبيكيين.
في الواقع، بعد أن توفق تنظيم القاعدة في ضربة 11 شتنبر، قاده حظه إلى أن يجد نفسه أمام إدارة أمريكية (بوش، شيني، رامسفيلد) هيمن عليها بإلحاح هاجس العراق وصدام حسين. لذا، فإعلان الحرب عن بلد لا صلة له بحركة الجهاد الدولي، مع تقديمها لانطباع بأنها تشن الحرب على المسلمين والإسلام، جعل واشنطن تهيئ خدمات للتنظيم، تتجاوز طبعا أكثر طموحات «بن لادن» جنونا، فصار بالتالي «الشيخ» المطلق للجهاديين الدوليين.
يعود نجاح «بن لادن» إلى عدم فهم للموقف الأمريكي بعد أحداث 11 شتنبر. عرف تنظيم القاعدة شعبية داخل المساجد الخليجية والمدارس الدينية الباكستانية، وضواحي القاهرة، أو تجمعات دور الصفيح بالدار البيضاء. على هذا النحو تقريبا، تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفضل حليف للقاعدة.
منذ تسلم باراك أوباما للسلطة بالبيت الأبيض، حاول مخالفة الاتجاه بالسحب التدريجي للجيش الأمريكي من العراق، وعبر عن رغبته لإعادة تركيز حربه ضد تنظيم القاعدة. وقد ألقى خطابا بالقاهرة يوم 4 يونيو، أعلن فيه نفيه لقيام أية حرب سواء ضد الإسلام أو العالم الإسلامي، رفع من وتيرة الضغط على باكستان، كي تكثف حملة القصف-تشنها طائرات عسكرية بدون طيارين-التي ابتدأت أواخر فترة بوش، كما حرض الجيش الباكستاني على اقتحام معاقل الجهاديين.
قرر أوباما أيضا، مضاعفة المجهود الحربي بأفغانستان، البلد الذي انتفى منه كل أثر لتنظيم القاعدة منذ نهاية 2001. القياس الأساسي في هذا الإطار، إذا استلم الطالبان ثانية مقاليد السلطة، فسيصاحبه عودة لرفاقهم في تنظيم القاعدة، احتمال، وليس بالشيء اليقين. حاليا، الحرب الأفغانية، تساهم خاصة في ازدياد عدد المقاتلين الأعداء.
II ملاذ وزيرستان :
«طورا بورا»، تحت نيران قصف المقاتلات الأمريكية (B-52)، نهاية وبداية في الآن ذاته. ففي شهر دجنبر 2001، شرعت القوات الدولية، وبدعم من ميليشيات العشائر، في القيام بعملية «تنظيف» لكهوف الكتلة الجبلية الممتدة في الغرب الأفغاني، والتي يفترض بأن القيادة العامة لتنظيم القاعدة المنهزم، قد عثر هناك على مخبأ. إنها، حتما نهاية عهد، كان الجهاد الدولي بزعامة بن لادن، قد جعل من أفغانستان طالبان، دولة - معبد، ونقطة انطلاق لهجومات 11 شتنبر ثم غارات أخرى قبلها.
لكنها أيضا بداية، اشتغال تشكل جديد، من خلال صيغ أخرى وفي مناطق مختلفة. «طورا بورا» فارغة أو تقريبا. لأن، آلاف مقاتلي تنظيم القاعدة، استغلوا الوقت لاجتياز الحدود القريبة جدا مع باكستان. ثم، تجمعوا ثانية في واد «شوال» شمال وزيرستان الباكستانية عند القبائل المتمردة دائما. بعد، العبور، سيظهرون داخل الحواضر الآهلة بالسكان ل «بلد الطاهرين».
شيء ما، عودة إلى المنابع والتلاقي من جديد، مع بلد احتوى قبل ذلك سنوات 1980 المجاهدين الأفغان إبان حربهم ضد الروس. شكلت باكستان إذن، ولاسيما الشريط الحدودي الباشتوني، بوْتقة إسلام راديكالي، حينما دشّن أسامة بن لادن وظيفته لنصرة الجهاد. لكن الأزمنة تغيرت، والدولة الباكستانية التي سلحت ودعمت ماليا المنشقين من أجل محاربة الشيوعية بنا على توجيهات المخابرات الأمريكية، ستنقلب هاته المرة لملاحقة الناجين من «طور بورا».
في هذا الإطار، مارس العرّاب الأمريكي ضغطا رهيبا على الجنرال «بيرفيز مشرف». كان ذلك، مأزقا قاسيا بالنسبة ل «إسلام أباد». أدت «واشنطن» فورا واجبها كاملا، فألغت ديون باكستان مع رد الاعتبار لها دبلوماسيا بعد فترة إقصاء بسبب طموحاتها النووية. إلا أن، الانقياذ وراء أوامر جورج بوش ينطوي على خطورة سياسية، مما دفع المعارضة الباكستانية إلى مواجهتها بشدة، فضلا عن تردد المخابرات العسكرية السرية ومعها الاستعلامات الباكستانية (ISI)، في التضحية بمجاهدين «يحرسون» المصالح الجيوبوليتكية لباكستان ولاسيما في صراعها مع الخصم الهندي.
إنها لحظة، المراجعات المؤلمة. لقد صمم «مشرف» على التعاون مع واشنطن، والثمن الواجب تسديده، كي يظل وازنا نسبيا على المسرح الأفغاني، بالتالي، كان عليه تقديم التزامات لأمريكا. أثناء، المرحلة الأولى (2002-2004)، امتدت «الحرب ضد الرعب» إلى المدن الكبرى، بعيدا عن المناطق القبلية، أسفرت عن اعتقال عناصر قيادية في تنظيم القاعدة : أبو زبيدة، رمزي بن شيبا، خالد الشيخ محمد، مصطفى أحمد حوصوي، نعيم نور محمد خان، أحمد غيلاني، أبو فرج الليبي. أطر عليا قادة ميدان، محاسبون، خبراء إعلاميات لعبوا دورا أوليا في مجموعة عمليات نفذها تنظيم القاعدة، ومن بينها التحضيرات لأحداث 11 شتنبر (خالد الشيخ محمد).
الغنائم ثمينة، غير أن بن لادن وذراعه الأيمن أيمن الظواهري، في حالة فرار دائمة. إنكار «مشرف» لتواجدهما داخل باكستان، يثير الارتياب لدى المخابرات السرية الأمريكية. كيفما هو الأمر، ظهر سنة 2004 بإقليم وزيرستان (شمالا وجنوبا)، طوق قبلي، في منطقة مضطربة يحيط بالحدود مع أفغانستان. وتحول ثانية إلى ملاذ مثلما كانت لحظة الحرب ضد الروس. منطقة شبه مستقلة، ومأهولة بقبائل الباشتون المتمردة، بحيث عجزت كل القوى عن معرفة كيفية إخضاعهم، بما في ذلك بريطانيا خلال القرن 19.
بعد التشتت الكبير، نهاية سنة 2001، تمكن الطالبان وحليفهم تنظيم القاعدة، من إعادة تجميع قواتهم بالاتصال مع قيادة الطالبان المنسحبة نحو «قيطا» مركز البالوتشيستان الباكستاني. جهاز الاستخبارات الباكستانية، (ISI) يدرك تماما بأن الملا عمر الوجه الوصي عن النظام الأفغاني المنهار، يتولى عرش هاته الشورى السائدة ب قيطا، إلا أن الأوامر تؤكد على عدم إزعاجه. تتوخى، إسلام أباد استعادة جزء من تأثيرها التاريخي على الحركة، كي تواصل لعب دور في أفغانستان.
سنة 2003، أبعد «حطّاب» عن رئاسة التنظيم بسبب اختلاف وجهات نظره مع رفاقه، ليخلفه «أبو إبراهيم نبيل الصحراوي» والذي سيقتله الجيش الجزائري في صيف 2004. حل محله، «درودكدال» وقد اختار اسما حربيا دالا، يعبر عن انخراطه في الجهاد : أبو مصعب عبد الودود، أي إحالة على «الزرقاوي» قائد تنظيم القاعدة الشهير، الذي لقي مصرعه سنة 2006 بالقرب من بغداد. الاسم أيضا،، يذكرنا بأحد أصحاب النبي محمد.
بعث، «درودكال» 200 جزائري، كي يقاتلوا في العراق، وتوجيه الصراع خارج الجزائر، دون أن يعني الأمر التوقف عن محاربة النظام القائم محليا. أحرز على وعد من قبل حركة أسامة بن لادن يقتضي بإمكانية إدماجه، لكن وفق بعض الشروط. ثم سيعمل في السنة الموالية على تنظيم صفوف «الحركة السلفية للدعوة والقتال». يوم 11 شتنبر 2006، أعلن أيمن الظواهري عن ولاء وتبعية «الحركة السلفية للدعوة والقتال». وشهريناير 2007، أمر أسامة بن لادن بتغيير اسم «الحركة السلفية للدعوة والقتال» إلى «القاعدة في بلد المغرب الإسلامي». هكذا، بدأت بلاغات «أبو مصعب عبد الودود» أو «درودكدال» سابقا، تصدر تحت عنوان : «أمير القاعدة في بلد المغرب الإسلامي»، تختصره الصحافة من باب السهولة إلى : «القاعدة بالمغرب الإسلامي».
IV العراق : تنظيم القاعدة أصابه الضعف، لكنه مميت دائما
بعد الآن « ما يقارب 2000 في مواجهة 3800، حتى نهاية 2007». صرح، بداية شهر أبريل ضابط أمريكي إلى «نيويورك تايمز». فمنذ، موت أميرهم المؤسس، الأردني «أبو مصعب الزرقاوي» جراء قصف أمريكي مركز صيف 2006، تعرض أتباع «أسامة بن لادن» لهزات قوية أفقدهم مئات المتطرفين وكذا قادة محليين.
لقد تسببت وحشيتهم وطموحاتهم للتسلط على القبائل العربية السنية إلى تدمير في صفوف عدد كبير من الخلفاء المحليين، فانقلبوا عليهم. على امتداد سنتين، وبعد خلق مليشيات الصحوة المنظمة والممولة من قبل الأمريكيين حتى هذه السنة، فقد انتفى لديهم كل إرساء إقليمي. تخلصت من سلطتهم جميع أحياء بغداد وقراها بالأنبار، ثم مقاطعات عراقية أخرى : ((بالاعتماد على لجان الصحوة المتواجدة في كل مكان، حوصر تنظيم القاعدة داخل بلدنا))، يؤكد يوم 11 نوفمبر 2008، «عبد الكريم خلف» الناطق الرسمي باسم وزير الداخلية العراقي، ويضيف بتهور حقيقي، ((إنهم عاجزون عن التحرك)). رأي يشاطره الجنرال الأمريكي «دافيد بيركينس» (David perkins)، المتحدث بلسان المجندين : ((تمكنّا من القضاء على فاعلين أساسيين داخل تنظيمهم، وأصبح آنيا أكثر صعوبة بالنسبة إليهم القيام بهجومات. أما، ما يقومون به فلم يعد يشكل خطرا مميتا)). كان ذلك، في وقت ظن العراق بأنه تخلص من المأزق. بعد، سنتين من المذابح الطائفية، أودت بحياة عشرات آلاف القتلى سنتي 2006 و 2007، في ظل الحرب الأهلية التي استطاع الزرقاوي إشعال فتيلها بين الأقلية السنية وأغلبية شيعية وصلت حديثا للسلطة،ثم توقفت نظرا للإنهاك الذي أصاب الطرفان. مع مطلع سنة 2008، دعا الوزير الأول العراقي «نوري المالكي» بشدة إلى عودة السيادة الوطنية، وتفاوض مع واشنطن أواخر السنة ذاتها، بخصوص انسحاب منتظم. الشيء، الذي قبلت به أخيرا إدارة بوش على الرغم من عدم تحقيق «انتصار مطلق» كما كان مطمحها سنة 2003. خروج تدريجي لأفراد الجيش الأمريكي، البالغ تعداده 130.000 عسكريا، حتى نهاية 2011. كان ذلك منذ عشرة أشهر، أي ما يمثل أبدية في العراق.
بين شهري فبراير ومارس 2009، ظهر كما لو أنه من الضروري العودة إلى نقطة البداية، حيث تضاعفت المحاولات التي تحمل توقيع تنظيم القاعدة أو نسبت إليه. ثلاث هجومات انتحارية متزامنة بمدينة بغداد يوم 23 أبريل، خلفت 80 قتيلا و 200 جريح. أما، بمدينة الصدر، الضاحية الشيعية الضخمة داخل العاصمة فقد ترتب عن حادث آخر، مقتل 51 شخصا، يوم 29 أبريل. ثم، توالت العمليات الدموية، طيلة الشهور اللاحقة. وفي تصريح صادر شهر يوليوز الماضي، عن وزير الصحة المكلف بإحصاء الموتى، يقول فيه : ((لم نعثر إلا على 224 قتيلا مدنيا، قياسا لشهر يونيو،حيث بلغ العدد آنذاك 373)). بمعنى ثان، الوضع أفضل. لكن، الأسوأ هو ما سيأتي، فقد اعتبر شهر غشت الأكثر عنفا منذ سنة، بعد تصفية 456 عراقيا. سيارات مفخخة استهدفت الشيعة بالموصل يوم 7 غشت، وشاحنتان تنفجران ضد شيعة آخرين من أصل كردي يوم 10 غشت على مقربة من المدينة ذاتها. ثم، شاحنان ممتلئتان بالمتفجرات سيملأ دويهما قرية بجوار الموصل دائما، المدينة العراقية الثالثة تقطنها قبل مجيء الإسلام طائفة صغيرة تسمى اليازيديين.
متمركزون، بشكل كبير شمالا في مناطق تتميز، بساكنتها المختلطة، فإن، «آخر المجاهدين»، كما تسميهم قيادة الجيش الأمريكي منذ أكثر من سنة، أخذوا يهتمون فيما يظهر، باستغلال نزاعات سياسية، قد تقود إلى حنق بين الأغلبية العربية والأقلية الوطنية الكردية التي تريد توسيع إقليمها الذاتي ومواردها البترولية، وبالفعل، نتج عن ذلك تبادل الطرفان لاتهامات جسيمة.
يشير جنيرال أمريكي إلى احتمال وقوع حرب «عربية كردية»، وهي اليوم : «أخطر تهديد يواجهه العراق». صب تنظيم القاعدة كل زيته على النار، هاجم عربا شيعة وأكراد سنيين ثم المسيحيين. لكن ما العمل ؟ لم ينجح قط في إثارة النزاع الجديد، المرتبط بصراع الإخوة كما كان يطمح إليه. لأحدهم إذن، فكرة بديلة قابلة لأن ترفع شأن تنظيم القاعدة، بين مختلف أعداء الحكم الفيدرالي الشيعي.
الأربعاء 19 غشت، حلت الذكرى السادسة للعملية التي نظمها الزرقاوي ضد مقر الأمم المتحدة ببغداد، شاحنتان تحملان طنان من المتفجرات، تتجه إحداهما صوب وزارة المالية، بينما الثانية تستهدف وزارة الخارجية، وهي على بعد 5 كيلومترات من الوزارة السابقة. على الساعة الحادية عشر، سمع انفجار، أتى على حياة ثلاثين شخصا. ثلاثة دقائق بعد ذلك، حطمت الشاحنة الثانية قسما كبيرا من هدفها، المجاور مع ذلك ل «المنطقة الخضراء» الشهيرة والمتميزة بتحصيناتها الأمنية. تنظيم القاعدة الذي أعلن مسؤوليته عن هذه العملية بعد مرور ستة أيام، تمكن من ضرب عمق السلطة العراقية ذاته. الحصيلة، 101 قتيلا وما يقارب 600 جريحا. لكن، بالتأكيد أصيب التنظيم بالضعف،ولم يعد بوسعه الانتشار من جديد إقليميا، شبكاته المساندة دمرت بشكل واسع، إضافة إلى أن جل الداعمين سياسيا ودينيا وسط الطائفة السنية تم الاستدلال عليهم مما أدى إلى اعتقالهم والقضاء عليهم أو إبعادهم. لكنه، أثبت قدرته على أن يضرب مرة أخرى.
أول ضحية سياسية لتنظيم القاعدة، الوزير الأول ذاته. قوي بالنتائج التي حصل عليها سنة 2008، مع تراجع نسبة ضحايا الحرب إلى %80، رغم أنها لا زالت مستمرة لكن بكيفية «مضبوطة أكثر». توصل المالكي، إلى تأكيد يوم 30 يونيو، بخصوص انسحاب كلي لمختلف وحدات الجيش الأمريكي، المتواجدة في أرجاء العراق. منذ ذاك الحين، فإن جنود الأطلسي، آخر ممثلي «ائتلاف» يضم قوات بريطانية إلى جانب قوات أخرى، أخلوا مواقعهم كي يعودوا إلى قواعدهم، ولا يمكنهم العودة للجبهة إلا بطلب من الحكومة العراقية.
بشكل سابق لأوانه، اعتبر المالكي إعادة الانتشار هاته مثل»انتصار عظيم» فأمر بإزالة التحصينات المضادة للقصف، المنتشرة في بغداد، محتفيا بزعمه المبالغ فيه كونه قد اهتدى ثانية إلى قوات الأمن العراقية، مدافعا عن سمعته الذاتية بأنه صانع للأمن. بالتالي، إعادة التصويت عليه في الانتخابات العامة لشهر يناير 2010.
غداة الكارثة، تراجع الجميع ! ألغى المالكي أمره المتعلق بالانتهاء من الجدران، كما عمل على توقيف عشرات الأشخاص أصحاب البذلة العسكرية، الذين سمحوا بمرور الشاحنات إما بسبب اللامبالاة أو لتقاضيهم رشاوي. ثم، دشن المالكي أزمة دبلوماسية مع سوريا المتهمة بعجزها عن القيام بأي عمل لصد قدماء البعثيين أنصار صدام حسين، المتواجدين فوق أرضها، ويشتبه كثيرا في تعاونهم مع الجهاديين.
لقد انتصرت شبكة أسامة بن لادن : ست سنوات، بعد تجلياتها الأولى بالعراق تزامنا مع الغزو الأنجلو أمريكي، لا يزال من الضروري أخذها بعين الاعتبار.
V تنظيم القاعدة بالمغرب، الطموح مهاجمة فرنسا
يعتبر أولا، تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، نسخة عن حركة أسامة بن لادن، غير أن الوضع لا يقف عن هذا الحد. فمع مرور الوقت، يصعب الادعاء، بأن الأمر يتعلق ب «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» سابقا، وقد تقمصت الآن أشكالا جديدة، كما تقول السلطات الجزائرية.
سنة 2005، قررت هذه الجماعة الانقلاب نحو فلك تنظيم القاعدة، لكنها احتاجت إلى سنتين قصد الوصول إلى أهدافها. ففي حقبة تسمية «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، آخر زمرة إرهابية جزائرية فاعلة، وجدت نفسها في مواجهة ضغط قوي. مع بداية سنة 2004، اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، بإعطاء تعاونهما الأمني صيغة رسمية، كما أن مقترحات العفو التي تقدمت بها السلطة الجزائرية أخلت الأدغال، مما أدى إلى استنزاف في عدد مقاتلي «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بزعامة عبد المالك درودكال أو «مصعب عبد الودود». سنة 2003، خرج من صفوف الحركة مؤسسها «حسن حطاب»، بعد رفضه لوجهة نظر رفاقه، الذين كشفوا عن رغبتهم لإعطاء صراعهم بعدا دوليا، وبشكل خاص حقهم في الذهاب إلى العراق من أجل محاربة الأمريكيين. لذا، ووفق مبدأ أغلبية الأصوات، اضطر «حطاب» إلى تقديم استقالته وحل محله «أبو إبراهيم» المعروف ب «نبيل الصحراوي». هذا الأخير، قتل سنة 2004 بعد عملية للجيش الجزائري. فأوكلت مهمة القيادة، إلى «درودكال»، البالغ من العمر آنذاك 36 سنة، وصاحب تكوين علمي، أهله للتخصص في صناعة المتفجرات، فترة التحاقه ب «الجماعات الإسلامية المسلحة» (GIA).
الحروب التي يقودها الأمريكيون في أفغانستان والعراق، دفعت بالإرهاب الجزائري إلى امتطاء الحصان ثانية وتمثله لأهداف جديدة. تنظيم القاعدة بدوره، يبحث عن استراتيجية مغايرة، ويرى في المغرب: «حوض سمك لتغذية وحداته» كما جاء على لسان «محمد ضريف» جامعي مغربي ومهتم بالإسلام الراديكالي. سنة 2005، حين اختطف ديبلوماسيان جزائريان يعملان بالعراق، انتهزت الفرصة «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» كي تعلن عن ولائها لقائد تنظيم القاعدة بالعراق، أبو مصعب الزرقاوي، بل رحب «درودكال» بقتل الرهينتين. على امتداد سنة 2006، أخرجت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» كل ما في جعبتها حتى تكون عند حسن ظن تنظيم القاعدة، والذي ظل محتفظا بجوابه حول طلب الإدماج، إلى غاية شهر يناير 2007، حينما سلمه رسميا قميص المحارب تحت يافطة تسمية : [القاعدة في بلد المغرب الإسلامي].
سنة 2007، يقدم المستقيم الجديد دليل تصديقه. في شهر أبريل، شهدت كل من الدار البيضاء والجزائر العاصمة، عشرات المحاولات الانتحارية، وفق الأسلوب «العراقي» غير المألوف بالمغرب. ثم شهر دجنبر، هزت الجزائر موجة هجمات اقترفت هذه المرة ضد مقر الأمم المتحدة والانتربول، وقد كان الصدى الإعلامي جليا. كما، اغتيل في الوقت ذاته أربعة فرنسيين بموريطانيا يوم 24 دجنبر، أكد «تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي» مسؤوليته عن الحادث.
سنة 2008، طرح « درودكال» استراتيجية لإعطاء جماعته بعدا عالميا.جدد، أغلب ضباطه وكذا قادة المناطق العسكرية وعين مكانهم آخرين شباب، أسر رهائن نمساويين جنوب تونس، ثم كنديين وألمانيين وسويسريين بالنيجر، مع تصعيد عملياته المناوشة في كل مكان تقريبا. غايته التحول إلى القوة المعارضة الأولى ببلاد المغرب، ذلك ما قاله بوضوح ل «نيويورك التّايمز» عبر حوار أجرته معه شهر يوليوز 2008. يسعى في إطار خططه الحربية، أن يتجنب قدر ما يمكنه ذلك خلق ضحايا بين المدنيين المسلمين. تشكل قوات الأمن أهدافه الأولى داخل الجزائر، ثم تظل فرنسا عدوه الرئيسي بجانب الولايات المتحدة الأمريكية. أما، عن مصادر تمويل «تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي»، فقد استندت لفترة طويلة على الابتزاز والتهريب ثم اللصوصية (وبشكل خاص، على امتداد الحدود المغربية الليبية، الموريطانية). لكن، مع نهاية 2008 تمكن من الحصول على إيرادات وافرة عن طريق اختطاف الرهائن الغربيين مما خول له ثروة حقيقية. حتى يومنا هذا، لم ينفذ حكم الموت إلا في حق رهينة واحدة، وبالضبط بريطاني خلال شهر ماي 2009 بدولة مالي، حينما رفضت لندن تأدية الفدية المطلوبة.
أين يتواجد، « درودكال» اليوم ؟ على وجه الاحتمال، بمنطقة «القبايل» في قلب أدغالها التي يعرفها أيضا أفضل من قوات الأمن الجزائرية، حيث يختفي هناك منذ ستة عشر سنة.
لما تبوأ باراك أوباما، مقاليد السلطة بالبيت الأبيض وإعلانه انطلاق مسلسل انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى غاية نهاية 2011، وجد درودكال صعوبات أمامه لاستقطاب وتجنيد المتطوعين : ((أوباما من أصول إسلامية، فلماذا نحاربه؟ ولما تكلم الرئيس الجديد في خطابه بالقاهرة عن «الاحترام المتبادل» فقد عمق الحيرة السائدة)) يشير بهذا الصدد، «ماثيو غيدير» Matthieu Guidère)) باحث مختص في شؤون «تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي».
بدون شك، من الضروري أن نضعه في الحسبان ولفترة طويلة. لقد انتقل ثقله أخيرا من المغرب إلى الساحل، والمجندون الجدد هم بالأحرى موريطانيون وماليون مقارنة مع المقاتلين المنحدرين من الجزائر. ربما، لأنه في الجنوب، لا زال بإمكان تنظيم القاعدة الكشف عن جاذبية الجدة.
VI فلسطين أرض منيعة
في أول بيان عمومي لأسامة بن لادن رسالة مفتوحة إلى «بن باز»، المفتي الأول للعربية السعودية شهر دجنبر 1994 أبرز بأن إعادة استرجاع فلسطين يندرج في قلب حركة الجهاد : ((الواجب الشرعي اتجاه فلسطين، يرتكز على القيام بالجهاد في سبيل الله، وتحفيز الأمة على الجهاد إلى أن تتحرر فلسطين كليا وتعود إلى السيادة الإسلامية)). لكن، بن باز، أعلى سلطة دينية بالسعودية، اعترف باتفاقيات أوسلو التي وقعت شهر شتنبر 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. موقف المفتي، اعتبر «خيانة»، فأضحت القضية الفلسطينية ملازمة لبيانات بن لادن وكذا إيديولوجي تنظيم القاعدة. مع ذلك، هذا الأخير لم يضرب قط الأرض الفلسطينية أو تأتّي له الوصول إليها، فالمواجهة ارتبطت أساسا بالجماعة الفلسطينية أو حزب الله اللبناني. جماعات لم تحصل أبدا على استحسان تنظيم القاعدة، بل وتعرضت لانتقادات حادة من قبله.
حركة أسامة بن لادن، التي أظهرت قدرتها على تحقيق إنجازات في الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، عجزت مع ذلك، عن التجذر عسكريا وإيديولوجيا داخل المنطقة المناسبة، المجاورة لفضاءات الصراع. إذن المفارقة واضحة، فقبل الرسالة المفتوحة الموجهة إلى مفتي العربية السعودية، لم يظهر بن لادن أي اهتمام بمصير فلسطين، حيث تمركزت مجهوداته على الأرض الأفغانية. واستمر التصور بعد حرب الكويت سنة 1990ضد الحضور العسكري الأمريكي بالعربية السعودية. من جهتهم أيضا، غاب كل حضور للقضية الفلسطينية لدى كبار إيديولوجي الجهاد فالهاجس الأساسي للمصري «أيمن الظواهري»، هو بلده. أما الفلسطيني عبد الله عزام (اغتيل في بيشاور سنة 1989)، فقد تخلى بسرعة عن صفوف المقاومة الفلسطينية، لأنه يرفض نزوعها اللائكي والوطني.
شكلت سنة 1994، لحظة القطيعة. في فصل الربيع، جرد النظام السعودي بن لادن من جنسيته وجمد ممتلكاته. ثم، نفي إلى السودان، حيث سعى هناك إلى إعادة تأسيس قاعدة للجهاديين، وتعددت رسائله إلى مستمع مسلم تزداد أعداده . تحتل القضية الفلسطينية موقعا خاصا في قلوب الجماهير العربية. لذا فالكلام البلاغي عن فلسطين يعبئ خاصة الأجيال الشابة، التي تفتقد لعلامات موجهة.على سبيل التوضيح، فأثناء النزاعات العسكرية سنة 2007.
داخل الأراضي اللبنانية بين إسلاميي المخيم الفلسطيني «النهر البارد» مع الجيش اللبناني، فإن بعض الجهاديين أغلبهم عرب أتوا من خارج فلسطين، اعتقدوا بحتمية القتال بجنين الفلسطينية.
عارض بن لادن دائما وبشكل عنيف الأطروحات الوطنية الاشتراكية التي استندت عليها لفترة طويلة منظمة التحرير الفلسطينية. أما، حركة حماس، الوريث الفلسطيني لمجموعة الإخوان المسلمين التي يبغضها الجهاديون فهي بالفعل حركة إسلامية راديكالية، لكنها أولا حركة وطنية. حزب الله، الشيعي يمقت تنظيم القاعدة (والعكس صحيح) ويراقب بشكل دقيق تحركاته داخل الساحة اللبنانية. أخيرا، تتجلى القضية الفلسطينية بين ثنايا الجهاد الدولي مثل غاية مجردة، وقبل كل شيء كوسيلة فعالة من أجل الاستمالة أو كسب التعاطف.
VII الصومال، خيبة الأمل
الكبرى
سعى أسامة بن لادن، في رسالة صوتية أذيعت شهر مارس، إلى التذكير بما يلي : تتموقع الصومال ضمن الخنادق الرسمية لحربه. ثم في رسالته الأخيرة، شجع «أبطال الصومال» على القتال وبالضبط أن يقلبوا بالقوة نظام الحكم، القائم هناك على رأس السلطة الانتقالية، بزعامة «الشيخ شريف أحمد» المنحدر من الحركة الإسلامية الصومالية، مما يكشف عن مشاكل عميقة في القرن الإفريقي لتنظيم القاعدة، رغم أنه، وعد منذ عشر سنوات بتحويله المنطقة إلى إحدى مواقعها المحصنة على مستوى إفريقيا.
تاريخ قديم، ل بن لادن، داخل الصومال الذي انهارت دولته عام 1991. ففي سنة 1993، بعث تنظيم القاعدة برجاله إلى هذا البلد، بالتالي كان الإخفاق ينتظر المبادرة التي تقودها الأمم المتحدة عسكريا وإنسانيا. في تلك الفترة، كان بن لادن يستقر بالسودان. خمسة عشرة سنة بعد ذلك، تبدو الحصيلة ضعيفة، حفنة مسؤولين ترتبط مباشرة بتنظيم القاعدة مثل «فاضل عبد الله محمد»، (جزر القمر)، قاموا بتنفيذ الاعتداءات الإرهابية ضد السفارتين الأمريكيتين بنيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) شهر غشت 1998، ثم محاولة استهدفت إسرائيل بمدينة مومبازا الكينية سنة 2002، وقد استفادوا من دعم لوجستيكي وملجأ آمن بموقاديشو، في ظل حماية الصوماليين.
نظمت الولايات المتحدة الأمريكية، هجومات استهدافية، ابتغاء تصفيتهم (قصف انطلاقا من سفن حربية وجوي بالخصوص). لكن، وكما أوضح لنا خبير أمريكي مهتم بشؤون محاربة الإرهاب : ((هناك على الأرجح، عناصر قليلة تنتمي لتنظيم القاعدة بموقاديشيو، مقارنة مع مدن خليجية أخرى)).
من بين الفرق التي تخوض حاليا حربها ضد السلطة الانتقالية الصومالية، نصادف جماعة «حركة الشباب»، القريبة جدا من الوجهة الإيديولوجية لتنظيم القاعدة. وقد حصلت سنة 2009، على دعم مقاتلين أجانب قدموا من العراق وأفغانستان.
مع ذلك، لم ينجح «أسامة بن لادن» في توحيد المشهد التمردي الصومالي، ولو أمكن إقامة مجموعة جسور لنقل المعلومات أو التقنيات. حينما، اتصلنا بأحد عناصر «جماعة الشباب»، متخصص في صناعة المتفجرات، أكد لنا بأنه قد توجه إلى أفغانستان قصد تطوير معرفته بالمهنة.
يقول «ميكيل وينستاين» (Michael Weinstein)، أستاذ العلوم السياسية ومنكب على الموضوع الصومالي : (( تبدو «الشباب» خاصة، حركة صومالية تقتسم مع تنظيم القاعدة إيديولوجيته الدولية، وتدعي ذلك علانية. طبعا، التواصل الإيديولوجي، لا يعني أبدا ترابطا عمليا)).
الدراسة التي أصدرها «معهد محاربة الإرهاب» التابع للأكاديمية العسكرية ب «West Point» (الولايات المتحدة الأمريكية)، انبنت على تحليل وثائق، عثر عليها بالصومال عقب الاجتياح العسكري الإثيوبي، وقد انتهت إلى الخلاصة التالية : ((إن السيطرة على الصومال، قد يوحي بكونه يخدم خطط تنظيم القاعدة، لكنه يبدو أكثر إشكالية بالنسبة إليه من التنظيمات الغربية التي تتوخى مساعدة الصومال)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.